أنواع الخصام ودرجاتها
معنى الخصام في اللغة
الخِصام إصطلاحاً في اللغة العربية هو (اسم) بمعنى جدال أو خلاف أونزاع وهذه الكلمة مصدر الفعل خصمَ وجمع خصام خَصْمُ، والشخصان المتخاصمان هما شخصان مختلفان أو متنازعان أو متجادلان على موضوع ما سواء أكان جوهري أو فقط من باب اختلاف وجهات النظر وطرائق التفكير الراجع لموضوع فكري أو لتأثير ضغط أو عامل خارج ويتحول هذا الخلاف إلى منازعة ثم مقاطعة وخصام.[1]
تعريف الخصام في الإسلام
يعرف الخصام في الشريعة الإسلامية على أنه لجوجة في الكلام بين شخصين لحق مقصود بينهما ويكون على شكل ابتداء أو اعتراض وهو تماماً عكس المراء حيث يعترض به الشخص على كلام شخص آخر فقط، فالخصام ينتج عن عاملين أساسيين هما الجدال والمراء من جهة والتشبث بالرأي الباطل من جهة أخرى، وقد وقف الإسلام معترضاً على الخصام بين الناس. وقد ورد ذلك في قول شهير للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما قال:”إيَّاكم والخصومة؛ فإنها تمحق الدِّين” وقد ورد هذا القول في (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة للالكائي).
وأثبت القول الأحنف بن قيس رحمه الله: “كثرة الخصومة تنبت النفاقَ في القلب”.
فضلاً عن ذلك قال معاوية بن قرَّة رحمه الله: “إيَّاكم وهذه الخصومات؛ فإنَّها تحبط الأعمال”.
كما أورد الإسلام أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الخصومة بين الناس والتي أبرزها التشبث بالرأي حتى وبعد معرفة الخطأ وعدم الاعتراف به.[2]
أنواع الخصام
تتعدد أنواع الخصام في الإسلام بحسب أسبابه فمن هذه الأنواع ما يلي:[2]
-
الخصام والعداوة
: الخصام يعد سببه الرئيسي عدم المغفرة العداوة والتباغض فقد روى أبو هريرة حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء” أخرجه مسلم في صحيحه، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، المقصود بهذا الحديث من الشحناء العداوة وذلك برأي كل من عياض وابن عبد البر وابن الأثير وابن الجوزي والباجي، أضاف على ذلك النووي في شرح صحيح مسلم: فقال إن الشحناء تعني العداوة “كأنه شحن بغضا له لملائه”، كما قال الطيبي: الشحناء العداوة والبغضاء ولعل المراد التي تقع بين المسلمين من قبل النفس الأمارة بالسوء ولا يأمن أحدهم أذى صاحبه من يده ولسانه ، لأن ذلك يؤدي إلى القتل وربما ينتهي إلى الكفر إذ كثيرا ما يحمل على استباحة دم العدو وماله. -
الخصام والبغضاء:
بالنسبة للخلاف بين المتخاصمين من دون وجود تباغض وحقد لا يدخل ضمن موضوع الخصام، على الرغم من ذلك ترك أي أحد صديقه من غير أي عذر أو سبب ديني ممنوع شرعاً، وخاصة في حال تلاقيهما وعدم سلامهما على بعضهما البعض، فقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”. -
الخصام و الهجر
: فيي حال كان الخصام لسبب ديني فهو مشروع وغير ممنوع كتاركي الصلاة بعد أن يقوم المرء بنصحهم مرراً وإعلامهم بمخاطر ترك الصلاة، أي إن لم يرجى من هذا الشخص تقبل النصيحة فيكون هجره مجاز وليس مفروض، وفي حال الخشية من النفور أو العناد والثبات على الرأي فأولى النصح مراراً حتى يتم صلاحه، فيحبذ لو تحلى المرء هنا بالحلم والصبر فهذه الصفات فالأنبياء لقوا الأمرين من قومهم عندما دعوهم للإسلام وتحملوا الإهانة والضرب والشتيمة ومع ذلك صبروا ولم يخاصموا قومهم، بل على عكس ذلك استمروا بالصبروا ودعوة قومهم لا بالدعوة عليهم، فمن أنبياء الله نوح عليه السلام صبر على قومه خمسين عام وهو يواصل الدعوة في السر والعلن وفي الليل والنهار.
درجات الخصام
كثيرة هي درجات الخصام التي من فيبدأ الخصام بما يلي:[3]
-
التحاسد والتباغض:
لا يحبذ الإسلام التحاسد والتباغض كما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التباغض والتحاسد وقد ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا إخوانًا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك»، وقد أكد هذا القول الزبير رضي الله عنه عندما روى حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين». -
أما بالنسبة للحسد:
يؤدي الحسد بين الناس إلى تجاوز الحد في الخصومة والتصنع والمراءاة، ففي الحسد والخصام يعترض فيه الناس على قضاء الله وقدره، وللحسد آثار سلبية على صاحبها فهي تمنعه من أن يقبل الحق وخاصة إذا كان من الشخص المحسود ويحمله على الباطل الحاسد من قبول الحق، ويبقى على هذه الحال حتى يفقد أحبائه ويهلك، ويصبح نحوه نحو إبليس الذي حسد آدم وامتنع عن السجود له فخسفه الله لحضيض الذل. -
التقاطع والتدابر:
فلا يجوز لمسلم أن يقاطع أخيه المسلم بغير حق وخاصة صلة الأرحام، ولكن على المسلم أن يصل رحمه حتى لو هم قاموا بقطعها، وأثبته الحديث التالي: عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، وفي هذا الحديث التحريم عن هجران المسلم لأخيه المسلم أكثر من ثلاث أيام ويجب أن لا يعرض أحدهما عن الآخر بل الأثوب أن يبادر في الصلح وإنهاء الخصومة بينهما. -
الكبر والعجب:
إن الكبر خلق ذميم فعندما يعجب المرء بنفسه يلجأ للخصام مع الناس ويتباهى بنفسه بهذا العمل، وأثبته الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فقال رجل: «إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة»، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» فالجنة ليست لمن استكبر على الناس وغمطهم. - الخلق الأمثل هو العفو والسمح والمغفرة للناس حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يخيره الله من الحور ما شاء»(34)، فإياك والفجر في الخصومة، فإن الدنيا زائلة، وعند الله يجتمع الخصوم.
- كما ورد وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس»، قالوا: «المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع»، قال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
آداب الخصام في الإسلام
كثيرة آداب في الخصومة التي يجب مراعاتها منها ما يلي:[3]
- الله تعالى يعلم ما في قلب الإنسان من خصومة وعداوة لذلك على كل شخص أن يخاف من عذاب الله ويستقيم لمواجهة ربه يوم القيامة؛ لما ورد في {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [سورة الزمر: الآية 31].
- يجب الاعتدال في الخصومة وعدم الغرق فيها وقبول الصلح وترك مجال له وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما».
- يجب على المختصم أن لا يأخذ أكثر من حقه، حتى وإن حكم له به مَن الشخص الحكم فذلك له عقاب من الله، وورد ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها».
- يجب على المسلم أن يلتزم في ضبط لسانه في الخصام، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، والفجور هو إنبعاث المعاصي والمحارم.