قصة ابو عبدالله الاندلسي الحقيقية .. ” كاملة “
من هو ابو عبدلله الاندلسي
ابو عبد لله الاندلسي هو قاضي من الأندلس وكان من أشهر وأكبر العلماء ، ولد في الأندلس بقرية المرية وكان حافظ للقرآن الكريم والكثير من العلوم وكان متفوق حتى أنه أصبح قاضي كبير في الأندلس.
وكان له دور كبير في نشر الوعظ والإرشاد إلى الجهاد حيث شارك في الكثير من المعارك ضد النصارى ومن أشهر هذه المعارك هي كتندة بقيادة يوسف بن تاشفين وكانت هذه أخر معاركه فقد توفاه الله في هذه المعركة.
القصة الكاملة لابو عبدالله الاندلسي
تلك القصة ممتلئة بالعديد من الدروس والإنذارات، وأي شخص يكون في مركز مرموق من الأنشطة الأكاديمية أو في التصوف أو أي خدمة أخرى متعلقة بالدين سوف يستفيد منها ومن توجيهاتها، وسيتعلمون أنه من الهام أن يبتعد المرء عن التفكير في غيره على أنهم أدنى وأقل منه، وينبغي دائمًا أن يتذكروا نصيحة الشيخ شهاب الدين السهروردي المرشد الروحي للشيخ السعدي (رحمه الله): “لا تكن مغرورًا بنفسك ولا تنظر إلى أي شخص آخر بازدراء”.
وتدور أحداث تلك القصة في وقت كانت فيه التقوى والصلاح والثقة هامة وأكيدة في حياة الأشخاص، وبكل مدينة كان يوجد الكثير من العلماء والرجال الأتقياء، وبشكل خاص في مدينة بغداد والتي كانت في ذاك الوقت أحد مقرات تنظيم الدولة الإسلامية، فقد كانت نقطة التقاء الفقهاء وعلماء الحديث والقديسين، وفي تلك المدينة ومن بين كل هؤلاء الرجال الأتقياء كان هناك رجل يُدعى (أبو عبد الله الأندلسي)، وله 30 خنقاة ببغداد، فضلًا عن أنه أنه كان من العلماء المعروفين والمحدثين، وتم القول بأن عدد تلاميذه كان اثني عشر ألفًا، وكان يعرف ثلاثين ألف حديث عن ظهر قلب، ويستطيع أن يقرأ القرآن في كافة “القراءات” المتباينة. [1]
ذهاب ابو عبدالله الاندلسي في رحلة إلى بغداد
في مناسبة مُحددة كان ابو عبدالله الاندلسي ذاهبًا في رحلة، وكان معه عدد كبير من الحاضرين من بينهم (جنيد البغدادي وشبلي)، وقد تتابع شبلي القصة فقال: “كانت القافلة الخاصة بنا تسير بصورة جيدة وآمنة ومريحة إلى أن مررنا بمكان كان يقيم فيه مسيحيون، وقد حان وقت الصلاة، ولكن نتيجة لعدم وفرة الماء، فلم نقم بهذا بعد، وحينما وصلنا للقرية المسيحية، بحثنا عن الماء، وتجولنا في القرية واكتشفنا أن المدينة بها الكثير من المعابد والمذابح لعبادة للشمس والكنائس، وقد كان البعض منهم يعبدون الشمس، والآخر يعبدون النيران، وآخرون يوجهون مناشداتهم إلى الصليب، ومررنا بكل ذلك إلى أن وصلنا لضواحي المدينة، إذ أننا وجدنا بئرًا وبعض الفتيات يجلبن المياه حتى يشربه الناس”.
وجاءت عينا الشيخ أبو عبد الله على واحدة من الفتيات ممن تميزن عن الأخريات بجمالها الشديد، وقد كانت ترتدي ملابس جميلة وتتزين بالمجوهرات، سأل الشيخ رحمه الله الفتيات الأخريات من هذه، فقالوا له: تلك بنت سيدنا، فأجابهن الشيخ رحمه الله: فلماذا أذلها والدها إلى درجة أن تجلس بجانب البئر وتسقي الناس ماءً حتى يشربوا؟
فردت الفتيات: “لا يريدها أن تجلس وتفخر بممتلكات أبيها”، ويقول شبلي رضي الله عنه: جلس الشيخ وأحنى رأسه للأمام وصمت هكذا لثلاثة أيام، وفي وقت الصلاة كان يؤدي صلواته، وفي ثالث يوم بعد أن أحسست باليأس مما هو عليه من وضع، فقررت أن أتحدث معه وقلت له: يا شيخ مُريديك قلقون جدا وحائرين من ذلك الصمت المستمر عنك، من فضلك تحدث إلينا، ما المشكلة؟”
أجاب الشيخ رحمه الله: أصدقائي الأعزاء، إلى متى سوف أستطيع أن أخفي حالتي عنكم؟ إن قلبي ممتلأ بالحب للفتاة التي شاهدناها أول أمس، لقد ملأني ذلك الحب إلى درجة أنه أصبح مُتحكمًا في كافة أطرافي، ولا يمكنني أن أغادر من هنا تحت أي ظرف من الظروف”، فرد شبلي رحمه الله: زعيمنا، أنت المرشد الروحي للعراق كلها، أنت مشهور بتقواك وعلمك وفضائلك، وعدد تلاميذك أكثر من 12000 تلميذ، فأرجوك عن طريق القرآن الكريم ألا تخزنا”، فأجاب الشيخ رحمه الله: أصدقائي الأحباء، لقد حُكم القدر على نصيبك، وعباءة القداسة أزيلت عني، وعلامات الهداية أخذت عني، ما تم تحديده مسبقًا قد حدث، الآن أنا لا شيء”، وبقوله ذلك بدأ الشيخ رضي الله عنه البكاء بمرارة.
الترحيب بشيخ أبو عبدلله الاندلسي
حينما سمع الناس بعودتنا، جاءوا بأعداد هائلة إلى أطراف المدينة ليأتوا ويقابلوا الشيخ (رحمه الله)، ولما شاهدوا أنه ليس معنا وقاموا بالسؤال عن هذا، قصصنا عليهم القصة كاملة، وشعروا بالحزن الكثير وبكوا بشدة، وذهب كثيرون في صلاتهم يتوسلون الله لكي يهدي الشيخ إلى الصراط المستقيم ويرجعه إلى وضعه السابق، وفي أثناء هذا قد أُغلقت كافة الخناقات، وقد كنا لا نزال نتكلم عن مأساة الشيخ، وبعد سنة واحدة حينما قررنا أن نزور تلك المدينة مرة ثانيةً ومعرفة كيف أصبح الشيخ، وذهبت مجموعة منا، وبعد استفسارهم فقيل لهم إنه كان بالغابة يرعى الخنازير، فقلنا: حفظنا الله! ما الذي حدث؟ فقال لنا القرويون أنه قد قدم طلب للزواج من ابنة رئيس القرية، وأن والد الفتاة قبل الاقتراح ولكن بشرط أن يعتني بالخنازير”.
“وكانت الدموع تسيل من أعيننا، فذهبنا للغابة التي يرعى بها الخنازير، وشاهدناه وخيطًا من الخرز المقدس حول عنقه، وكان واقفًا يتكأ على عصا ويراقب الخنازير، فكان واقفًا بذات الطريقة التي كان يقف بها وهو يسلم لنا الخطبة، وكان ذلك كفرك الملح بجروحنا المفتوحة”.
وحينما شاهدنا نقترب منه أحنى رأسه بخجل، اقتربنا منه وقلنا السلام عليكم، فرد علينا: “وعليكم السلام”، ثم سأل شبلي: “فضيلة الشيخ بعلمك وفضلك ما ذلك الذي أصابك؟” فرد عليه الشيخ رحمه الله: إخواني، أنا حاليًا لم أعد مدفوعًا باختياري ومشيئتي، ما شاء الله لي صنعه معي، بعد أن جعلني أقترب للغاية من بابه، ألقى بي بعيدًا جدًا عنه الآن، ومن يُمكنه أن ينقض قضاء الله؟ يا إخوتي اتقوا من قوة الله وسخطه، لا تتكبر ولا تتكبر أبدًا في الذي يتعلق بعلمك وفضائلك، “ثم التفت إلى السماء وقال:” يا إلهي، لم أتوقع أبدًا أن تجعلني محتقرًا ومخزيًا وتخرجني من بابك”، ثم أخذ يبكي بمرارة ويدعو الله.
ولما شاهدوا الشيخ في ذلك اليأس، عادوا إلى بغداد، بينما في طريقهم أبصروا الشيخ أمامهم يخرج من نهر، إذ أنه كان قد اغتسل لتوه، وقال بصوت مرتفع: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله.
وطلب الشيخ منا أن نلبس أزياء نقية، ثم بدأ يؤدي الصلاة، وسئل بعد هذا عن السبب في تعرضه لمثل تلك المحاكمة الهائلة؟، وحينما وصلنا للقرية وشاهدنا المعابد والكنائس وأبصرنا من يعبدون النار منشغلين في عبادة غير الله، غلبت على قلبي كبرياء، وظننت أن أولئك الأشخاص حمقى لعبادة أشياء هامدة، وفي هذا الوقت سمعت صوتًا في داخلي يقول: “ذلك الإيمان الذي عندك، ليس في فضيلتك أو صفاتك الجيدة، وكل ذلك مجرد نعم الله عليك، فلا تظن إيمانك من اختيارك، بحيث تستطيع أن تنظر لهؤلاء الأشخاص بعيون محتقرة.
ويروي شبلي: “بعد هذا وصلت القافلة الخاصة بنا لبغداد بسعادة كبيرة في كل مكان، وكان كافة مُريديه سعيدين جدًا بعودة الشيخ إلى الإسلام، وقد استكمل نشاطه في التصوف والتفسير والحديث، وأعاد فتح الخانقاه، وبعد فترة قليلة كان عدد مريديه قد بلغ أكثر من 40.000 شخص.