قصائد غريبة الألفاظ


قصائد عربية غريبة


تتميز اللغة العربية بثراء الكلمات، والتعبير، وجمال ألحانها، مما جعلها متوجة على رأس من حولها من اللغات، وحتى باتت لغة ذات إقبال على فهمها وتعلمها، من غير العرب، ولا تخلو اللغة العربية من غرابة الألفاظ والقصائد الغريبة ومنها قصيدة للمتنبي:


فِداً لَكَ مَن يُقَصِّرُ عَن مَداكا


فَلا مَلِكٌ إِذَن إِلّا فَداكا


وَلَو قُلنا فِداً لَكَ مَن يُساوي


دَعَونا بِالبَقاءِ لِمَن قَلاكا


وَآمَنّا فِداءَكَ كُلَّ نَفسٍ


وَإِن كانَت لِمَملَكَةٍ مِلاكا


وَمَن يَظَنُّ نَثرَ الحَبِّ جوداً


وَيَنصِبُ تَحتَ ما نَثَرَ الشِباكا


وَمَن بَلَغَ التُرابَ بِهِ كَراهُ


وَقَد بَلَغَت بِهِ الحالُ السُكاكا


فَلَو كانَت قُلوبُهُمُ صَديقاً


لَقَد كانَت خَلائِقُهُم عِداكا


لِأَنَّكَ مُبغِضٌ حَسَباً نَحيفا


إِذا أَبصَرتَ دُنياهُ ضِناكا


أَروحُ وَقَد خَتَمتَ عَلى فُؤادي


بِحُبِّكَ أَن يَحِلَّ بِهِ سِواكا


وَقَد حَمَّلتَني شُكراً طَويلاً


ثَقيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَراكا


أُحاذِرُ أَن يَشُقَّ عَلى المَطايا


فَلا تَمشي بِنا إِلّا سِواكا


لَعَلَّ اللَهُ يَجعَلُهُ رَحيلاً


يُعينُ عَلى الإِقامَةِ في ذَراكا


وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ خَفَضتُ طَرفي


فَلَم أُبصِر بِهِ حَتّى أَراكا [1]


وهذه أبيات أيضاً من القصائد العربية الغريبة في ألفاظها، كما يصفها النقاد والمهتمون بالشعر، وهي جزء من قصيدة للمتنبي


وَكَيفَ الصَبرُ عَنكَ وَقَد كَفاني


نَداكَ المُستَفيضُ وَما كَفاكا


أَتَترُكُني وَعَينُ الشَمسِ نَعلي


فَتَقطَعُ مِشيَتي فيها الشِراكا


أَرى أَسَفي وَما سِرنا شَديداً


فَكَيفَ إِذا غَدا السَيرُ اِبتِراكا


وَهَذا الشَوقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ


فَها أَنا ما ضُرِبتُ وَقَد أَحاكا


إِذا التَوديعُ أَعرَضَ قالَ قَلبي


عَلَيكَ الصَمتُ لا صاحَبتَ فاكا


وَلَولا أَنَّ أَكثَرَ ما تَمَنّى


مُعاوَدَةٌ لَقُلتُ وَلا مُناكا


قَدِ اِستَشفَيتَ مِن داءٍ بِداءٍ


وَأَقتَلُ ما أَعَلَّكَ ما شَفاكا


فَأَستُرُ مِنكَ نَجوانا وَأَخفي


هُموماً قَد أَطَلتُ لَها العِراكا


إِذا عاصَيتُها كانَت شِداداً


وَإِن طاوَعتُها كانَت رِكاكا


وَكَم دونَ الثَوِيَّةِ مِن حَزينٍ


يَقولُ لَهُ قُدومي ذا بِذاكا


وَمِن عَذبِ الرُضابِ إِذا أَنَخنا


يُقَبِّلُ رَحلَ تُروَكَ وَالوِراكا


يُحَرِّمُ أَن يَمَسَّ الطيبَ بَعدي


وَقَد عَبِقَ العَبيرُ بِهِ وَصاكا


وَيَمنَعُ ثَغرَهُ مِن كُلِّ صَبٍّ


وَيَمنَحُهُ البَشامَةَ وَالأَراكا


يُحَدِّثُ مُقلَتَيهِ النَومُ عَنّي


فَلَيتَ النَومَ حَدَّثَ عَن نَداكا


وَأَنَّ البُختَ لا يُعرِقنَ إِلّا


وَقَد أَنضى العُذافِرَةَ اللِكاكا


وَما أَرضى لِمُقلَتِهِ بِحُلمٍ


إِذا اِنتَبَهَت تَوَهَّمَهُ اِبتِشاكا


وَلا إِلّا بِأَن يُصغي وَأَحكي


فَلَيتَهُ لا يُتَيِّمُهُ هَواكا


وَكَم طَرِبِ المَسامِعِ لَيسَ يَدري


أَيَعجَبُ مِن ثَنائي أَم عُلاكا


وَذاكَ النَشرُ عِرضُكَ كانَ مِسكاً


وَذاكَ الشِعرُ فِهري وَالمَداكا


فَلا تَحمَدهُما وَاِحمَد هُماماً


إِذا لَم يُسمِ حامِدُهُ عَناكا


أَغَرَّ لَهُ شَمائِلُ مِن أَبيهِ


غَداً يَلقى بَنوكَ بِها أَباكا


وَفي الأَحبابِ مُختَصٌّ بِوَجدٍ


وَآخَرُ يَدَّعي مَعَهُ اِشتِراكا


إِذا اِشتَبَهَت دُموعٌ في خُدودٍ


تَبَيَّنَ مَن بَكى مِمَّن تَباكى


أَذَمَّت مَكرُماتُ أَبي شُجاعٍ


لِعَينِيَ مِن نَوايَ عَلى أُلاكا


فَزُل يا بُعدُ عَن أَيدي رِكابٍ


لَها وَقعُ الأَسِنَّةِ في حَشاكا


وَأَيّا شِئتِ يا طُرُقي فَكوني


أَذاةً أَو نَجاةً أَو هَلاكا


فَلَو سِرنا وَفي تَشرينَ خَمسٌ


رَأَوني قَبلَ أَن يَروا السِماكا


يُشَرِّدُ يُمنُ فَنّاخُسرَ عَنّي


قَنا الأَعداءِ وَالطَعنِ الدِراكا


وَأَلبَسُ مِن رِضاهُ في طَريقي


سِلاحاً يَذعَرُ الأَبطالَ شاكا


وَمَن أَعتاضُ عَنكَ إِذا اِفتَرَقنا


وَكُلُّ الناسِ زورٌ ما خَلاكا


وَما أَنا غَيرُ سَهمٍ في هَواءٍ


يَعودُ وَلَم يَجِد فيهِ اِمتِساكا


حَيِيٌ مِن إِلَهي أَن يَراني


وَقَد فارَقتُ دارَكَ وَاِصطَفاكا


أبيات شعر معقدة


أما عن الأبيات المعقدة فقد اشتهرت هذه الأبيات التي انتشر أنها للمتنبي، وهي


عِشِ اِبقَ اِسمُ سُد قُد جُد مُرِ اِنهَ رِفِ اِسرِ نَل


غِظِ اِرمِ صِبِ اِحمِ اِغزُ اِسبِ رُع زَع دِلِ اِثنِ نُل


وَهَذا دُعاءٌ لَو سَكَتُّ كُفِيتَهُ


لِأَنّي سَأَلتُ اللَهَ فيكَ وَقَد فَعَل


أقِلْ أنِلْ أُن صُنْ احمِل عَلِّ


أعد زِدْ هَشَّ بشَّ


هَبِ إغفر أُدْنِ سُرَّ صِلْ


أما عمرو بن كلثوم فقد قال


حَلَّت سُلَيمى بِخَبتٍ أَو بِفَرتاجِ


وَقَد تُجاوِز أَحياناً بَنى ناجِ


إِذ لا تُرَجّي سُلَيمى أَن يَكونَ لَه


مَن بِالخَوَرنَقِ مِن قَينٍ وَنَسّاجِ


وَلا يَكونُ عَلى أَبوابِها حَرَسٌ


وَلا تُكَفِّفُ قِبطِيّاً بِديباجِ


تَمشي بِعِدلَينِ مِن لُؤمٍ وَمَنقَصَةٍ


مَشيَ المُقَيَّدِ في اليَنبوتِ وَالحاجِ


أَلا أَبلِغِ النُعمانَ عَنّي رِسالَةً


فَمَجدُكَ حَولِيٌّ وَلُؤمُكَ قارِحُ


مَتى تَلقَني في تَغلِبَ اِبنَةِ وائِلٍ


وَأَشياعِها تَرقى إِلَيكَ المَسالِحُ


شعر متشابه الكلمات


هناك من الشعر ما تشابهت كلماته لأسباب عدة يراها المهتمين بالشعر على أنها لها أسباب من وجهة نظرهم، فمنهم من رأى ذلك نوع من أنواع الأعجاب بما كتبه غيرهم من الشعراء، ومنهم  من رآه استشهاد يعجب الشاعر وكأنه يخاطب العارفين بالقصيدة استشهاد، ومن تلك القصائد التي تشابهت معها بيوت غيرها:


قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ


بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ


فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه


لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ


تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِه


وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ


كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلو


لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ


وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم


يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ


وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ


فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ


كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَه


وَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ


فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً


عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي


أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ


وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ


وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي


فَيا عَجَباً مِن كورِها المُتَحَمَّلِ


فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِه


وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ


وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرَ خِدرَ عُنَيزَةٍ


فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي


تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَع


عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِ فَاِنزُلِ


فَقُلتُ لَها سيري وَأَرخي زِمامَهُ


وَلا تُبعِديني مِن جَناكِ المُعَلَّلِ


فَمِثلُكِ حُبلى قَد طَرَقتُ وَمُرضِعٍ


فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحوِلِ


إِذا ما بَكى مِن خَلفِها اِنصَرَفَت لَهُ


بِشِقٍّ وَتَحتي شِقُّها لَم يُحَوَّلِ


وَيَوماً عَلى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت


عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لَم تُخَلَّلِ


أَفاطِمَ مَهلاً بَعضَ هَذا التَدَلُّلِ


وَإِن كُنتِ قَد أَزمَعتِ صَرمي فَأَجمِلي


وَإِن تَكُ قَد ساءَتكِ مِنّي خِلقَةٌ


فَسُلّي ثِيابي مِن ثِيابِكِ تَنسُلِ


أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي


وَأَنَّكِ مَهما تَأمُري القَلبَ يَفعَلِ


وَما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبي


بِسَهمَيكِ في أَعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ


وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُه


تَمَتَّعتُ مِن لَهوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ


تَجاوَزتُ أَحراساً إِلَيها وَمَعشَر


عَلَيَّ حِراساً لَو يُسِرّونَ مَقتَلي


والتشابه كان مع هذه القصيدة لطرفة بن العبد، وتقول كلماتها


لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ


تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ


وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم


يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ


كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً


خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ


عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ


يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي


يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بِها


كَما قَسَمَ التُربَ المُفايِلُ بِاليَدِ


وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ


مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ


خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ


تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي


أشعار غريبة ومضحكة


لا يخلو الشعر، مثله مثل أي لون أخر من ألوان الفنون من الغرابة، وما يضحك، وهو ما جاء في بعض أبيات الشعر العربية، ومن ذلك ما جاء ونسب للإمام الشافعي، عن حاله مع الناس، وحالة المراقبة منهم، ورفضهم لكل غريب عنهم، وهي :


ضَحِكتُ فقالوا ألا تحتشم ** بكيتُ فقالوا ألا تبتسم


بَسَمتُ فقالوا يرائي بها ** عَبَستُ فقالوا بدا ما كتم


صَمَتُ فقالوا كليلُ اللسان ** نَطقتُ فقالوا كثير الكلام


حَلُمْتُ فقالوا صنيعُ الجبان ** ولو كان مقتدرا لانتقم


بَسِلتُ فقالوا لطيش به ** وما كان مجترئا لو حكم


يقولون شذ إذا قلت لا ** وإمعةٌ حين وافقتهم


فأيقنتُ أني مهما أرد ** رضا الناس لابد من أن أذم [2]