لماذا لم يسترجع المغرب سبتة ومليلية الى يومنا هذا
حقيقة سبتة ومليلية
يوفر سياج
سبتة
ومليلية نموذجاً يمكن من خلاله دراسة مدى توافق أهداف الحكومات المعلنة والأهداف الخفية في إنشاء الحدود الإقليمية حيث تستخدم الحكومة الإسبانية التحدي المتمثل في
الهجرة
غير النظامية كحجة لتعزيز سياج سبتة ومليلية على الرغم من أن التقارير تصر على أن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون إلى إسبانيا عبر هاتين المدينتين أو في أي مكان آخر قد ازداد.
-
منذ بناء السياجين في وقت مبكر التسعينيات يشير هذا إلى أنه كلما تم تكثيف إجراءات مراقبة الحدود سيتم العثور على طرق أكثر سرية لعبور الحدود الدولية حيث تعكس سبتة ومليلية تاريخا طويلًا من التفاعلات بين المغرب وإسبانيا وتتأرجح هذه العلاقات بين التعايش والمواجهة حسب الظروف الإقليمية المتغيرة وتوازن القوى في منطقة
البحر
الأبيض المتوسط حيث يمكن إرجاع الوجود الإسباني في شمال إفريقيا إلى العصر الذي هيمن عليه الصراع المكثف بين المسيحيين والمسلمين. -
وذلك للسيطرة على الأراضي ليس فقط في شبه الجزيرة الأيبيرية في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط بأكملها حيث يشير المصطلح الإسباني “Reconquista” إلى هذه الفترة الطويلة بين عامي 718 و 1492 والتي انتهت بما يسميه
التاريخ
الإسلامي “سقوط الأندلس” ومع ذلك لم تقتصر طموحات حروب “الاسترداد” على استصلاح شبه الجزيرة الأيبيرية فقط بل شملت توسيع السيطرة المسيحية في شمال غرب إفريقيا. -
سبتة ومليلية هما من أهم الجيوب الخاضعة للسيطرة الإسبانية في شمال المغرب بعد نهاية “الاسترداد” كانت
مليلية
أول من سقط تحت الحكم الإسباني عام 1497 وسبتة التي استولت عليها البرتغال عام 1415 تم نقلها إلى إسبانيا بموجب معاهدة لشبونة في عام 1668 حيث كانت سبتة ومليلية مثل جميع مدن العصور الوسطى محاطة بمناطق عالية ومرتفعة وجدران حجرية سميكة لحمايتها والدفاع عنها من الغزاة وجميع أنواع الهجمات الخارجية.
لماذا المغرب لم يحرر سبتة ومليلية
كانت كلتا المدينتين بؤرتين طويلتين للصراع بين القوى المتوسطية كإستراتيجية دفاعية رئيسية لنظام
العالم
القديم لم تكن الجدران القديمة قضية متنازع عليها بين المغرب وإسبانيا ومع ذلك فقد أدى بناء أسوار جديدة وتوسيع أو تجديد الأسوار الموجودة على حدود الجيبين اليوم إلى ظهور خلافات سياسية وقانونية بين البلدين وبصرف
النظر
عن سبتة ومليلية تسيطر إسبانيا على عدد قليل من الجزر الصغيرة 2 التي يعتبرها المغرب لأسباب تاريخية وجغرافية جزءاً لا يتجزأ من أراضيه.
-
عام 1986:
كان عام 1986 نقطة تحول في تاريخ المدينتين والجزر الأخرى التي تسيطر عليها إسبانيا في شمال المغرب كجزء من انضمام إسبانيا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية (لاحقاً الاتحاد الأوروبي) حيث أصبحت أيضاً من أقاليم الاتحاد الأوروبي. -
عام 1993:
حدث تطور ملحوظ في هذه المناطق في عام 1993 بحجة منع الهجرة غير النظامية بدأت محيط هذه الجيوب بالأسوار نظراً لأنه كان من السهل نسبياً عبور هذه الأسوار الأولية فقد بدأ بناء نظام أكثر أماناً في خريف عام 1995 منذ ذلك
الوقت
واصلت الحكومة الإسبانية تعزيز الأسوار جسدياً ومن خلال استخدام التقنيات المتقدمة مثل كاميرات الأشعة تحت الحمراء. -
عام 2005:
في عام 2005 أقامت الحكومة الإسبانية سياجاً ثالثاً بجوار السياجين المتدهورين الموجودين بالفعل من أجل إغلاق الحدود تماماً من الاختراق بعيداً عن نقاط التفتيش المحددة حيث ساهم الاتحاد الأوروبي مالياً في المشروع وأدخل ديناميكية جديدة وقدمت 200 مليون جنيه إسترليني لبناء سياج حدودي من الأسلاك الشائكة حول سبتة وتحملت 75 في المائة من تكاليف المشروع الأول من عام 1995 إلى عام 2000.
إن سياجين سبتة ومليلية سيستمران في التأثير سلباً على علاقات المغرب مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي حيث تعكس سياسة إسبانيا في تسييج حدود الجيبين ضغوطاً متناقضة في المنطقة بينما شهد مجال البحر الأبيض المتوسط عدداً متزايداً من مشاريع التعاون الثقافي والاقتصادي في العقدين الماضيين ويتم بناء جدران مادية وافتراضية جديدة في المنطقة لتحقيق “حصن أوروبا”.
التحدي الذي يواجه المنطقة هو ما إذا كان الترابط الاقتصادي المتزايد والآليات المؤسسية الثنائية أو المتعددة الأطراف ستمنع أي صراع دراماتيكي أو على الأقل أزمة خطيرة يمكن أن تتسبب في انتكاسة كبيرة لعملية التكامل الأورومتوسطي الجارية.
حتى لو لم تكن شمال إفريقيا حالياً من أولويات أجندات السياسة الدولية ولا سيما الولايات المتحدة فسيظل مضيق جبل طارق أحد أكثر المداخل حيوية بالنسبة للسفن التجارية والعسكرية لذلك بغض النظر عن التنافس على النفوذ الإقليمي في مضيق جبل طارق وأي اضطرابات بين المغرب وإسبانيا قد يغذيها الاحتلال الإسباني المستمر لسبتة ومليلية فإن الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة يظل الخيار الأكثر قبولاً للجميع والجهات الفاعلة الدولية المعنية.
الحدود بين سبتة والمغرب
إن الوضع الحالي لسياج المدينتين بحسب تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية في
أكتوبر
2005 هو كما يلي:
- تتميز الحدود البرية الخارجية لمليلية بسياج مزدوج الحدود بطول 10.5 كيلومترات مقسم إلى ثلاثة قطاعات حيث يبلغ ارتفاع السياج الخارجي 3.5 متر ويصل السور الداخلي في بعض الأماكن إلى 6 أمتار وتم تجهيز السياجين بأسلاك شائكة لمنع المهاجرين غير النظاميين من تسلق السياج ويتكون نظام المراقبة المركب من 106 كاميرات ثابتة للمراقبة بالفيديو وكابل ميكروفون إضافي بالإضافة إلى المراقبة بالأشعة تحت الحمراء .
- على الحدود البرية الخارجية لسبتة (جدار حدودي مزدوج بطول 7.8 كيلومتر مقسم إلى ثلاثة قطاعات) تم نشر 316 شرطياً و 626 ضابطاً مدنياً في الحرس الوطني باستثناء 37 كاميرا متحركة مثبتة على طول هذا الخط الحدودي فإن المعدات التقنية المستخدمة لمراقبة الحدود هي نفسها الموجودة في مليلية بالإضافة إلى ذلك تستخدم طائرات الهليكوبتر لمراقبة الحدود الخارجية بعد الهجمات الضخمة الأخيرة.
- في إطار متابعة استراتيجية فصل الجيوب التي تسيطر عليها إسبانيا في شمال إفريقيا عن الأراضي المغربية خصصت الحكومة الإسبانية في بداية عام 2009 ميزانية مهمة لتجديد وتقوية أسوار الأسلاك الشائكة المحيطة بسبتة ومليلية.
- بالإضافة إلى هذين السياجين الماديين أصبحت المراقبة الرقمية للهجرة غير النظامية الآن جزءاً أساسياً من سياسة الحكومة الإسبانية حيث يعد النظام المتكامل للمراقبة الخارجية (SIVE) أحد أكبر أنظمة المراقبة في أوروبا التي تهدف إلى مراقبة المناطق البحرية الإسبانية التي يستهدفها المهاجرون غير الشرعيين.
- حيث تم تطبيق SIVE لأول مرة في عام 1999 حول مضيق جبل طارق حيث كان غالبية المهاجرين غير النظاميين يصلون في ذلك الوقت حيث قامت الحكومة الإسبانية بعد ذلك بتوسيع SIVE إلى الشرق والغرب لتغطية مقاطعة قادس بأكملها على التوالي في عام 2004 وساحل الأندلس بأكمله في عام 2005 وأخيراً جزر الكناري.
-
تم تنفيذ SIVE من خلال الإضافة التدريجية لتقنيات مراقبة الحدود وإدارتها بما في ذلك أنظمة الرادار لمسافات طويلة وأجهزة الاستشعار المتقدمة التي يمكنها اكتشاف دقات
القلب
من مسافة بعيدة والكاميرات الحرارية وكاميرات الرؤية الليلية وبصريات الأشعة تحت الحمراء والمروحيات وقوارب الدوريات. - تطلب السياج الإسباني الافتراضي على غرار السياج الأمريكي ميزانية كبيرة يمولها الاتحاد الأوروبي جزئياً للفترة من 1999 إلى 2004 وتم تخصيص 150 مليون يورو والتي تُرجمت إلى حوالي 1800 يورو لكل مهاجر تم اعتراضه خلال فترة الخمس سنوات المذكورة.
حصار سبتة ومليلية
على الرغم من التكاليف المالية واللوجستية الباهظة لم يحقق نظام السياج الافتراضي الإسباني نتائج مهمة في منع المهاجرين غير النظاميين من المخاطرة بحياتهم من خلال الإبحار عبر البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي على متن قوارب متهالكة من شواطئ غرب إفريقيا النائية في السنغال وموريتانيا .
جادل يورغن كارلينج باحث نرويجي بأن تطوير SIVE لم يدفع المهربين إلى تبني طرق جديدة فحسب بل أدى أيضاً إلى تغييرات فنية وتنظيمية من جانب المهربين وأوضح كارلينج هذا الاستنتاج بناءً على بعض الدراسات السابقة على خمس نقاط:
- أولاً طور المهربون قوارب جديدة مصممة خصيصا للتهريب بدلاً من الاعتماد على قوارب الصيد.
-
ثانياً من أجل زيادة أرباحهم يضاعف المهربون عدد الركاب في كل
رحلة
من خلال استخدام القوارب المطاطية الكبيرة (الأبراج). - ثالثاً ينظمون رحلات جماعية لتشمل مجموعة من باتيراس التي تنتشر عندما يقتربون من الساحل هذا يجعل من الصعب على Guardia Civil اعتراض جميع القوارب التي تم اكتشافها بواسطة SIVE.
- رابعاً يجعل برنامج SIVE رحلة المهاجرين وخاصة أولئك الذين يفتقرون إلى المهارات البحرية أكثر خطورة في حين أن المهربين لا يتعرضون لخطر إضافي للاعتقال من قبل السلطات الإسبانية بالإضافة إلى ذلك كرد فعل لأنظمة التحكم الافتراضية المتطورة المطبقة في غرب البحر الأبيض المتوسط وفي المحيط الأطلسي يحاول المهاجرون الوصول إلى التراب الأوروبي من السواحل المغاربية الشرقية (من الجزائر وتونس وليبيا) خاصة عبر الجزر الإيطالية لامبيدوسا وبانتيليريا ولينوسا والبر الرئيسي صقلية.
- خامساً يجب التأكيد على أن المهاجرين غير النظاميين الذين يدخلون إسبانيا وكذلك البلدان المضيفة الأخرى عن طريق البحر يفوقهم المهاجرون الذين يدخلون عبر قنوات أخرى.[1][2]