معنى حد الغيلة .. وكيف يتم تنفيذه .. وعلى من يطبق ؟ “
ما هي الغيلة في الشرع
إن الفقهاء قد بينوا تعريف الغيلة بأنه هو نوع من أنواع القتل في مكان متواري عن الأنظار، وإن الغيلة هي أحد أنواع الحرابة وتعني أن يقتل القاتل شخصاً ما من أجل أمر خسيس أو الحصول على المال دون وجه حق، وإن بعض الفقهاء فسروا أن قتل الغيلة هو القتل الذي يهدف للحصول على المال أو الولد أو حتى
الزوجة
، وإن الغيلة بكسر الغيل هي القتل على وجه لا يشعر به المقتول.[1]
معنى الغيلة في الحديث
نجد أن العلماء اختلفوا بمراد الغيلة فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة أن الغيلة هي أن يجامع
الرجل
امرأته وهي مرضع فيقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك، وقد قال السكيت هو أن ترضع المرأة وهي حامل، وقد ثبت في صحيح مسلم (1442) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ).
فقيل أن الغِيلة هي وطء الزوجة المرضع وقيل بأنها هي إرضاع الحامل لطفلها، وإن في الحديث كان الحكم جواز الغيلة فإنه صلى
الله
عليه وسلم لم ينهَ عنها وروى مسلم (1443) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنِّي أَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِي . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ )، ولم يأتِ ما يخالف هذه الإباحة إلا حديث ضعيف رواه أبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، فيه : نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيلة ولكن هذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في ” ضعيف سنن أبي داود “.[2]
ما هي الغلية عند المذاهب الأربعة
إن الغيلة في اللغة هو من غال الشيء أو ممكن القول أنه من اغتال الشيء أي أخذه غدراً من حيث لا يعلم، ويقال قتلة غيلة أي قد قام بخداعه وأخذه إلى مكان محدد وقتله فيه، وإن الجمع من كلمة غيلة هي غوائل وتعرف بمعنا الشر والهلكة والحقد الباطن، وقد عرّف العلماء قتل الغيلة بأنها هي الخداع والقتل في موضع لا يراه فيه أحد، أما تعريفه في الاصطلاح الشرعي حسب المذاهب الأربعة فتكون كالتالي:
- المذهب الشافعي قد عرّف أن القتل غِيلة هو الحيلة حيث يُقتل في مكان وموضع لا يستطيع أحد رؤيته.
- المذهب الحنفي وقد عرّف الغيلة بأنه هو الاغتيال حيث يأخذه إلى مكان مجهول ثم يقتله فيه.
- المذهب المالكي عرّف الغيلة أنها هي اغتيال الرجل وقالوا هو كالحرابة.
- المذهب الحنبلي فعرّف الغيلة هي القتل على غرة حيث تم الدخول إلى المنزل ويقتل فيه حتى يأخذ المال.
ما هو حد الغيلة
إن مرجع الأحكام الشرعية التي جاءت لكل زمان ومكان هو كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسم، ونجد أن في باب الحدود قد اختلف الفقهاء في مسائل كثيرة كل حسب اجتهاده، فإن حكم
حد الغيلة
كانت متفاوتة من حيث العقوبة، فالبعض رأى أنه حق خالص لله وتعالى، لهذا إن إقامة الحد فيه واجبة، والبعض الآخر يرى أنه هو حق للإنسان ولهذا يجب أن يتفذ فيه
القصاص
وإن المذاهب الأربعة قد ذكروا الأحكام وهي كالتالي:
- المذهب الشافعي قال أن حد الغيلة هو يشبه حد القتل فهو حق للعبد لا لله ويجب أن يأخذ حكم القصاص.
- أما المذهب الحنفي فقد قال بأن حد الغيلة هو حق للعبد ووجب عليه القصاص ودية مثل القتل العمد.
- أما المذهب المالكي فقد بين أن حد الغيلة هو كحد الحرابة أي هو حق لله تعالى ويقتل حداً عندهم، وقد بينوا أن قتل الغيلة هو مفسدة عامة وتقع على المجتمع بكامله فلا يوجد قصاص فيه ولا يعفو عنه.
- أما المذهب الحنبلي فقد قالوا بأن الغيلة هي مثل القتل المتعمد ويجب أن يقوم حد القصاص عليه لأنه هو حق للعبد لا حق لله تعالى.
وإن الغيلة هي من الحدود التي يرجع أصلها إلى الآدمي ولكن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز بأن هذه الحدود هي حدوده ولا يجوز أن يقترب من حدوده أو أن يتم التلاعب بها سواء كان في العفو أو في القصاص، وإن الفقهاء يرون أن حد الغيلة لا بد أن يطبق حتى في حال عفو أهل القتيل على الجاني، ولأن هذه الحدود هي حدود الله ويجب أن لا نتعداها، ولكن نرى في بعض الآراء الأخرى جواز العفو بالإضافة إلى جواز إسقاط حد الغيلة عن الجاني، وخاصة في حال تسامح أهل الورثة أو مسامحة أهل القتيل للجاني، أو في حالة أخذهم دية من القاتل.[3]
طريقة تنفيذ حد الغيلة
إن حد الغيلة ينفذ بعدة طرق وتعتمد على طريقة تنفيذ القتل ويكون هذا الحد صادراً من المحكمة الشرعية بحق الجاني الذي ارتكب الجريمة، وممكن أن يختلف حكم هذا الحد بحسب نوع الحكم وسببه، وإن حد الغيلة ينفذ في الزنا واللواط وأيضاً في القتل، وقد رأى العلماء أن تنفيذ حد الغيلة يكون بــ:
- أن الإمام هو الذي يحدد العقوبة في حد الحرابة ويكون على سبيل التخيير .
-
ومنهم من رأى أنه يجب أن تتحدد العقوبة على سبيل الترتيب لا التخيير وفي هذه الحالة يكون حد الحرابة فيها يعتمد على أسس خاصة بالجريمة المرتكبة ونوعها ويكون الترتيب على النحو التالي:
- تكون عقوبة المجرم في حالة القتل أو في حالة أخذ المال هي القتل ويصلب ولا يجوز العفو عنه.
- وتكون عقوبة المجرم إذا قتل فقط من دون أن يأخذ أو يسرق المال هي القتل فقط بدون أن يصلب.
- وتكون عقوبة المجرم إذا سرق المال من دون أن يقتل هي قطع يده اليمنى ورجله اليسرى.
- إذا قام المجرم بإرهاب الناس وتخويفهم فقط من دون أن يرتكب جريمة القتل أو يسرف فعقوبته تكون هي النفي من الأرض التي يسكنها.
هل يجوز العفو عن القاتل غيلة
إن قتل الغيلة تعتبر من المسائل التي اختلف عليها العلماء والفقهاء، وإن العفو في مثل هذه الأمور من الصعب الأخذ به بسهولة، لأن القتل سواء كان عدواناً أو عمداً فيكون من الصعب أن يتم العفو فيه، لما فيه من ضرر على الأسرة وعلى المجتمع، ولذلك نجد أن الحنفية والشافعية وأيضاً الحنابلة ذهبوا إلى أنه يجوز العفو عن القاتل غيلة في حالة موافقة أولياء المقتول جميعهم أم بعضهم، وإن الفقهاء اعتبروا أن قتل الغيلة هو مثل قتل العمد وعقابه يجب أن يؤخذ بالقصاص مثل سائر أنواع القتل الذي يكون عمداً، وأما المالكية فلم يذهبوا إلى ما ذهب إليه المذاهب الأخرى فهم لم يجيزوا العفو عن القاتل غيلة حتى لو كان أولياء المقتول قد عفوا عن الجاني أو جاء الفعو من السلطان فلا يسقط عنه الحد، وإن تنفيذ الحكم يعود إلى السلطان.
الفرق بين حد الغيلة والقصاص وعلى من يطبق
إن حد الغِيلة هي من الحدود الشرعية التي ممكن أن تؤخد عن طريق دفع الدية أو القصاص أو عن طريق القتل، والقصاص لغة يعني قص الأثر أي تتبعه أما اصطلاحاً فهو أن يفعل بالذي ارتكب الجرم بمثل ما فُعل بالمجني عليه، أي بمعنى أنه إن جُرح المجني عليه يجرح الجاني وإن قُتل يقتل، فالقصاص هو عقوبة تقع على القاتل عمداً وغِيلة وهنا سنوضح الآتي:
- أن حد الغيلة عندما يعد كالحرابة فلا يكون هناك قصاص أبداً وإنما وجب فيه القتل بشرط أن يكون بحكم السلطان، ولكنه إن عُدَّ كالقتل العمد مع العلم أن القتل غيلة هو القتل بالمخادعة ففي هذه الحالة يؤخذ القصاص أو التعزير أو ممكن أن تكون العقوبة بدفع الدية.
- أما الحد بالقتل يكون على ثلاثة أنواع وهي : القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ، وعليه فيكون القصاص في القتل العمد خاصة أو الدية حسب أولياء المجني عليه، بدليل الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}.