مقتطفات من رواية حمام الدار واقتباساتها
مقتطفات وقصة رواية حمام الدار
تبدأ الرواية بكاتب يعاني من عجزٍ في الكتابة يجد نفسه بعد 12 ساعة متواصلة من التأليف،
قد كتب نصًا لقيطًا غريبًا، نص لشخصية تدعى عرزال بن أزرق، ولكن تتمرد هذه الشخصية لتوقف تدفق كتاباته،
ليبدأ الكاتب في جلسة تأملية ليستحضر شخصيات روايته ويتبين ما يلزمه لتتم الرواية، لكن تحدث زوبعة ما تبدل النص القديم بنصٍ آخر جديد.
تقوم الرواية على قسمين كبيرين، سماهما السنعوسي؛ «العهد القديم» «العهد الجديد»، ويأتي السرد في كل قسمٍ منهما على لسان راوٍ مختلف بين «عرزال بن أزرق» «ومنوال بن أزرق» على هيئة فصول صغيرة أو صباحات مقسّمة بدورها بين مذكرات الراوي وبين هيئته الحالية التي يحكيها راوٍ عليم، ولكنّه لا يكتفي بذلك، بل يجعل في القسم الأوّل مشروع رواية لم يكتمل يسميه «نصٌ لقيط» وفي الثانية «نصٌ نسيب».
يقول سعود في روايته فقرة تصد القارئ واستيعابه للرواية حيق قال: أنا أعرف القليل عن شخوص روايتي قبل الشروع في كتابتها، ومن ثمّ أتعرّفها أكثر أثناء الكتابة، تسلمني نفسها طوعًا تتكشَّف أمامي صفحةً تلو صفحة، أمّا بطلي المزعوم فلم أعرف عنه قليلاً قبل الكتابة، ولم يتكشّف لي كثيرٌ أثناءها، وحاولت أن أكمّل ما كتبت لعلّي أصل إلى أي شيء أي شيء يفسّر لي غيابي مع شخصيةٍ أجهلها تمام الجهل، فصولٌ خمسة يمثّل كل فصلٍ منها صباحًا انتقيته من صباحات شخصية كهلٍ مضطربٍ مملٍ مريب منصرف عن كل شيءٍ إلا بضعة اتهامات تلفها الغرابة.
على هذا النحو يكسر سعود إيهام القارئ بأن ما أمامه هو روايةُ عادية مألوفة، يُتم القارئ قراءة فصولها فتتم له بذلك الحكاية، وإنما هو إزاء نصٍ جديد، وتجربةٍ مختلفة، يخوضها بين القراءة واستعادة القراءة مرة أخرى لاستكشاف هذا العالم والربط بين أجزائه وما ظهر منها وما بقي خافيًا غامضًا، ذلك أنه سيكون إزاء روايتين في الواقع، يكشف بينهما ليس السارد هذه المرة، بل شخصيات الرواية نفسها التي تثور وتتمرّد على الحكاية لتروي الحكاية مرة أخرى في «العهد الجديد» بطريقةٍ مغايرة، حتّى تتكشّف له أبعاد الأحجية، أحجية ابن أزرق.
بين هذا وذاك تبدو الرواية مهمومة بعددٍ من الأسئلة الإشكالية الكبرى، التي يطرح بعضها بشكلٍ واضح، رغم ما في الرواية من اختلافٍ وغموض، إذ تطرح بدايةً مسألة الفارق أو المساحة المتروكة دومًا بين الوجود والعدم والغياب والحضور وكذلك الحقيقة والخيال، وهي في إثارتها لتلك الأفكار والقضايا لا تتوقف عن العلاقة بين المؤلف وشخصيات روايته فحسب، بل ربما تشير إلى علاقة الإنسان بخالقه من جهةٍ أخرى، هل نعيش وفق أدوارٍ محددةٍ لنا سلفًا، أم أن بإمكاننا التمرد على تلك الرواية وذلك الدور الذي وجدنا أنفسنا فيه، وإعادة صياغة العالم وتشكيله وفق قناعاتنا الشخصية ووفق رؤيتنا الخاصة! يأتي ذلك مثلاً في حوارته شديدة الذكاء بين بطل الرواية «عرزال»، وبين «فطنة» إحدى بطلات الرواية، تقول له:
لا شأن لي بالروائيين الآخرين، أنا هنا رسولةٌ ممن كتبني، كاتبنا وراء السقف مانح الحياة الذي يرى كل شيء، يومئ لك آسفًا، حسنٌ لو هو يراني قطنة، هو لايعرفني، لأنه يظن أنه أوجدني من العدم، أنا سأعرفه لأنه أوجدني على شاكلته! هل تفهمين؟ تشيرين برأسكِ نافيةً، يواصل الوغد إفضاءه، هو لا يدري أنني هو، أنا أدري، تلتصقين به ترتعشين، إياكِ أن يقنعكِ بجنون أفكاره، نبهيه، أنت تقول أشياء غريبة عزرال! سوف يحيط جسدك بذراعيه يهمس بأذنك: الروائيون مرضى، ينفسون عن معاناتهم ويستزيدون بالكتابة تعويضًا لنقصٍ في نفوسهم! أيَّ سلطةٍ تمنح كاتبكم المزعوم الحق بأن يكتبنا وفق ما يريد؟
هنا تنكشّف الرواية للقارئٍ بشكلٍ تدريجي، ويبدو سعود حريصًا على تصعيد الأحداث بشكلٍ بسيط، حتى إذا ما انتهى من الرواية تمامًا انكشفت له كل الخيوط، وأدرك ما كان من أمر ذلك البطل الكهل وما تركه على تلك الحالة الغريبة التي جعلته وتجعله حائرًا وغامضًا ومريبًا، إذ تطرح الرواية كذلك فكرة الغياب والحضور، والأثر الذي يلفه الغياب على الحاضرين المنتظرين عودة من يغيب، تلك الفكرة التي لا تطرح مرة واحدة بهذه الكيفية البسيطة، بل يطرحها سعود مرتين، يبدأ في الرواية بطرحها بشكلٍ رمزي باستدعاء «حمام الدار» الذي يُفترض أنه لا يغيب على حد وصف السارد، ثم نكتشف في نهاية الرواية أن ثمة غائبين أكثر أهميةً وخطورة غير الحمام.
تجدر الإشارة في النهاية إلى أن «التجريب» الذي عمد إليه «السنعوسي» في روايته ليس مجرد حيلةٍ شكلية، أو مجرد محاولة للاختلاف والتغيير، وإنما هو موقفٌ خاص من الفن وطريقة لرؤية العالم، استطاع «سعود» أن يجعل من هذا البناء على هذا النحو طريقةٍ مغايرة لاستفزاز القارئ، لإعادة القراءة واستعادة التعرف على الشخصيات من وجهات النظر المختلفة، لاسيما وأن بعض مقدمات الفصول ستتشابه بين الروايتين، مما يجعل دور القارئ هذه المرة مهمًا لكي تتكشف له خيوط الرواية كاملةً، وهو رهانٌ آخر يخوضه سعود بكل جدية لاكتساب قارئ مختلف مغاير، قادر على استكشاف عالم الرواية والبحث فيه حتى تتحقق له متعة القراءة كاملة.
ملخص رواية حمام الدار
هذه الرواية لا تطلب منك الإيمان بمعطياتها الأساسية كأي رواية أخرى، أشخاصها تشك في وجودهم، تتسائل هل هم في الواقع أم من صنع خيال المؤلف بطل حكايتها، هل المؤلف عرزال أم منوال؟ من يكتب من؟ أحداثها نفسها ترواغك بين ذكريات حقيقية وخيالات هذيانية، هذه رواية عن الإيمان نفسه، الإيمان بفكرتك، الإيمان بقدرك، الإيمان بأن الفقدان ناموس الكون، وأن حمام الدار قد يغيب، وأفعى الدار قد تخون.
حمام الدار يسكننا وما كنا ندري، حمام الدار يرحل كل يوم ثم يعود مع الغروب، فماذا إذا لم يعد يومًا ما؟ إذا فقدت ابنك أو زوجتك أو أمك أو أبيك أو أختك أو أخيك، إذا فقدت مستقبلك أو ماضيك، إذا فقدت حمام دارك فكيف تكون؟ وكيف تصير؟ الأسئلة ستعصف بعقلك لا محالة.
يمكن القول أن أساس الرواية هو مقولة حمام الدار لا يغيب، وأفعى الدار لا تخون، لكن نحن هنا أمام نصين مختلفين في رواية واحدة، ولكن بعد الانتهاء منهما تجد نفسك أمام نص واحد ولكن بنظرتين مختلفتين، أو ربما مثلما قال “السنعوسي” في الرواية نحن أمام نص لقيط ونص نسيب، أو عهد قديم وعهد جديد.
في البداية تظن أن الرواية تدور عن حمام الدار فقط، وبالتحديد عن غادي وسفار وعواد ورابحة والصغيرين زينة ورحال، والمعزة قطنة، هذا في النص الأول، ولكن في النص الثاني تجد أن المذكورين سلفًا يتحولون إلى أشخاص من لحم ودم وهنا تبدأ الفسيفساء في تفسير نفسها، تحطم كل ظنونك وتجد أن ما فهمته من النص الأول خاطيء، وما فهمته من النص الثاني خاطيء، ولكن مجموع الاثنين صحيح.
اقتباسات من رواية حمام الدار
-
هناك طوفان أزرق، تشعر كأن الحبر ليس أسودَ، وأن الورق ليس أبيضَ، إنما كل شيء حولك أزرق بالكامل، إنه لون البرود والكذب، حتى تصير شبه متأكد من أن أحد الأجزاء هو كذب، وأن الآخر هو ظلٌ للكذب، ربّما يكون صدق، ربّما فلسفات الأزرق وحدها تحتاج صفحات عديدة من الشرح، منوال ابن أزرق، ابن البحر، أو ابن الأب، كل كلمة فيها هذا اللون تدلّ على شيء، وكل مدلول يكمّل الآخر حتى تكتمل الأحجية.
-
كلُّ من عاشَ في الدَّار يصيرُ من أهلها؛ حمامُ الدَّار لا يغيب وأفعى الدَّار لا تخون، هذا ما قالتهُ لي بصيرة قبلَ سنتين من يومِنا ذاك، جدَّةُ والدي، أو رُبَّما جدَّةُ جدَّتِه، لا أدري فهي قديمةٌ جدًا، أزليَّة، ساكنةٌ في زاويةِ بهو البيت العربي القديم، ملتحِفةً سوادَها أسفلَ السُّلَّم، لماذا أسفلَ السُّلَّم؟ لم أسأل نفسي يومًا عن مواضع أشياءٍ اعتدتُها مُنذ مولدي، في بيتٍ عربيٍّ تطلُّ حُجُراته الضيِّقة على بهوٍ داخلي غير مسقوف، بهو بصيرة التي لم أرَها تفتحُ عينيها يومًا، كأنما خِيطَ جفناها برموشها منذ الأزل.
- أن يصيرَ لِقاؤكَ بمن تُحب في إطارِ كابوس؛ يعني أن تعقِدَ صداقةً مع كوابيسِك بصِفتِها أحلامًا.
- لا أعرف شيئاً آخر عدا أن أُذعن لفعل مالا أحب من أجل من أحب.
- الإيمان هو أن تُعلِّقَ أسئلتك على حِبالِ الغَيب، وأن تُجَمِّد عقلك، وأن تعقِدَ صفقةً مع لا شيء، لأن لا سبيل لك إلا انتظار غدٍ قد يجيءُ بما تُريد أو لا يجيء.
- يصير الرحيل أخف وطأةً لو أوجد له مُسوِّغًا، مجانية الفقد تحيله جرحًا مفتوحًا في صورة سؤال.[1]
نبذة عن كاتب رواية حمام الدار
سعود السنعوسي هو كاتب الرواية وينتسب إلى جيل من الروائيين الذين يطمحون دون أن يكشفوا عن ذلك، يطمحون إلى إعادة ميراث الكتابة الملحمية الكلاسيكية، كما تجلت لدى علمها الأبرز دويستوفسكي، ونظيريه العربيين نجيب محفوظ، وكذلك عبد الرحمن منيف الذي أرّخ لحقبة مدن الملح في الخليج العربي.
سعود السنعوسي هو كاتب شاب يبلغ من العمر 35 عامًا فاز بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية عن روايته الشهيرة ساق البامبو والتي تطرح سؤال رعب الهوية من خلال قصّها حكاية شاب ولد لأب كويتي من أسرة عريقة، وأم فلبينية، لتتوزع الرواية على هذين الشخصين المتلبسين اللذين تكتنفهما عواصفُ الثقافات وهي تتغذى على الهامش وتهمل المتون الإنسانية الموّارة.
كما صدر له أيضًا عن الدار العربية للعلوم: سجين المرايا، وساق البامبو، وفئران أمي حِصَّة، وحمام الدَّار: أحجية ابن أزرق، وناقةُ صالحة عام 2019، ولقد حاز سعود على جائزة الروائية ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة وذلك عن رواية سجين المرايا 2010، وحاز أيضًا على المركز الأول في مسابقة “قصص على الهواء” التي تنظمها مجلة العربي بالتعاون مع إذاعة بي بي سي العربية، عن قصة البونساي والرجل العجوز، وذلك في يوليو 2011، كما حاز على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الآداب وذلك عن رواية ساق البامبو عام 2012 وحاز لقب شخصية العام الثقافية – جائزة محمد البنكي في مملكة البحرين 2016، كما حازت رواية فئران أمي حصة على جائزة القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد 2016-2017، ورواية حمام الدار القائمة القصيرة لجائزة الشيخ 2018-2019 بقيم الحياة، وتشكل
روايات سعود السنعوسي
نقلة واسعة في عالم الروايات العربية المعاصرة.[2]