الفرق بين التقدير والتنبؤ
مفاهيم مجال الدراسات المستقبلية
قدم العديد من الباحثين اجتهاداتهم في مجال الدراسات المستقبلية ، وظهرت العديد من الدراسات التي شملت عدد من المصطلحات المتنوعة التي ارتبطت بمجال الدراسات المستقبلية ، فهناك مجموعة من المفاهيم الأساسية التي ترتبط بمجال دراسات المستقبل ، والتي يحتم على القارئ ، أو المتخص في مجال الدرسات المستقبلية ضرورة الالمام بها مثل مفهوم التقدير الاستراتيجي strategic Estimate ، ومفهوم التنبؤ prediction.
ومفهوم التوقع forecasting ومفهوم الاستشراف foresight ، وغيرها من المفاهيم الفرعية الأخرى التي تتمثل في الإدارة الاستراتيجية strategic Management ، وهو مجال يقوم على الرؤية الاستراتيجية التي ترتبط بتوقع الأهداف بعيدة الأمد ، وما يرتبط به من مفاهيم أخرى تتمثل في مفهوم الاستراتيجية ، والتحليل الاستراتيجي strategic analysis ، والتفكير الاستراتيجي strategic thinking ، فضلا عن تعريف مفهوم السيناريو scenario ، ومفهوم التخطيط للسيناريوهات scenario planning .
تعريف التقدير
يعرف التقدير لغوياً على أنه التصور الذي يتصوره شخص حول أمر يتعلق بالمستقبل ، وهو يكون أمر تقريبي للشيء المحتمل أن يكون ، وفي الغالب يكون مرتبط بالتوقع ، والتقدير في مجال الدراسات المستقبلية يقوم على البعد الاستراتيجي حيث هناك ما يسمى بالتقدير الاستراتيجي strategic Estimate ، وهذا المفهوم انتشر بشكل كبير في المجال العسكري ، حيث عرفت أدبيات المجال العسكرية التقدير الاستراتيجي على أنه عملية تقدير الموقف العسكري في المجال العسكري على مسار منهجي ، والتي تختلف عن العمليات العقلية العادية التي تحكم أفعال حيات البشر اليومية.
وهي بصفة عامة تعتبر مسار منظم منهجي للتفكير المنطقي ، موجه نحو إعطاء أكبر قدر ممكن من التأكيد على أهمية الاهتمام بأي معلومة دقيقة حتى وإن كانت صغيرة ، وعدم التغاضي عن أي عامل مهم قد يؤثر على أداء المنظمة ، والعمل على تفعيل خطوة التأني وتجنب المعالجة المتسرعة ، والسطحية ، والإجراءات الشكلية كما أن عملية التقدير هو ذلك المكون الرئيسي الذي يظهر في جميع مجالات إدارة الازمات ، حيث يقوم التقدير في مرحلة تقييم الأزمات وتصور التهديدات المتوقعة على المديين الطويل والقصير ، وعليه يتم تقدير المخاطر واحتمالية حدوثها وفق الاعتماد على صياغة سيناريوهات المخاطر.
كما أن عملية التقدير الاستراتيجي هو أداة تستخدم لتطوير خطط الحملات العسكرية والعمليات المختلفة ، ولذلك يعتبر التقدير الاستراتيجي هو العملية التي من خلالها يقوم بها القادة بتطوير تقديراتهم الاستراتيجية ، واستنتاجاتهم بناءً على البيئة الاستراتيجية ، والتهديدات المحتملة ، وطبيعة العمليات المستقبلية المحتملة ، وفق ما يلاءم التوجه الاستراتيجي الوطني ، وجدير باذلكر أن عملية التقدير مرتبطة بشكل كبير بفكرة الاستراتيجية strategy.
وهذا المفهوم في الأصل مصطلح عسكري نابع من السياق العسكري الذي يتجه نحو التطلع للأمام لتفادي الضربات المتوقعة من العدو في وقت الحروب ، وهناك رواد بارزون في تفسير هذا المصطلح أمثال ” صن تزو” الذي كان له باعاً طويلاً في تفسير مفهوم الاستراتيجية ، حيث يصنف الباحثين والكتاب الذين تخصصوا في مجال الاستراتيجية العسكرية بأنهم كتاب استراتيجيين نظراً لإسهاماتهم المؤثرة في مثل هذا المجال ، وخاصة مجال الاستشراف الاستراتيجي للتنبؤ بالأزمات ، والذي يرتبط اشد الارتباط بحقل العلوم العسكرية على وجه التحديد.[1]
التخطيط الاستراتيجي
يعتبر التخطيط الاستراتيجي هو خارطة طريق وعملية أساسية معنية برسم عدد من التوجيهات للمنظمة من المرحلة الحاضرة إلى المرحلة المستقبلية ، كما تقوم هذه العملية على الاجابة على تساؤل هام وهو ” إلى أين تذهب لمنظمة ” ، أو “أين يجب أن تكون في السنوات القادمة القريبة و البعيدة ” ويتضمن التخطيط الاستراتيجي توقعات متعددة تقوم على تحديدها وفق السنوات القادمة ولا تكون محددة مثل عملية التخطيط التنفيذي ، كما تعرف على إنها مجموعة من الأنشطة المنظمة جيدًا والتي تساعد المنظمة على تنظيم الحاضر بناءً على توقعات المستقبل المستهدف.
تعريف التنبؤ
التنبؤ هو العملية التي تقوم على تحديد ما يمكن أن يحدث في المستقبل ، وعلى الرغم من كونها عملية صعبة التحقيق ، فلا يمكن لأحد معرفة الغيب ، ولا يمكن لأحد استنتاج ما يمكن أن يحدث في المستقبل إلا أنه أحد المناهج الهامة المطبقة في مجال الدراسات المستقبلية ، ولكنه لا يطبق بنفس المعنى الحرفي الذي يقوم على معرفة الغيب ، ولكنه يقوم على معرفة النتائج لظاهرة ما من خلال دراستها وقياسها قياساً قائما على المنهج العلمي.
وهو في الغالب مرتبط بوجود مؤشرات للقياس indicators ، حيث يشير منهج التنبؤ prediction القائم على المؤشرات إلى التوقع المدروس علمياً وبشكل مسبق وفق هذه المؤشرات ، ومن الأمثلة على ذلك ، قيام المتخصصون في مجال الأرصاد الجوية ، أو الإحصائيين بدراسة ظاهرة ما وقياسها كمياً وعلمياً ثم تحديد أسبابًا قوية تسهم في تحديد النتائج التي ستحدث مستقبلاً ، وبمنتهى الدقة وتكون درجة التأكد عالية تصل إلى مستوى التحقق بدرجة عالية.
التنبؤ القائم على التقدير
كما يتواجد نوع آخر من أنواع التنبؤ في مجال الدراسات المستقبلية وهو منهج التنبؤ الذي يعبر عنه في بيئة الأدبيات الأجنبية بأنه forecasting ، حيث يرتبط هذا النوع من التنبؤ بمجموعة التوقعات التي تعرض جملة من القصص مستقبلية محتملة معقولة ومتسقة داخليًا ، وهناك بعض الباحثين الذين أكدوا على أن التنبؤ forecasting هو المرحلة الأكثر تطوراً من التقدير الاستراتيجي وفق تطبيقه على المستوى العسكري ، كما ظهر النوع الآخر من التنبؤ القائم على الاستشرافforesight.
حيث تقوم هذه الخطوة على سمة بشرية أساسية تسمح بموازنة الإيجابيات والسلبيات ، وتقييم مسارات العمل المختلفة ، واستثمار المستقبل المحتمل وتستخدم كأداة لمساعدة صانع القرار في اتخاذ القرار المناسب وخاصة في مراحل ما قبل الأزمة ، ويتسم هذا الأسلوب الموجه نحو المستقبل بالانفتاح على المستقبل بكل الوسائل المتاحة ، وتطوير وجهات النظر للخيارات المستقبلية ، ثم الاختيار بن أفضل البدائل و أنسبها.
التقدير والتنبؤ في مجال التفكير الاستراتيجي
يرتبط مجالي التقدير والتنبؤ بمجال التفكير الاستراتيجي strategic thinking ، حيث تقوم عملية التفكير الاستراتيجي والتي تظهر في الأساس في عمليات التفكير المتقدمة المرتبطة بالمجال العسكري على التسلسل الهرمي لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية وتنفيذ السياسات والبرامج حيث تحدد الاستراتيجية القضايا الملحة في جدول الأعمال المرتبطة بالعمل المستقبلي من خلال تحديد ما الذي يجب تحقيقه ، ومتى ، وكيف يمكن تحقيقه.
وترتبط أيضا بوضع السياسات ، والمبادئ التوجيهية والإجراءات المسموح بها لتحقيق هذه الأهداف ، فضلاً عن تنفيذ البرامج الاستراتيجية من خلال الإجراءات المتسلسلة التي يتم تنفيذها خطوة بخطوة ، ولهذا السبب نجد أن المجال العسكري الاستراتيجي قد تعرض للعديد من التطورات التي غيرت من مناهج التعامل مع الأزمات فنقلته من مستوى التقدير إلى مستوى التنبؤ.[2]