من هم القواعد من النساء ؟ ” والاحكام التي تخصهم

من هم القواعد من النساء

الله تعالى يقول: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وكلمة قواعد جمع قاعد، وقد ذهب جمهور المفسرين أن القواعد من النساء هنّ النساء اللاتي تجاوزن سن الزواج بسبب تقدمهن في السن أو أنهم يأسن من المحيض وأنهن العجائز اللاتي لا يلتفت إليهن ولا يرغب فيهن لكبر سنهن وضعفهن وعدم تبرجهن بالزينة، فلا بأس لها أن تكشف عن يديها ووجهها، ولكن تسترها واستعفافها خير لها وأفضل، لأنها قد تبتلى بمن يفتن بها.

لكن الأصل الجواز إذا كانت بهذه الصفة عجوز كبيرة السن لا تشتهى ولا يُمال إليها، ولا ترجو النكاح، ومع ذلك ملابسها وحالتها ليس فيها زينة، وليس فيها تبرج لا من جهة الملابس، ولا من جهة الكحل، ولا من جهة الأصباغ، ولا من جهة ما يفتن، أي أن تكون بعيدة عن هذه الأشياء.

أحل الله لها أن تخفف من ملابسها حتى تسهل حركتها ولا تكون عائق لها، لأنها لن تفتن الرجال بالشعر الابيض أو الجسد الضعيف، قال ابن منظور: قَعَدَتِ المرأَةُ عن الحيض و الولدِ تَقْعُدُ قُعوداً ، و هي قاعد : انقطع عنها ، و الجمع قَواعِدُ، وفي التنزيل ( وَ الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ ) فقال الزجاج في تفسير الآية : هنَّ اللَّواتي قعدن عن الأَزواج وقال ابن السكّيت : امرأَة قاعِدٌ إِذا قعدت عن المحيض فإِذا أَردتَ القُعود بمعنى الجلوس قلتَ : قاعدة، وقال أَبو الهيثم : القواعد من صفات الإِناث لا يقال رجال قواعِدُ اهٍ من لسان العرب.

وقال الإمام الطبري في تفسيره : ( القواعد جمع قاعدة يقال للواحدة من قواعد البيت قاعدة وللواحدة من قواعد النساء و عجائزهن قاعد فتلغى هاء التأنيث لأنها فاعل من قول القائل قعدت عن الحيض ولاحظ فيه للذكور كما يقال امرأة طاهر وطامث لأنه لاحظ في ذلك للذكور.

ففي تفسير القرطبي: قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها، وقال أبو عبيدة: اللاتي قعدن عن الولد، وليس ذلك بمستقيم لأن المراة تقعد عن الولد وفيها مستمتع.

وقال الرازي: قال المفسرون: هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، ولا مطمع لهن في الأزواج، والأولى ألا يعتبر قعودهن عن الحيض، لأن ذلك ينقطع والرغبة فيهن باقية، فالمراد قعودهن عن حال الزوج، وذلك لا يكون إلا إذا بلغن في السن بحيث لا يرغب فيهن الرجال. انتهى.

الأحكام المتعلقة بالقواعد من النساء


فيما يتعلق بالملابس الزينة

المقصود بالثياب في قوله (أن يضعن ثيابهن) هو الثياب الظاهرة كالعباءة والجلباب وليس المقصود به كشف العورة، قال الألوسي: يعني الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها لكشف العورة كالجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار وأخرج ابن المنذر عن ميمون بن مهران أنه قال في مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب (أن يضعن جلابيبهن) وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقرآان كذلك. انتهى.

قال الجصاص في تفسيره: (لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة، وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها، فغير جائز أن يكون المراد وضع الخمار بحضرة الأجنبي)

إلى أن قال: (وفي ذلك دليل على أنه إنما أباح للعجوز وضع ردائها بين يدي الرجال بعد أن تكون مغطاة الرأس، وأباح لها بذلك كشف وجهها ويدها لأنها لا تشتهى، وقال تعالى: (وأن يستعففن خير لهن) فأباح لها وضع الجلباب وأخبر أن الاستعفاف بأن لا تضع ثيابها أيضاً بين يدي الرجال خير لها)، ومعنى قوله: (غير متبرجات بزينة) أن لا تظهر زينتها حتى لا ينظر إليها او يفتن بها،  قال ابن العربي في أحكام القرآن: أي غير مظهرات لما يتطلع إليه منهن، ولا متعرضات بالتزين للنظر إليهن، وإن كنَّ ليس بمحل ذلك منهن، وإنما خص القواعد دون غيرهن لانصراف النفوس عنهن” انتهى.

ومعنى قوله: (وأن يستعففن خير لهن) أي أن يستعففن كما تستعفف الشواب، فيتركن الأخذ بهذه الرخصة خير لهن. قال القرطبي: واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشواب أفضل لهن وخير، يقول الله تعالى : ( وَ الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ النور : 60 ] .


فيما يتعلق بمصافحة الرجال الأجانب

أما عن مصافحة القواعد من النساء، فإنه لم يتم التفريق بين تحريم مصافحة المرأة الصغيرة أو الكبيرة، فكلاهم محرم عليهم مصافحة الرجال، فقد روى الشيخان واللفظ للبخاري عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا ) وروى النسائي و ابن ماجة و أحمد في حديث مبايعة النساء بإسنادٍ صحيح عن ‏أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها ‏أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال لهن : ( إنّي لا أصافح النساء )

وروى الطبراني في جامعه بإسنادٍ صححه الألباني عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخْيَط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له )، و المِخيَط هو الإبرة، أو المِسلّّّة، وبذلك فإنه يحرم مصافحة الرجل والمرأة، ولا إحراج في رفض المصافحة بين المرأة والرجل، ولا اضطرار في فعل ذلك، لأنّ الحقّ أحقّ أن يُتّبَع، ويجب على المسلم أن يجنب نفسه التعرض للفتن، أو أن يكون في موضع ضعف لا يمكنه من مقاومة الحرام، وأن يجاهد نفسه حتى لا يقع به.


أما فيما يخص القواعد من النكاح

أجاز الله تعالى للنساء القواعد في الثياب ما لم يجزه لغيرها، وهذا هو تفسير سورة النور، وقد أوضح ذلك المفسرين وأهل الفقه، فقال الإمام الطبري في تفسير آية النور : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَ اللَّوَاتِي قَدْ قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَد مِنَ الْكِبَر مِنْ النِّسَاء ، فَلا يَحِضْنَ وَلا يَلِدْنَ ؛ وَاحِدَتهنَّ قَاعِد . ( اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا ) يَقُول : اللاتِي قَدْ يَئِسْنَ مِنَ الْبُعُولَة ، فَلا يَطْمَعْنَ فِي الأَزْوَاج . ( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ ) يَقُول : فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ حَرَج وَ لا إِثْم أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ، يَعْنِي جَلابِيبهنَّ، وَ هِيَ الْقِنَاع الَّذِي يَكُون فَوْق الْخِمَار وَالرِّدَاء الَّذِي يَكُون فَوْق الثِّيَاب ، لا حَرَج عَلَيْهِنَّ أَنْ يَضَعْنَ ذَلِكَ عِنْد الْمَحَارِم مِنَ الرِّجَال وَ غَيْر الْمَحَارِم مِنَ الْغُرَبَاء غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ … و َقَوْله ( غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ ) يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح فِي وَضْع أَرْدِيَتهنَّ إِذَا لَمْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ ذَلِكَ عَنْهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ الزِّينَة لِلرِّجَالِ . وَ التَّبَرُّج : هُوَ أَنْ تُظْهِر الْمَرْأَة مِنْ مَحَاسِنهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَسْتُرهُ .اهـ .

وقال الإمام القرطبي في تفسير الآية ذاتها مبيناً علّة الترخيص للقواعد من النساء في أن يضعن عنهن الجلابيب : ( إِنَّمَا خُصَّ الْقَوَاعِد بِذَلِكَ لانْصِرَافِ الأَنْفُس عَنْهُنَّ ؛ إِذْ لا مَذْهَب لِلرِّجَالِ فِيهِنَّ ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِنَّ ، وَ أُزِيلَت عَنْهُمْ كُلْفَة التَّحَفُّظ الْمُتْعِب لَهُنَّ ). [1]