أنواع الصبر ومراتبة عند ابن القيم
معنى الصبر
الصبر هو حبس النفس، قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}، يعني احبس نفسك معهم عن الجزع والتسخط، بالإضافة إلى حبس اللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود، وأيضاً شق الثياب ونحوهما، فصفة الصبر هي وصية من رب العالمين: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾.
وإن الصبر في الاصطلاح الشرعي معناه حبس النفس على فعل شيء أمر به
الله
أو عن فعل شيء نهى عنه الله جل وعلا، فجعل الله فيه الأجر العظيم لمن أراد به مرضاة الله والتقرب إليه، ويتخلل
معنى
الصبر المنع والشدة والضن، وعندما نقول تصبّر
الرجل
معناه أنه تكلف الصبر وعمل على مجاهدة نفسه عليه وحمل نفسه على التوسم بهذا الخلق، وإن الصبر هو ثبات على الكتاب والسنة لأن من خطا الطريق المستقيم وصبر على المصائب والعبادات وعلى اجتناب المحرمات فله أجر من الله سبحانه وتعالى.[3]
أنواع الصبر لابن القيم
إن الإمام ابن القيم قد ذكر أن الصبر واجب بإجماع الأئمة ويقصد بذلك أن الصبر هو صفة واجبة يجب أن يتحلى بها المؤمن وإن أنواع الصبر لابن القيم تكون على ثلاثة أنواع وهي:
- النوع الأول وهو الصبر بالله وهو الصبر الذي يكون الاستعانة بالله سبحانه وتعالى ورؤيته أنه هو جل وعلا المصبّر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، فقد قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، أي إن لم يصبرك هو فلم تصبر.
- النوع الثاني وهو الصبر لله وهو أن يكون الباعث والدافع له على أن يتحلى بالصبر هو محبة الله وإرادة وجهه، وإبتغاء لمرضاته والتقرب إليه، لا لإظهار قوة النفس.
- النوع الثالث وهو الصبر مع الله ويتجلى في دوران العبد مع مراد الله الديني منه، وأن يكون مع أحكام الله الدينية صابراً نعسه معها ويسير بسيرها.
فمنزلة الصبر تكون من الإيمان فهي شبيهة بمنزلة الرأس من الجسد، فإن وجود الإيمان يترافق مع التقلد بصفة الصبر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خير عيش أدركناه بالصبر. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: “والصبر ضياء”، وفي الحديث الصحيح: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكر ابن القيم
رحمه الله
في مدارج السالكين أن الصبر هو مذكور بستة عشر نوعاً، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال:”الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً، وهو واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان”.[2]
أنواع الصبر الثلاثة
وتتجلى في القرآن والسنة النبوية الشريفة ثلاثة أنواع للصبر وهي:
- الصبر على الطاعة أي طاعة لله سبحانه وتعالى حيث أن العبد يحتاج إلى الصر لأن النفس البشرية بطبعها تكون نافرة من العبودية، فإن من العبادات التي ممكن أن يكرهها العبد بسبب الكس هي الصلاة، ومنها ما يُكره بسبب البخل مثل الزكاة، والجج والجهاد، ولهذا إن الصبر على الطاعة هي صبر على الشدائد.
- الصبر عن المعاصي وإن العبد هو أحوج إلى ذلك ثم إن كان الفعل مما تيسر فعله مثل معاصي اللسان كالغيبة والنميمة والكذب.
- الصبر على المصائب كموت الأحبة أو زوال الصحة أو عمى العين وغيرها من البلاءات الأخرى، فيكون الصبر في هذه الحالة هو من أعلى المقامات لأنه يسند على اليقين، روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُصِبْ منه).
مراتب الصبر لابن القيم
لقد ذكر ابن القيم أن للصبر أربعة مراتب وتتجلى في :
- المرتبة الأولى هي مرتبة الكمال وهذه المرتبة تكون لأولي العزائم وتتجلى بالصبر لله وبالله، فالعبد يتقرب من الله سبحانه وتعالى بالصبر ويكون مبتغياً لوجهه الكريم، ومتبرئاً من حوله وقوته وهذه المرتبة وهذا الصبر يكون من أقوى المراتب وأفضلها وذو رفعة.
- المرتبة الثانية وهي أن لا يكون فيه لا هذا ولا هذا فهذه المرتبة هي أخس المراتب وأدرأ الأخلاق، والعبد الذي يكون بهذه المرتبة يكون جديراً بكل خذلان وحرمان.
- المرتبة الثالثة وهي المرتبة التي يكون الصبر فيها هو صبر بالله وهو مستعين على حوله وقوته ومتوكل عليها ومتبرئ من حوله هو وقوته، ولكن يكون هذا الصبر ليس لله وإنما هو لنيل مطلوبه والظفر به، وربما كانت عاقبته شر العواقب، وإن في هذه المرتبة يكون خفراء الكفار وأرباب الأحوال الشيطانية، حيث أن صبرهم بالله لا لله ولا في الله.
- أما المرتبة الرابعة يكون فيها الصبر هو صبر لله ولكنه ضعيف النصيب من الصبر به والتوكل عليه، وتكون عاقبته حميدة ولكنه يكون ضعيف مخذول في مطالبه، فنصيبه من الله يكون أقوى من نصيبه بالله، فهذا حال المؤمن الضعيف.
فهنا يمكننا القول أن الصبر عندما يكون في حال ةصابر بالله لا لله فهو حال الفاجر القوي أما صابر لله وبالله فهو حال المؤمن القوي وهو أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.[4]
مراتب الصبر الخمسة
إن مراتب الصبر هي خمسة مراتب وتتجلى في:
- صابر، فالصابر أي أعمها
- ومصطبر أي المكتسب للصبر والمليء به.
- ومتصبر وهو المتكلف الحامل نفسه عليه.
- وصبور وهو العظيم الصبر الذي يكون صبره أشد من صبر غيره.
- وصبّار وهو كثير الصبر فهذا يكون في القدْر والكم، والذي قبله يتجلى في الوصف والكيف.
أقوال ابن القيم عن الصبر
وهنا نجد أن الإمام ابن القيم رحمه الله قد قال عن الصبر والإبتلاءات أقوالاً حكيمة مبين أهمية الصبر ومن هذا الكلم الطيب :
- فالصَّبرُ طَلْسَمٌ على كنزِ السَّعادةِ، مَن حَلَّه ظفِرَ بالكنزِ.
- ولا تقوم التقوى الا على ساق الصبر.
- لافرحة لمن لا هم لـــه، و لا لذة لـمن لا صـبــر له، وَلا نـعيم لمن لا شـقـاء لـــه، ولا راحة لـمن لا تـعـب لـه.
- ليس دوما يبتلى الإنسان لِيُعَذَّب؛ وإنما قد يبتلى ليُهَذَّب.
- من تلمح حلاوة العافية؛ هانت عليه مرارة الصبر.
أقوال السلف عن الصبر
إن لصفة الصبر شأن كبير فقد حث القرآن الكريم على التحلي بها وأيضاً السنة الشريفة فهذه الصفة هي من صفات الأنبياء، وقد كان هناك الكثير من السلف قد بينوا أهميتها فمن أقوال السلف عن الصبر:
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أفضل عيش أدركناه بالصَّبر، ولو أن الصَّبر كان من الرجال كان كريمًا.
- قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا إن الصَّبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسم،ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له،وقال: الصَّبر مطية لا تكبو.
- قال عبدالله بن مسعود: الصَّبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.
- قال الحسن البصري: الصَّبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبدٍ كريم عنده.
- قال عمر بن عبدالعزيز: ما أنعَم الله على عبدٍ نعمةً فانتزعها منه، فعوَّضه مكانها الصَّبر إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزعه.[1]