لماذا لانستطيع تذكر أحداث طفولتنا التي حدثت قبل سن الرابعة
فقدان ذاكرة الطفولة
غالباً لا يستطيع الإنسان تذكر أحداث طفولته التي حصلت قبل سن الرابعة، و تبقى تلك السنوات من حياته مبهمة و ضبابية، فذاكرته تمحي الأماكن والأشخاص والأحداث التي مر بها في تلك الفترة.
فقد يسأل الأنسان نفسه كيف كنت أقضي يومي وأنا طفل؟ كيف كان أهلي والمحيط يتعاملون معي؟ ماذا كنت أفضل؟ هل كنت ولد شقي؟ هل كنت أحب هذا الشخص أو هذا المكان أو هذا الطعام حقاً؟
ليجد نفسه في حيرة وذهول، فهو غير قادر على تذكر تلك المرحلة
العمر
ية حتى لو استعان بألبومات
الصور
أو الأهل والمعارف و تحدثوا له عن مرحلة طفولته، سوف ينظر لهم باستغراب كأنهم يتكلمون عن شخص أخر، فهو على الأرجح لن يستطيع تذكر ما يتكلمون عنه ولكنه يبدأ بالتخيل، فمتي
تبدأ ذاكرة الطفل بالتخزين
.
لهذه الظاهرة الغريبة اسم علمي و هو فقدان ذاكرة الطفولة وهي لغز غريب دائماً ما يحاول الباحثون إيجاد سبب منطقي له[1]
ما هو سبب فقدان ذاكرة الطفولة وكيف يتطور
يعرف فقدان ذاكرة الطفولة بعدم قدرة الأنسان البالغ على تذكر المواقف و الأحداث و استرجاع الذكريات التي حصلت معه قبل سن الرابعة.
وأظهرت الدراسات إن الإنسان كلما تقدم في العمر، كلما ضعفت قدرته على تذكر أحداث طفولته.
فقبل سن السابعة يمكن للطفل تذكر ٧٠% وأكثر من أحداث طفولته المبكرة، وعندما يبلغ التاسعة تنخفض نسبة التذكر إلى ٤٠%، ومع التقدم بالعمر تصبح مرحلة الطفولة فصل مفقود من سجل حياة الشخص الذي يقدر على تذكره.
- القدرة اللغوية
حيث يعتقد الباحثون أن هناك ارتباط بين فقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة والتطور غير المكتمل للغة لدى الأطفال.
فالطفل الصغير عندما يمر بحادث أو موقف لا يملك القدرة على وصف هذا الحادث لتخزينه في ذاكرته وقد يستخدم رموز معينة لتخزينها، ولكن عندما تتطور قدراته اللغوية والتعبيرية تبدأ تلك الذكريات بالاختفاء لأنها غير مربوطة بوصف دقيق باستخدام اللغة التي أصبح يجيدها، وهذا ما يفسر الاختفاء التدريجي لذكريات الطفولة مع التقدم في العمر وازدياد القدرة على التعبير والتواصل اللفظي.[1]
- تطور الإحساس بالذات
فالأطفال الصغار قبل سن الرابعة لا يكون لديهم غالباً إحساس بالذات وأنهم أشخاص لهم صفاتهم ومعتقداتهم ومشاعرهم الخاصة، وبالتالي لا يكون لديهم المهارة الكافية لتنظيم ذكرياتهم والاحتفاظ بها والقدرة على استرجاعها وربطها معاً.
ومع التقدم في العمر وفي سن الرابعة أو الخامسة، يبدأ تطور الوعي والإحساس بالذات لدى الأطفال ويصبحون قادرين على تخزين وربط واسترجاع ذكرياتهم بشكل فردي ومستقل.[1]
- نشاط الناقل العصبي GABA
أن الناقل العصبي المثبط لحمض جاما الأميني الزبدي (GABA) يكون ذو نشاط أعلى من فترة الطفولة المبكرة، وقد أثبت أن له تأثير على ضعف القدرة على استرجاع الذاكرة ومحو ذكريات الطفولة، ومن الدلائل على ذلك أن هناك أدوية نفسية تزيد نشاط (GABA) لدى البالغين وقد لوحظ أنها تسبب لهم فقدان متقدم في الذاكرة وفشل في تشفير الذكريات.[1]
- النمو السريع والإنتاج المستمر للخلايا العصبية
حيث أن معدل النمو وتكوين الخلايا العصبية يكون مرتفع جداً في مرحلة البلوغ، ويتناقص مع التقدم في العمر.
وأظهرت الدراسات أن النمو السريع والتكوين المستمر للخلايا العصبية يؤثر ويقلل احتمالية تكوين ذكريات طويلة الأمد، وقد يكون السبب المنافسة والتبديل بين الخلايا العصبية الجديدة والحالية والذي يعوق التواصل بين الخلايا العصبية لاختزان المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد.[1]
- نقص النمو العصبي لدماغ الطفل الصغير
حيث أظهرت الدراسات أن الدماغ لا يتطور وينضج بشكل كامل حتى سن الرابعة تقريباً، ولا يكون قادر على تخزين أحداث الطفولة المبكرة بكفاءة، مما يجعلها عرضة للنسيان وعدم القدرة على استرجاعها.[1]
- اختلاف المشاعر والاهتمامات بين سن الطفولة المبكرة والبلوغ
فاهتمامات الرضيع ومشاعره تختلف عن الطفل الصغير وتختلف عن اهتمامات ومشاعر الشخص البالغ.
لذلك في الغالب أن ذاكرة الإنسان مع التقدم بالعمر تصنف أحداث ومشاعر الطفولة المبكرة كغير هامة وتقوم بمحوها لأن توجهات الإنسان وتفضيلاته عندما يكبر تكون مختلفة.
- عدم بدء عمل الذاكرة العرضية
حيث تعرف الذاكرة العرضية بأنها الذاكرة المسؤولة عن تخزين المواقف والأحداث اليومية والمعلومات الأخرى.
ولا تبدأ هذه الذاكرة بالعمل الكامل حتى سن الرابعة غالباً.
فنجد أن الأنسان قد يتذكر أجزاء صغيرة عن طفولته المبكرة قبل سن الرابعة كالحديقة التي إعتاد والده أخذه إليها ولكنه لا يتذكر كيف كان يلعب وماذا كان يأكل، أي أن الذاكرة العرضية لا تعمل.[1]
العوامل التي تؤثر على فقدان ذاكرة الطفولة
- طريقة محاولة الاسترجاع
حيث تؤثر طريقة الاسترجاع على ما قد يتذكره الانسان وما قد يستطيع استعادته من ذكريات طفولته، فقد يختلف ما يستطيع الأنسان تذكره إذا أراد ذلك وحده أو طلب منه أو ساعده أحد في التذكر، وهنا تبرز زيادة قدرة الأنسان على تذكر بعض أحداث طفولته في حال ذكره أحد بها.
- المشاعر التي صاحبت ذكريات الطفولة
حيث أثبتت الدراسات أن الأطفال يحتفظون بالذكريات التي تصاحب مع مشاعر قوية سواء إيجابية أو سلبية.
أي أن الأنسان يقدر أحياناً على تذكر أحداث طفولته إذا كان لها أهمية كبيرة وتأثير على حياته أو إذا غيرت شيء ما بداخله بسبب قوتها فتبقى محفورة لا تنسى.[2]
- الجنس
فقد أثبتت الدراسات أن الإناث يتمتعن بقدرة على تذكر أجزاء من مرحلة الطفولة بشكل أكبر من الرجال.
ويمكن إسناد سبب ذلك إلى أن النساء تحب التفاصيل أكثر، كما أثبتت الدراسات أن النساء تميل إلى تذكر أحداث الطفولة المؤلمة أو المفعمة بالمشاعر.
أما الرجال يميلون لتذكر الأحداث السلبية او التي تحمل قوة، أما الأولاد فوق الأربع سنوات يميلون لتذكر الألعاب التي كانوا يلعبونها في طفولتهم المبكرة، وهنا نجد أن الذكريات التي يستطيع الأنسان استرجاعها من طفولته ترتبط كثيراً بما يفضل ويهتم.[2]
- اختلاف المجتمع والثقافة
فللمجتمع والثقافة تأثير كبير على تذكر الشخص لأحداث طفولته، فهناك شعوب تركز على الماضي وتعتبره شيء أساسي وضروري كالنيوزلنديون، لذلك نجدهم قادرين على تذكر أحداث حصلت معهم قبل سن الثالثة، ببساطة يتم تفسير ذلك بأنه إذا أقنعك المجتمع أن ذكريات طفولتك ثمينة ومهمة فبالتأكيد دماغك سيحاول الاحتفاظ بها ويحافظ.
- شخصية الأنسان
فلكل إنسان طباع واهتمامات وبالتالي من الطبيعي أن ذاكرته يمكن أن تحتفظ بذكريات تناسب شخصيته.
فالإنسان قوي الشخصية غالباً ما يتذكر أحداث من طفولته تميزت بالقوة و الحب وإعجاب الأخرين، والأنسان ضعيف الشخصية غالباً ما قد يتذكر أحداث كئيبة وحزينة من طفولته.[2]
ذكريات الطفولة المبكرة المزيفة
قد تكون ذكريات الطفولة المبكرة التي قد يتذكرها الإنسان غير حقيقية و من نسج خياله بشكل كلي أو جزئي.
حيث قد ينسج عقل الإنسان قصة كاملة من خياله و قد يضيف بعض التفاصيل إلى ذكريات موجودة،ثم يبدأ العقل بتصديق هذه الإضافات و شيئاً فشيئاً تصبح جزء من ذكرياته يؤمن أنها حقيقية.[2]