قصة قصيدة ” يارب ان عظمت ذنوبي كثرة “
كاتب قصيدة يارب ان عظمت ذنوبي كثرة
كاتب القصيدة هو أبو نواس واسمه بكامل الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح مول الجراح بن عبد الله بن جمادة ابن أفلح بن الحارث بن دوه بن حدقه بن مظه بن سهلم بن الحكمي بن سعد بن مالك، ولد عام 136 ه، في العراق، إذ عاش في البصرة، وشهد العصر العباسي في قوته فكان من شعراءه المميزين، كما ساعده على ذلك حسن طبائعه، وقدرته على التعامل الجيد مع الناس وكان شديد الفطنة والذكاء.
لكن من المرجح أن نشأة أبو نواس في بيت يملأه الخمر وينتشر فيه الفسق جعله لا يعرف جيدا تعاليم الدين ولا ينتبه عليها، حيث إن أمه كانت تدير بيت للأعمال المنافية للشرع والدين، فأثر ذلك تأثير سلبياً على اختياره للكلمات والموضوعات التي طرحها وناقشها في أشعاره.
لقب بشاعر الخمر، لأنه كان يكتب الكثير من القصائد في مدح وحب ووصف الخمر، وبرغم ذلك كانت قصة توبته عظيمه، فبكى الشافعي على موت أبو نواس بكاء شديد، ويرجع ذلك لأن ما كان يقوله أبو نواس لا يفعله، فكل ذلك عكس طبيعة ما في قلبه، الذي يميل لله عز وجل، ويحب الدين حب جماص، فله في التوبة قصائد عدة تلمس القلب وتهدأ النفس[3][4].
كلمات يارب إن عظمت ذنوبي
يقول
ابو نواس
في قصيدته يارب إن عظمت ذنوبي[1]:
- “يارب إن عظمت ذنوبي كثرة، فقد علمت بأن عفوك أعظم
- إن كان لا يرجوك إلا محسن، فبمن يلوذ ويستجير المجرم
- أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً، فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
- مالي إليك وسيلة إلا الرجا، وجميل عفوك ثم إني مسلم”
قاصد أبو نواس في قصيدته التضرع لله، والأعتراف بما اقترف من ذنوب، طامعاً في كرم الله عز وجل، مخاطبه بحسن الثقة بالله إنه يقبل التوبة جميعاً، وذلك حق فالله تعالى يقول في كتابه العزيز في سورة الزمر آية 53″قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”[2].
توبة أبو نواس
بعد أن مرض أبو نواس وبدأ المرض أن يتفشى في جسده، وكان سرطان الكبد قد أرهق جسده، فكانت توبته صادقة، فعرف في نهاية حياته بالزهد والتقرب لله، فكان قدوة ومثال وعبرة لحسن الخاتمة، إذ دوماً يضرب بقصته المثل في الخواتيم المباركة، وكيف يكون العبد طوال حياته فاسق وماجن، وبعد ذلك يكون قريب لله عز وجل، ويستشعر بالله في حياته، وفي كل عمل وقول، فكان دوماً أبو النواس يستهين بالقول الفاجرن حتى وإن لم يكن يعمله، ولكنه كان يقول ما لا يرضي الله، وكان ذلك محل خصام بينه وبين الأئمة والحكام، إذ أن أبو نواس كتب العديد من القصائد التي تلامس القلب، وخلدت في تاريخ الأدب الغسلامي، فتغنى بها الشعراء والمداحين والمبتهلين، فنغاها المشايخ في عزف التوبة والتضرع، والتذلل لله عز وجل، ومن امثلة قصائد التوبة لأبو نواس :
- تأمل في نبات الأرض وأنظر إلى أثار ما صنع المليك
- عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب اتلسبيك
- على كثب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
- إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
- يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
- إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
- فلا تحسبن الله يغفل ما مضى ولا أن يخفي عليه يغيب
- لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آٌارهن ذنوب
- سبحان ذي الملكوت أية ليلة مخضت صبيحتها بيوم الموقف”.
قصيدة أبو نواس عند موته
القصيدة الأخيرة في حياة أبو نواس، هي التي وجدها الناس أثناء الغسل، وكانت حسن الختام، التي جعلت أئمة المدينة يصلون عليه، فكانت قصة توبة جميلة، تدل أن علاقة العبد بربه علاقة خاصة خالصة لا يمكن لأحد الإطلاع عليها، إذ جسد أبو نواس في قصيدته الأخيرة المعنى الحقيقي لحسن الظن بالله، والأمل بالمغفرة وتلك هي احد أعظم درجات الثقة بالله، فلا يغفل أحد ما يعرف عن أبو نواس، إذ أن قصائده كانت دوماً دعوة صريحة للفجور، مليئة بالإيحاءات دالة على الشهوات، لا علاقة لها بالدين الإسلامي وكأن كاتها لا يعرف لله سبيل، ولكن شتان بين البداية والنهاية، فالذي أمتدح الأمر ألف مرة، يقول في التوبة أعظم الاشعار، إذ يقول:
- “دب في الفناء سغلا وعلوا، وأراني أموت عضوا فعضوا
- ليس من ساعة مضت لي الا، نقصتني بمرهابي جزوا
- ذهبت جدتي بطاعة نفسي وتذكرت طاعة الله نضوا
- لهف نفسي على ليالي وأيا، ما تمليتهن لعباً ولهوا
- قد اسأنا كل الاساءة قالا، هم صفحا عنا وغفرا وعفوا
- ما حجتي فيما أتيت وما، قولي لربي بل وما عذري
- أن لا اكون قصدت رشدي أو اقبلت ما استدبرت من عمري
- هل صلى الشافعي علي أبو نواس”
هل صلى الشافعي على أبو نواس
عرف عن أبو نواس، إنه شاعر الفسق والفجور، فكان كثير الأشعار التي تثير الجدل، وتدعوا للمجون، فيعرف بأنه شارب للخمر متعدد العلاقات النسائية، فقد كانت اخباره تعرف في البلاد دوماً بتعدد العلاقات والأفعال الغير لائقة، كما أن
قصائد أبو نواس
كانت تدل على تلك الأفعال، وكانت تثير اللغط وتدعوا الناس للحيرة في أمره ودينه.
ومن قصائدة التي أثارت الجدل وكانت ستؤدي لقتله، وهي أيضاً كانت السبب في عزوف الإمام الشافعي عن الصلاة على أبو نواس حين توفاه الله، إذ يقول في قصيدته، “دع المساجد للعباد تسكنها، وطف بنا حول خمار ليسقينا، ما قال ربك ويل للذين سكروا، ولكنه قال ويل للمصلينا” فكان جرم كبير واستهانة لا تغتفر في حق الدين الإسلامي وحق كل مسلم، فأراد هارون الرشيدي وهو الخليفة في ذاك الوقت أن يضرب عنقه، انتقام منه عم بدر من قول بذيئ سخر من المؤمنين فيه، واستخدم آيات من الذكر الحكيمن مستهزأ مستهتر، غير واع لما يقول.
حينها قال أبو نواس لهارون الرشيد، يا أمير المؤمنين اسمعني، فالشعراء دومتً يقولوا ما لا يفعلوا، قاصد إنه لم يكن مقتنع بما يقول ولكنه يتبع الشعر والهوى في الكلام، ويستخدم الألفاظ بشكل عام ليضبط قصيدته، ففي ذلك الاوان قام هارون الرشيد بغطلاق صراحه، ولكن بقي موقف الإمام الشافعي ورجال الدين منه قوي، إذ عزف الإمام الشافعي عن الجنازة، ولم يذهب ليصلي عليه ولا يحضر غسله، معتبره رجل فاسق خطأ في حق الدين والمسلمين أجمعين.
وعند الغسل وجدوا القصيدة التي عرفت فيما بعد بالقصيدة الأخيرة لأبو نواس، وهي ما ذكرناها أعلاه “رب إن عظمت ذنوبي كثرة”، وعرضت على الإمام الشافعي فبكى بكاء شديد وهو يرددها ويقرأها، فكانت وفجأة جنازة أبو نواس مليئة بالمؤمنين والمسلمين، حتى الإمام الشافعي صلى عليه، فكانت العبرة بأن لا يعرف الشخص حتى وإن كان إمام ما بين العبد وربه، ولا ما تكنه الصدور، إذ إن القلوب قبور لأصحابها، لا يعرف أحد أسرار غيره، وإن بلغ ما بلغ.