هل يوجد تعارض بين العلم والدين


هل يتعارض العلم مع الدين


هذا السؤال دائماً ما يخطر ببال البعض وهو هل يوجد تعارض بين العلم والدين،


في القديم لم يكن هناك حديث ولا وارد ذكر أي صراع بين العلم والدين في حياة الناس، والدليل عل. صحة ذلك ما كان الدين والعلم في وقت الصحوة والازدهار لكل منهما، بل على العكس من ذلك فإن كلما أهمل الناس للذين وانشغل العلماء عن حقيقته، ضات العلم وبات الجهل منتشر والعكس، والحضارة الإسلامية تشهد وتؤكد ذلك بكل قوة، والدليل أن فترات الصحوة الدينية شهدت انتعشت العلوم وتطورت.


وللأسف فإن طرح السؤال والمضمون هل يوجد تعارض بين العلم والدين ، دائما ما يكون الغرض منه وباستمرار إحداث أزمة او إبراز تعارض لأهداف غير سوية.


والقضية تعود إلى العصور القديمة في أوروبا، والتي زج بالإسلام فيها افتراء وحتى المسيحية واليهودية فما كان لهم في الامر ذاته باع ولكن الأمر كان منصب على من يمثلون هذا الدين.


في العصور الوسطى في أوروبا ساد الجهل والخرافات وتحكم رجال الدين في كل شيء بدء من أمور الدولة والسياسة والحكم وصولا إلى عقول الناس وأحلامهم، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، الكنيسة في أوروبا حاربت العلم والفلسفة والمنطق، وكل شيء سوى الدين ورجاله.


كانت الكنيسة في أوروبا تخشى على نفوذها وسطوتها ، وعلى أن يأتي من يحتل مكانتها لذلك اتجهت إلى تهميش كل دور غير دورها، بل ومحاربته ومعاداته، ومحاولة قتل أي فكر وعلم وإبداع، واتهمت كل عالم ومجدد بالتهم الشديدة.


فنشأت نتيجة لذلك الحركات المناهضة للكنيسة والمنادية لإعلاء كلمة العلم فوق كل شيء حتى الدين نفسه.


وظهر وقتها التعارض بين رجال الكنيسة والعلماء والذي تم اسقاطه على الدين نفسه بدل من إسقاطه على من يمثلوا الدين في ذلك الوقت ، ومو هنا نشأت تلك الدعاوى والاستفسارات التي لا تتوافق مع الحقيقة مثل هل يوجد تعارض بين العلم والدين.


وفي الحقيقة والواقع فإنه لا تعارض بين الدين الصحيح، والعقيدة السليمة، وبين أي من العلوم المفيدة للبشرية بل على العكس من ذلك لكن كل الأمر في الممارسات التي يقوم بها البعض وتدفع للقول بهذا التعارض وهو امر غير سليم.


لكن مو اين يتأكد المرء من أن لا تعارض بين الدين والعلم ، ببساطة يمكن التأكد من تلك الحقيقة بمعرفة حقيقة العلم نفسه، فما العلم إلا تفسير للحقائق، وكشفها.


وحتى يصل القاريء للإجابة الواضحة ، تتبين هنا الخلاصة في الرد على هذا التساؤل وهي انه إذا جاء إلينا إنسان ومعه معطيات علمية و قال أن هذه المعطيات تتعارض مع الدين، أو على العكس أتى إلينا بمعطيات من الظين وقال أنها تتعارض مع العلم، هنا يكون على المتصدي للإجابة أن يحدد بين النصين ما هو قطعي في دلالته وما هو ظني، وتطبق عليه قواعد التعارض للتأكد من حقيقة التعارض الفعلية أم أنها وهمية.


هل يتعارض القرآن مع العلم


القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، والله هو الخالق العليم بكل شيء یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ﴾ [لقمان 16].


ولا يمكن ان يوجد تعارض بين القرآن الكريم والعلم او السنة الصحيحة، وإن وجد ذلك في الظاهر فإما أن التفسير نفسه خطأ وقع من غير ذي علم، أو أن الفرضية العلمية هي التي بها الخطأ، وخالق كل شيء لا يتعارض ما يقول من كلام أنزله قرآن مع حقائق البشر المخلوقين.


بل على العكس من ذلك في معرض الإجابة على استفسار هل يوجد تعارض بين العلم والدين، فإن من أيات الله في القرآن الكريم، ما استدل العلم عليه بعد قرون من نزول القرآن الكريم، لذلك في حالة قراءة آية قرآنية بها ما يتصوره العقل البشري م من تعارض مع العلم ، يجب أن تكون الاحتمالات المطروحة كلها بعيدة عن فكرة التعارض.


أي ان لا يكون التعارض في الضوء او دايرة السؤال وإنما يكون السؤال عن حقيقة تفسير الآية هل تم بشكل علمي صحيح، وهل الحقيقة العلمية مثبتة لا شك في صحتها، وهل النص تفسيره ظني الدلالة وقطعي الدلالة، ودائماً لن تكون الإجابة أن هناك تعارض بين القرآن الكريم والدين وإنما في أحد الأمور السابق طرحها. [1]


شبهة تعارض العلم مع الدين


هل يوجد تعارض بين العلم والدين، هذه الشبهة التي اثيرت عن غير حق كما سبق ذكر ذلك، لا يمكن ان تمت للواقع بأي صلة ولا مجال لحصولها، حيث لا يمكن أن نجد تناقض بين صحيح الدين وصحيح العلم، بل على العكس من ذلك تماما فإن ما يحدث هو التوافق والاتساق بين الحقائق العلمية الثابتة واليقينية، مع صحيح الدين.


وقد قال في ذلك ابن عثيمين ““لا يمكنُ أن يتعارضَ صريحُ القرآنِ معَ الواقعِ أبدًا، وإذا ظهرَ في الواقعِ ما ظاهرها المعارضة فإمَّا أن يكونَ الواقعُ مجردَ دعوى لا حقيقةَ لهَا، وإمَّا أن يكونَ القرآنُ غيرُ صريحٍ في معارضته؛ لأنَّ صريحَ القرآنِ الكريمِ وحقيقةَ الواقعِ كلاهمَا قطعيٌّ، ولا يمكنُ تعارضُ القطعيِّ أبدًا”. (مجموع فتاوى الشيخ محمد العثيمين )2/68.


ولهذا السبب فإن هناك أصول يتم اتباعها لمعرفة صحة الأديان، وهل هي من عند الله الحق، أم لا و الاتساق بين الحقائق الوجودية، ومكونات الدين، والتأكد من أن الحقائق في الكون لا تتناقض مع الدين، ولو وجد غير ذلك فهذا هو معنى التعارض وهنا يكون هذا الدين باطل وليس من لدن الحكيم العليم.


أو قد يكون هذا الدين قد تعرض بشكل أو بآخر إما تحريف أو تبديل، في عملية إنسانية، ذلك لأن ما خلقه الله من حقائق يكتشفها البشر كيف لها أن تتعارض مع الدين المنزل من الله سبحانه، ذلك أن المصدر لكلاهما واحد.


وهنا لا يمكن أبداً أن تجتمع خلاف بين حقائق الكون ومن خلقها ولا معارضة له، كما يمتنع كذلك بالتبعية أي اختلاف بين الحقائق العلمية، والنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالَ في ذلكَ ابن تيميةَ: ““ما عُلِمَ بالسمعِ الصحيحِ لا يعارضُهُ عقلٌ ولا حسٌّ، وكذلكَ ما عُلِمَ بالحسِّ الصحيحِ لا يُنَاقضهُ خبرٌ ولا معقولٌ“. (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/ 395).


التكامل بين العلم والدين


ولذلك فإن ما يراه الإنسان حقيقة بعقله القاصر، عن بلوغ جميع الحقائق لا يمكن معن طرح سؤال هل  يوجد تعارض بين العلم والدين، بل على العكس من ذلك يكون التأكيد على التكامل بين العلم والدين، ولا يمكن الاعتقاد بوجود تعارض بين الدين والعلم على الإطلاق وذلك ليس كلام عام بل هو على أسس علمية، ذلك لان الدين الصحيح والحقائق الكونية كلاهما من بين الحق الذي لا يحدث فيه تناقض، وكل منهم مصدره المولى سبحانه.


ومن آيات القرآن الكريم التي أكدت على تلك المعاني قوله سبحانه وتعالى، ٱلَّذِی لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدࣰا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَیۡءࣲ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِیرࣰا﴾ سورة الفرقان (2).


وهو ما يؤكد على التكامل بين العلم والدين.[2]