تعريف الأخلاق البروتستانتية
مفهوم أخلاقيات البروتستانتية
الأخلاقيات بصفة عامة هي مجموعة القيم ، والمحركات المعنية ، والمعتقدات الداخلية ، التي تحدد سلوكيات الأفراد في أي مجال ، وقد اشتهر ماكس فيبر بحديثه عن أخلاقيات البروتستانت ، وهي مجموعة الأخلاقيات التي انتمت إلى هؤلاء الذين اعتقدوا في البروتستانتية ، وهي عبارة في الأساس عن مجموعة من القيم المتجذرة ، في نفوس الأفراد البروتستانتيين ، والتي ظهر رواجاً لها كبير ، وبشكل ملحوظ حول العالم ، بسبب ارتباطها الوثيق ، و بشكل مثير للجدل ، والنقاش المحتدم ، بتطور الرأسمالية الحديثة.
الأصل في قضية أخلاقيات البروتستانت ، وعلاقتها بالرأسمالية ، رغم أن العلاقة بين هذين المتغيرين قد يظهران شيء من التناقض ، أن المعتقدات البروتستانتية ، لم تكن قائمة في الأساس على فكرة تبني تحقيق الربح الاقتصادي ، والتنمية التي تصب في مصلحتها .
وقد كانت الحجة التي ساقها ماكس فيبر ، حول هذا الموضوع ، أن التدين ، هو البوابة الرئيسية التي مكن أن نعبر من خلالها من أجل فهم التوجهات المختلفة في الحياة ، وأن المعتقد البروتستانتي هو الذي دفع بالأوروبيين إلى تحقيق التنمية من خلال تحقيق العمل المنظم ، و أن التنظيم ، والإدارة المنضبطة ، والتي تتسم بقدر كبير من العقلانية ، و الاخلاص للعمل كواجب ، ومهمة رسمية ، ستكون هو التفسير الحقيقي ، والعامل الحاسم الذي يتحقق منه التطور الاقتصادي ، و هو أيضاً السمة المميزة للرأسمالية الحديثة.
القيم وأخلاقيات البروتستانتية
تمثلت مجموعة القيم ، والأخلاقيات ، والدوافع المختلفة لدى البروتستانتية ، تقوم في الأساس على دعوة الأفراد الذين يعتقدون في البروتستانتية ، للقيام بأعمالهم ، بما يحقق الاخلاص ، و الوفاء تجاه الله ، وان الاعمال التي يقومون بها ، وتكون مليئة بالإخلاص ن ستكون في مناحي حياتهم اليومية ، و في السلوك المعتاد في تعاملاتهم اليومية.
كما تعتبر هذه القيم ، والقواعد الاخلاقية ، شائعة وموجودة في معتقدات كنائس الكالفيني ، فضلاً عن اعتقادهم بالأقدار ، حيث تظهر في قواعد البروتستانت الأخلاقية عدم قدرة الأفراد على معرفة الفرق بين المخلص ، وبين غير المخلص.
كما تقوم أخلاقيات البروتستانت على أهمية الاجتهاد ، وأن الفرد عليه أن يقوم بعمله ، بمنتهى الاخلاص ، ومنتهى الجدية ، حيث تقوم قواعدهم الأخلاقية في العمل ، على الجد ، والجدية ، والاجتهاد ، والاستخدام المنظم للوقت ، والزهد التام ، لكل ما يتعلق بأمور حياة الفرد التي يمكن أن تبعده عن قواعد أخلاقيات العمل ، التي تحقق التكور والتنمية في النهاية .
فهناك قيمة ، أطلقوا عليها “الزهد الدنيوي” ، وهي بشكل عام ، كانت أكثر القيم التي ساهم البروتستانت عبر الالتزام بها في تحقيق تنميتهم الاقتصادية ، وقد قدمها فيبر في كتابه عن روح الرأسمالية ، على اعتبارها أنها قمة التبرير لما وصلت إليه البروتستانتية في نجاح الرأسمالية.[1]
البروتستانتية والتنمية الاقتصادية
قامت البروتستانتية على أهمية المعرفة ، على اعتبار أن المعرفة التي كانت تتمثل في المعرفة بالكتابة ، والقراءة ، كانت هي السبب الحقيقي وراء التنمية الاقتصادية ، وقد جادل ماكس فيبر في كتابه ، ليظهر بالدليل والبرهان التحليل ، أن السبب الحقيقي وراء التنمية التي حققتها البروتستانت ، هي الأخلاق ، والمعرفة ، حيث كان يتساءل فيبر حول ” هل البروتستانت أكثر اقتصادا ، أم أكثر معرفة بالقراءة ، و الكتابة مقارنة بهؤلاء الأشخاص الذين ينتمون إلى ايديولوجيات ، أو إلى معتقدات أخرى” .
أخلاقيات البروتستانت وفق ما افترضه ماكس فيبر علم 1905 ، هي عبارة عن القيم ، والأخلاقيات المرتبطة بمجال العمل ، التي كان لها بالغ التأثير ، على أداء البروتستانتية ، في مجالها الاقتصادي ، الذي عزز في النهاية من مستوى التنمية الاقتصادية الحديثة التي حققوها ، واللافت للنظر ، هو أن علماء الاقتصاد ، والاجتماع ،ة مازالوا يناقشون هذا التساؤل ، حول تأثير الأخلاق على الاقتصاد.
حيث مازال المتخصصون يبحثون في حجة ماكس فيبر ،حول أخلاقيات البروتستانت في الاقتصاد ، وقد أثب علماء الأدب التجريبي ، البروتستانت لم يحققوا التنمية الاقتصادية ، بسبب أنهم كانوا أكثر معرفة بالقراءة والكتابة من أصحاب المعتقد الكاثوليكي ، ولكن وجود الفوارق ، والاختلافات الكبيرة بين الأطياف المختلفة مثل الألمان ، و غيرهم من الأقليات العرقية ، مثل البولنديين ، كان هو السبب في تحقيق هذه التنمية.[2]
ماكس فيبر وأخلاقيات البروتستانتية
يعتبر عالم الاجتماع الألماني الشهير
ماكس فيبر
، الذي يعتبر أشهر المفكرون ، هو المفكر الي يندرج تحت قائمة الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع ، كما عرف ماكس فيبر بكتاباته ، و اسهاماته القوية ، التي أثرت في القراء ، وصنف على اساس اسهاماته ، و إنتاجاته العلمية ، بأنه من أكثر الكتاب ، والمفكرين تأثيرًا.
وله العديد من الاسهامات الفكرية ، إلا أن أكثر كتبه ، وإسهاماته شهرة ، و رواجاً ، هو كتاب الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية Protestant ethics and spirit of capitalism ، حيث صنفه العالم على أنه من أكثر الابداعات التي أنتجها ماكس فيبر ، فهو كتاب ذوق قيمة علمية عالية في مجال التحليل الاجتماعي ، وكان السبب وراء قيمة هذا الكتاب ، أنه يقدم دليل صارم و حجة قوية ، و مترابطة بشكل معقد.
فقد كان الهدف الأساسي لماكس فيبر ، هو دراسة وتفسير تطور الرأسمالية ، حيث تعتبر الرأسمالية بمثابة أيديولوجية تصنف تحت قائمة الأيديولوجيات الدينية المختلفة في أوروبا ، في الوقت الذي قام به العديد من المتخصصين بتحليل الأسباب المادية والأداة لظهور الرأسمالية ، سعى ماكس فيبر لإثبات أن المعتقدات الدينية المختلفة لعبت في الواقع دورًا مهمًا.
وقد كان الأسلوب التحليلي لماكس فيبر في هذا الكتاب الهام ، هو تفسير العلاقة بين أيديولوجية الرأسمالية ، وين المعتقدات الدينية الأخرى ، كما كانت الفكرة الأساسية في هذا الكتاب هو الأخذ في الاعتبار ، وبشكل مهم وجاد ، العلاقة بين الأخلاقيات المتداخلة بصفة عامة ، حيث تتداخل الأخلاق الرأسمالية البروتستانتية والعلمانية ، و البحث عن تأثير كل منهما على الآخر.
كما جاءت مساعي ماكس فيبر نحو التركيز على أهم المقومات الأساسية ، لتفسير هذه القضية ، حيث ركز فيبر على تأثير القيم الثقافية ، والتي تعتبر احد العناصر الحاسمة التي تعمل على تعزيز العلاقة بين الأخلاقيات ، وبين الأيديولوجية الرأسمالية ، على اعتبار أن هذه القيم الثقافية ، هي عوامل ضمنية ، لها بالغ التأثير على القضية محل الدراسة في كتاب ماكس فيبر ، و هذه العلاقة يف الأصل كانت تدعم الرأسمالية بشكل كبير.
وقد جادل المتخصصون في الوقت المعاصر ، حول نجاح الرأسمالية الحديثة ، وأكدوا على أن البروتستانتية لم تتسبب في قيام اتجاه الرأسمالية الحديثة ، لكنها اعتبرت أحد المعايير الأساسية في نشأتها ، حيث راجع هذا الاتجاه المفكر جوردون مارشال ، بحثًا عن روح الرأسمالية في عام 1982 ، ليعيد النظر في رؤية فيبر.[3]