ديانة جلال الدين أكبر

ديانة جلال الدين أكبر

قضى جلال الدين أكبر 20 عامًا من حكمه مسلمًا نقيًا يؤمن بتعاليم الإسلام والمناهج المتصوفة، لكن انتهى به الأمر بوضع دين جديد سماه الدين الإلهي،  والذي اخترعه جلال الدين عن طريق دمج تعاليم ومفاهيم ومعتقدات الديانات المنتشرة بالهند.
ولد جلال الدين لأم شيعية تدعى حميدة ومربية شيعية مما عمل على تشويش ثقافته الدينية وتأثره بتوجيهاتهم منذ صغره، وساعد على ذلك عدم تلقيه دروس دينية في صغره لتساعد على تثبيت مفاهيم دينه وعقيدته فخرج مذبذبًا متأثرًا بعدة ثقافات أخرها ثقافة زوجته الهندوسية وأسرتها ومحاولته للتقرب منهم عبر القيام بشعائر دينهم التعبدية.

ولقد نشأ جلال الدين على حب الاستطلاع والمعرفة، فكان يجمع الشيوخ والعلماء ويناقشهم في مسائل الدين، وكثيرًا ما كان هؤلاء والفقهاء يكفرون بعضهم البعض في حضرة السلطان إن اقتضى الأمر، وكان منهم العديد من علماء السوء من حول جلال الدين ساعدوا على ضلالة.

أعتبر جلال الدين أنه شعاع الله وفيض منه، وأن المُلك نور من عند الله، وأنه هو من سيعيد العدل إلى الأرض ويوحد أبناءها وعقيدتهم، فقام ببناء دار العبادة لمناقشة الأمور الدينية مع علماء السنة والشيعة في أمورهم الخلافية وأراد بذلك أن يجعلهم يتفقوا في تلك المسائل الشائكة،  مما زاد الفجوة الخلافية بينهم، واستغل جلال الدين ذلك وقام بتعيين نفسه السلطان الروحي على رعاياه، بتفويض منهم وأنه صاحب الحق في إصدار الفتاوى والأوامر الدينية الواجب اتباعها إذا اشتد الخلاف فيما بينهم.

وأنتهى به الأمر بابتكار دين جديد يتألف من كل ما هو حسن في سائر الأديان والمذاهب وأسماه الدين الإلهي وأدمج به بعض مبادئ الدين الإسلامي بمعتقدات هندوسية ومسيحية ومجوسية وأعلن أن الله واحد أحد، وأوصى بتقديس الشمس والنار، وأنكر العديد من ما علم من الدين بالضرورة كالوحي والملائكة والحشر وكل المغيبات، وحرم ذبح البقر وحلل للناس أكل لحوم الخنازير، ومنع رفع الآذان والصلاة في المساجد ومنع إطلاق الأسماء الإسلامية مثل أحمد ومحمد.[1]

ولادة جلال الدين أكبر

ولد جلال الدين في شهر أكتوبر عام 1542 في باكستان تحديدًا في أقليم السند، والده السلطان نصير الدين همايون وأمه حميدة ابنة الشيخ علي أكبر الجامي، وهو هو حفيد ظهير الدين بابر سلطان دولة المغول الهندية ومؤسسها، ولقد ترك بابر جد جلال الدين أكبر لولده همايون دولة مفككة الأوصال غير قوية قامت على القهر، كانت مدة حكمه قصيرة لم يستطع فيها تدعيم دولته وتقويتها، بل زاد الطين بلة بسبب أفعاله المتناقضة ولين أسلوبه في الشدائد، كما أن والده ترك له خزانة خاوية بسبب الهدايا والعطايا، خرج همايون من الهند  تاركًا  زوجته وابنه جلال الدين أكبر لدى أخيه كامر، وذهب إلى الدولة الصفوية في إيران، حيث لجأ هنام إلى الشاه طهماسب الأول، والذي أكرمه وأحسن ضيافته حتى ععد همايون إلى الهند وأستعاد عرشه بمساعدة بعض الأمراض المخلصين لوالده، ثم عاد إلى الهند مجددًا  واصر على متابعة الحرب والقتال وأراد أستعادة عرشه المسروق وأن يستعيد زوجته وابنه جلال الدين وأن يبني له مُلكًا قويًا، واستطاع بعد جهدٍ طويل استعادة مدينة قندهار ومدينة كابل، اجتمع بعدها  بزوجته وابنه جلال الدين أكبر وقضى على جميع منافسيه، وقام همايون بتعيين جلال الدين حاكمًا على بلاد البنجاب، وبدأ جلال الدين في توطيد أموره  في بلاد البنجاب، وقام والده بتعيين بيرم خان مستشارًا لجلال الدين وموجهًا له.[1]

حياة جلال الدين أكبر قبل السلطنة

تربى جلال الدين أكبر على يد عمه كامران وزوجته، اللذان اتعتنيا به عنايةً فائقة وأحباه كثيرًا، وطوال فترة جلال الدين في بلاط عمه قام بتعلم العديد والعديد من الأشياء منذ صغر سنه، فلقد كان فتىً مليئًا بالحيوية والنشاط، فقام بتعلم الصيد وفنون القتال وركوب الخيل، كان كل  هذا كفيلاً لجعله محاربًا قويًا، لكن على الرغم من ذلك لم يتعلم أكبر القراءة والكتابة عندما كان صغيرًا فلقد قضى هذه الفترة بين السيف وركوب الخيل وألعاب الفروسية، وكان معرضًا عن تعلم أداب عصره، وعن أساليب الحكم والإدارة، لكن هذا لم يمنعه من توسيع أفاقه وتعلم ثقافات جديدة، فلقد كان يأتي بالقراء ليلًا ليقرأوا له عن سير أعلام المسلمين وتاريخ الإسلام وعلومه.

بعد عودة همايون واستقرار الحكم له التفت لابنه جلال الدين أكبر وأراد أن يصنع منه حاكمًا عظيمًا وسلطانًا قويًا، فبدأ بإعداد ابنه للحكم وأحضر له كبار الأساتذة والعلماء، وأشهر المربيين الذين عرفوا بقدرتهم على تعليم الصبية والفتيان أبناء الحكام. كان جلال الدين أكبر صبيًا عنيدًا لا يريد التعلم ولا يرضخ لأحد، حتى أن أساتذته استنفذوا طاقتهم معاه فقد كان على غير الصبية الذين عرفتهم، فكام ذهنه مشتتًا ابعد ما يكون عن الدرس والتعلم، وإن عاند أساتذته معه كانوا يحصدون القليل والقليل فقط، حتى أنهم فشلوا في تعليمه حتى القراءة والكتابة.

ولكن لم يلبث والده في الحكم كثيرًا فمات عن عنر  واحد وخمسون عامًا تاركًا ابنه الصغير على مقاليد الحكم، ليبدأ معه عصر جديد لبلاد الهند.[2]

زواج جلال الدين


  • زواج جلال الدين من رقية ابنة عمه
كان لهمايون أخ صغير عزيز على قلبه يدعى هندال ميزرا، قُتل ميزرا أخ همايون في نوفمبر عام 1551م، في معركة كان يقوم بها بأوامر من همايون، فحزن علي موت أخيه وفقدانه حزنًا شديدًا، فقام بخطبة ابنته رقية إلى ابنه جلال الدين، وكان عمر جلال الدين آنذاك لا يتعدى السبع سنوات، لكن ظلا مخطوبين حتى بلغا الرابعة عشر وتزوجا.

وتمت مراسم الخطبة في مدينة كابل، وكان ذلك بعد وقت قصير بعد تعيين جلال الدين أكبر نائبًا للسلطنة في مدينة غزنة، وقام همايون أيضًا بمنح رقية وجلال الدين ثروة أخيه المتوفي هندال كاملة، بالإضافة أيضًا إلى جنوده وأتباعه المخلصين، وعين جلال الدين قائدًا على عساكر ميزرا وقواته.

أقيمت مراسم الاحتفال بزواج جلال الدين أكبر ورقية ابنة ميزرا في مدينة جالندهار بالبنجاب، وكان زفافًا كبيرًا وفخمًا يليق بجلال الدين ابن سلطان بلاد المغول، وأصبحت رقية بذلك أولى زوجات جلال الدين وقرينته الرئيسية.[3]

  • زواج جلال الدين أكبر من جودا (مريم الزمان)

تزوج جلال الدين من جودا الهندوسية بعد أن أدرك ضرورة التقرب من الهندوس وأهمية استقطاب حبهم وتشجيعهم له، ولضرورة توحيد سكان الهند جميعًا على الرغم من اختلاف دياناتهم. فكانت وجوب قيام دولته على أساس متين هو أولوياته، فلجأ إلى الراجبوتيين وهم الطبقة العسكرية في مجتمع الديانة الهندوسية، وقام بالعديد من المحاولات لاستقطابهم وكانت المصاهرة هي أهم خطوة، وقام الأمير راجا بتقديم ابنته جودا لأكبر للزواج، وكان هذا الزواج تأييدًا من الأسرة الراجبوتية القوية للسلطان المسلم جلال الدين. وتم الزفاف في فبراير عام 1562م.

ولدت جودا باي عام 1942 في مدينة راجبوت الهندية، كانت جودا من الهندوس وكانت هندوسية الديانة، لكن اعتنقت الإسلام بعد زواجها من جلال الدين، كان زواج جلال الدين وجودا باي زواجًا سياسيًا، وكان هناك العديد من المشاكل فيما بينهم فقد كانت لهم ثقافات دينية مختلفة تربية مختلفة، لكن جودا أعلنت إسلامها بعدما أنجبت ابن أكبر الأول وريث العرشى نور الدين سليم، وقام جلال الدين اكبر ببناء مسجد كبير لجودا بعد إسلامها، وكانت جودا أحب زوجاته له وأقربهم لقلبه فهي أم ابنائه وهي الوحيدة التي أنجبت له الأبناء، وأصبحوا يحبون بعضهم كثيرًا وتوطدت تلك العلاقة التي بدأت بداية سيئة لقبت السلطانة جودا باي بمريم الزمان وكانت الكتب تذكرها بأنها مُحبة للخير ولفعله.[2]