تعريف الإقرار بالنعمة
معنى و تعريف الإقرار بالنعمة
يمكن تعريف الإقرار بالنعمة على أنه درجة أولى من
درجات الشكر
، أي أن الإقرار يسبق الشكر ، والإقرار بالنعمة هو الاعتراف بها ، وتعني كلمة إقرار باللغة العربية معنى الاعتراف، وبذلك يكون التعريف الشرعي أو المعنى الاصطلاحي للإقرار هو الاعتراف بالنعمة.
و النعمة هي المنفعة والإحسان التي يحصل عليها طرف من طرف آخر دون انتظار أي مقال ، أو الحصول منه على مصلحة ، أما في المصطلح الشرعي فإن النعمة هي كل عطايا الله سبحانه وتعالى لعباده ، سواء كانت تلك العطايا عينية أو حسية أو معنوية.
والإقرار بالنعمة يعد وجه من أوجه الشكر ، فشكر النعم لا يتم إلا بعد الإقرار بها ، فكيف يشكر العبد ما لم يقر بوجوده ، ويستلزم للإقرار بالنعمة الشعور بقيمتها وفضل الله، حتى لا يكون الإقرار بالنعمة مجرد تشدق بالكلمات، خالي من أي معنى أو حقيقة ، ومجرد كلمات جوفاء، لا شعور فيها ، ولا تحمل يقين، ولا يترتب عليها أثر قلبي.
لذا فإن الإقرار بالنعمة يستوجب الانتقال من القوى باللسان والاعتراف بفضل الله ، إلى القلب واليقين بنعم الله ، ومن ثم ينتقل إلى الجوارح ، ليصبح كل جزء في الإنسان مقر بنعمة الله ، ومعترف بها.
وبذلك يكون تعريف الإقرار بالنعمة، تعريف شامل يجمع أغلب المعاني فيه ، هو اعتراف العبد باللسان ، والقلب، والجوارح بفضل الله ونعمته عليه ، سواء كان ذلك الاعتراف بالقول فقط أو بالقول والعمل، والاعتراف بالقول يدخل فيه الحمد والشكر والثناء.
والاعتراف بالقلب يدخل فيه الصبر والرضا، والاعتراف بالجوارح يدخل فيه العمل والحفاظ على النعمة ، ذلك أن من وهب قادر على
حفظ النعمة
، كما هو قاد. على سلبها، ومنعها، و من الإقرار بالنعمة تقديم الصدقة ، واستغلال النعمة فيما لا يغضب الله، والإقرار بالنعمة هو الاعتراف بالإحسان لمن أنعم به.
و يشمل تعريف الإقرار بالنعمة ، الحفاظ عليها ، و هذا الحفاظ يأتي على هيئتين ، هيئة السعي في صيانتها من الزوال ، وهيئة الشكر عليها وإرضاء الله لحفظها ومنع زوالها، ومن طرق الحفاظ على النعمة من الزوال في هيئة السعي ، أن يقوم العبد بمراعاة النعمة ، وعدم تعريضها للخطر ، والحفاظ عليها، وحمايتها وصيانتها ، وعدم الاعتراف بالنعمة هو نوع من
أنواع كفر النعم
،
ومن أمثلة نعم الله وطرق صيانتها :
نعمة الإسلام ، وهي نعمة عظيمة و حتى يتمكن الفرد من الحفاظ على تلك النعمة يجب أن يشعر بقيمة الإسلام ، وكيف أنه السبيل والخلاص من عذاب الآخرة ، وأنه النور بعد الظلمات ، وعندما يستشعر تلك المعاني يجد لسانه معترفاً بهذه النعمة بلسانه ثم بقلبه ، وتسعى جوارحه للحفاظ على تلك النعمة أكثر ، فلا يعصي بها الله.
وتتعدد نعم الله على عباده من نعم معنوية مثل الإسلام ، والرضا ، وفهم اللغة العربية لقراءة القرآن الكريم، والمشاعر الإنسانية وغيرها من أمور معنوية ، كما أن هناك من نعم الله الملموسة الكثير والكثير مثل الأولاد ، والأسرة ، والمال، والوطن، الصحة وغيرها. [1]
من عقوبات كفر النعم
بالتبين والتوضيح الذي تناول تعريف الإقرار بالنعمة ، يتبين أن الإقرار بالنعم والشكر عليها واجب على كل إنسان ، وأن عدم الإقرار بها نوع من أنواع الجحود والكفر بها ، وأن الإقرار بالنعمة والشكر عليها ، بل ويجب الدعاء لله بالتيسير في شكره والإقرار بالنعمة ، حتى النعم المعنوية ، كما يتضح في الآية الكريمة التالية:
وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [سورة الأحقاف الأية 15].
ونظراً لما سبق من
أهمية الشكر
، وخطورة الإقرار بالنعمة ، فقد ترتب على الكفر بالنعم الكثير من العقوبات التي وإن تعددت أشكالها فهي في النهاية تحت بند واحد من بنود العقاب ، و عقاب كفر النعم زوالها، وهذا الزوال ، قد يكون معه استبدال أو إبدال ، والاستبدال معناه أن يستبدل الله العبد الذي أنعم عليه بعبد آخر، أو قد يكون إبدال أي أن يبدله شئ مكان شئ.
ومن أمثلة الاستبدال أن يسلب الله من العبد الذي لا يعترف بنعمة الله وفضله أن رزقه عمل يدر عليه دخلًا، ويجعل مكانه شخص آخر في نفس عمله ووظيفته، ليشعر بالنعمة التي كانت تحيط بها، ومن أمثلة الإبدال ، أن يبدل الله حال الشخص الصحيح السليم في جسده جزاء عدم اعترافه بنعم الله بالمرض، وهكذا من الأمثلة المختلفة. [2]
أركان الإقرار بالنعمة
يتضح من تعريف الإقرار بالنعمة أن أركانه هي نفسها أركان شكر النعم من حيث الأدوات فكلاهما يكون باللسان والقلب والجوارح ، لكن الشكر يكون ثناء لصاحب الفضل أما الإقرار فهو الاعتراف بنعمة المنعم، وبذلك يحتاج الشكر أولاً للإقرار وفي الغالب يتلازم الشكر مع الإقرار وتكون أركان الإقرار كالتالي
الإقرار باللسان، حيث يقر الشخص بنعمة غيره عليه ، مثل إقرار العبد بنعم الله وهي غالباً ما تأتي في صيغ الحمد والشكر والثناء، وأحياناً في صيغ الحديث عن النعمة ، كما جاء في آيات القرآن الكريم { وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ [سورة الضحى أية 11]، وهنا يكون الإقرار بالنعمة الحديث عنها ، والحديث هنا لا يعني معايرة من حرم بالنعمة أو ذكر النعم بلا داعي يستوجب الحسد، وإنما ذكرها في المناسبة التي تستحق ، وعدم إنكارها باللسان.
الإقرار بالنعمة بالقلب ، وذلك النوع هو دائماً النوع الأصدق في كل الأعمال القلبية ، حيث لا يحتاج الإنسان في هذه الحالة للتزييف أو التجمل أو الرياء والسمعة ، لأن إقراره أمر بينه وبين ربه لا بعلم أحد عنه شئ ، إن أقر أو جحد لا يعلم الحقيقة سوى الله، لذا وجب على كل صاحب نعمة أن يستقر في قلبه إقراره بالنعم والاعتراف بفضل الله عليه، بينه وبين نفسه ، والشعور بالرضا ، نوع من أنواع الإقرار بالقلب.
الإقرار بالنعمة بالجوارح ، ويظهر الإقرار بالنعمة بالجوارح ، أكثر ما يظهر مع نزغات الشيطان ومحاولة إلهاء الفرد عن رؤية نعم الله ، بل والوصل أحياناً إلى إنكار تلك النعم ، والمفر بها ، مع خطورة
الاثار المترتبة على كفر النعم
، وقد أقرن الله سبحانه وتعالى إنكار النعمة بالكفر ليتبين مدى خطورة الأمر وذلك كما جاء في الآيات وقال تعالى: ﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [ سورة النحل: أية 83]. [3]
نعمة الحمد
يعد الحمد هو الخطوة التالية من خطوات الإقرار بالنعمة ، حيث أن الفرد بعد أن يقر بالنعمة ، سواء في ذلك كان الإقرار باللسان والقلب والجوارح ، يترتب على الإقرار شكر المنعم ، و الشكر والحمد والثناء متلازمان في علاقة الفرد بربه ، فمن علم بالنعمة ، وأقر بها ، و عرف قدرها وجب عليه أن يحمد المنعم ، وليس هذا لكل شخص، فقد لا يستطيع الحمد الفرد الحمد لله على النعمة ، لنقص أو تقصير أو عيب في الشخص او ذنوب حجبت عنه ذلك.
فالحمد نعمه ييسرها الله لمن يستحق من عباده ، ولا يرزق الله لسان حامد لله على النعمة إلا إذا كان العبد في نيته خالصاً لله محافظاً على النعمة التي وهبها الله إياها ، ثم ميسرا له الحمد عليها ، ومن أشهر صيغ الحمد ، قول الحمد لله ، واللهم لك الحمد على ما أنعمت.