قصة الصحابي الذي حج سرًا

فريضة الحج

يعرف الحج بأنه ركن من أركان

الإسلام

الخمسة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً”.

والمقصود بالحج في الإسلام هو أن يقصد المسلم بيت الله المقدس في مكة في وقت معين من السنة من أجل إتمام مناسك الحج بغية التقرب من الله سبحانه وتعالى، والحج من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى وسبب ذلك يرجع إلى أن الحج يطهر النفس ويقوي الإيمان ويهدي الروح ويغفر للعبد ذنوب قد سبق وارتكبها.

وجاء في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ”.

وقد فرض الله سبحانه وتعالى فريضة الحج على المسلمين مرة واحدة في

العمر

لمن يستطيع أداءه مادياً و جسدياً، حيث قال تعالى في القرآن الكريم: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً”.[1]

من هو الصحابي الذي حج سرا

إنَّ الحج فريضة على كل مسلم مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً سواء مادياً أو جسدياً، وقد أداها سيدنا محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأداها الصحابة الكرام أيضاً، ولكن هناك صحابي جليل قام بأداء فريضة الحج بشكل سري وهو الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه الملقب بسيف الله المسلول، حيث أنه عندما كان خالد بن الوليد في العراق على رأس الجيوش الإسلامية التي كانت تحارب هناك، انسل من بين المحاربين وذهب إلى مكة المكرمة وأدى فريضة الحج ثم رجع إلى العراق ليواصل القتال ولم يعلم بذلك الأمر إلا القليل من المسلمين، وهذا ما ذكره ابن كثير في كتابه.[2]

نبذة عن الصحابي خالد بن الوليد


  • نسبة

هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأمه لبابة بنت الحارث أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وكان والده سيداً في قريش.


  • خالد بن الوليد سيف الله المسلول

مدحه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قائلاً عنه: (نعمَ عبدُ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ سيفٌ من سيوفِ اللهِ)، لُقب بسيف الله المسلول ويكنى بأبي سليمان، وقيل أبو الوليد، وكان خالد معروف بمهارته في الفروسية.


  • صفاته

وكان من صفات خالد أنه كان طويل، عظيم الجسم، مائل إلى البياض، وقيل إنه كان شديد الشبه بعمر بن الخطاب، وتمتع خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بقوة في جسمه، حيث قال ذات مرة عن نفسه: (قَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَومَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ فَما بَقِيَ في يَدِي إلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ)، واتصف خالد بأنه كان حكيم وشجاع وفصيح اللسان.


  • وفاته

اختلف الكثير في مكان موت خالد فقال ابن حجر العسقلاني أن خالد توفي بحمص، بينما قال أبي زرعة الدمشقي أن وفاته كانت في المدينة، أما ابن عساكر فذكر في كتابه تاريخ دمشق الكبير عدة روايات ترجح وفاته بحمص، ونقل ابن كثير في كتابه البداية والنهاية قول الواقدي ومحمد بن سعد بأنه مات بقرية تبعد نحو ميل عن حمص.

ولكن من المرجح أن خالد توفي في حمص في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في العام 21 للهجرة، وقيل إنّ وفاته كانت في المدينة المنورة، وقد مات وهو في سن الخامسة والخمسين من عمره، وحين حضرته الوفاة بكى وقال: “لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة بسيفٍ، أو رمية بسهمٍ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء”.[3]

قصة حج الصحابي في السر

في العام الثاني عشر للهجرة النبوية في فترة خلافة الصحابي الجليل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حيث كان خالد بن الوليد حينها هو قائد جيوش المسلمين في العراق كان يقاتل جيش الفرس والروم اللذين تعاونا معاً ضد المسلمين،

وعلى الرغم من انشغال الصحابي الجليل خالد بن الوليد بالجهاد في سبيل الله، فإن قلبه ظل متعلق بزيارة البيت الحرام وكان متشوق للحج، فلما تأكد من نصر جيش المسلمين قرر سيف الله المسلول خالد أن يذهب إلى مكة المكرمة لأداء الحج في سرية تامة وكان متخفياً حتى لا يعرف جيش الأعداء بذلك وحينها يستغلون غيابه.

وفي ذلك

الوقت

تخفى خالد بن الوليد، وأمر جنوده بالعودة إلى مدينة الحيرة والتظاهر بأنه سوف يسير في مؤخرة الجيش، ولكنه كان حينها يبدأ رحلته إلى مكة لإتمام الحج ومعه القليل من أصحابه ومن دون أن يخبر الخليفة سيدنا أبو بكر بذلك الأمر.

ثم سلك دروب الصحراء في الخمس أيام الأخيرة من شهر ذي القعدة حتى لا يستغرق وقت طويل، ولم يكن معه أي دليل يرشده في الصحراء إلا أن صدق نيته كانت خير دليلاً له ومرشداً له، وعندما وصل خالد بن الوليد إلى مكة المكرمة قام بأداء مناسك الحج بشكل سري وسريع حتى يعود إلى مدينة الحيرة ويلحق بمؤخرة جيشه، ولم يلاحظ أحد غيابه لأنه أتم الحج لأياماً قليلة.

وعندما علم الخليفة أبو بكر الصديق بأمر حج خالد بسرية تامة استاء منه لما فعله وعتب عليه عتاب شديد لأنه لم يستأذنه، وكان الموقف متوتر في دمشق بالشام، فقرر أبو بكر الصديق أن يرسل خالد بن الوليد إلى الشام، لأن الموقف كان متأزماً في الشام على العكس في فارس حيث كان الوضع هناك مطمئن جداً، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يرفض أن يقوم خالد بن الوليد بقيادة جيش الشام وكان يرى أن يجب عزل خالد بن الوليد من قيادته للجيش لأن يعتبر ذهابه للحج بدون إذن الخليفة أمر عظيم!، ولكن رد سيدنا أبو بكر الصديق رغم غضبه الشديد من خالد ليدل عن حكمة فقال لعمر: “والله لأُنسينَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، والله لا أشيم سيفًا سلَّه الله على الكفار”.

ثم أرسل الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسالة إلى خالد بن الوليد قال له فيها: “سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجُوا وأشجَوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون اللّه شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة، فأتمم يتمم اللّه عليك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن اللّه له المن وهو ولي الجزاء”.

وتوجه خالد بن الوليد إلى الشام وقاتل الروم وحقق انتصارات هائلة وألحق بالروم هزيمة كبيرة حتى هرب بقيتهم إلى داخل حصن بُصرى، وأعلنوا الاستسلام ودفع الجزية، فقام خالد بن الوليد بجمع غنائم الحرب التي خلَّفها الرومان خارج الحصن.