ما أعمال الصحابة في رمضان
كيف كان
الصحابة
يستقبلون
رمضان
إن شهر رمضان يختص بالعديد من الفضائل، إذ أنه الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم، كما أنه الشهر الذي يتوب الله فيه على الناس ممن يستغفروا، وفيه تكفير عن الذنوب والمعاصي والعتق من النار، كما أن أبواب الجنة تُفتح فيه أما أبواب النار فتُغلق وتصفد الشياطين، وفيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر و
ادعية ليلة القدر
مُستجابة بإذن الله تعالى، وهو شهر الكرم ومُساعدة المحتاجين، ولذلك أدرك الصحابة قيمة ذلك الشهر الكريم فازدادوا في الأعمال الصالحة طمعًا منهم في رضا الله ورغبة في كسب ثوابه، وقد كانوا يقوموا بالدعاء لله 6 أشهر حتى يبلغهم رمضان ثم يدعون 6 أشهر لكي يتقبل منهم أعمالهم.
وقال عبدالعزيز بن أبي داود : أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم: أيقبل منهم أم لا؟
كما كانوا في شهر رمضان يمسكون عن تناول كافة المفطرات الحسية والمعنوية، والقيام بما يرضي الله عز وجل، ويحتسبون نومهم وقيامهم، ويتنافسون على كثرة الطاعة والقربات، ويبتعدون عن جميع المعاصي والذنوب، ويحفظون صومهم من المفطرات، ويسيرون وفق كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوصون بعضهم حتى لا يكون يوم صومهم مثل يوم فطرههم وخاصة لينالوا
فضل العشر الاخيرة من رمضان
. [1]
ماذا كان يفعل
الصحابة في رمضان
لقد كان الصحابة يتنافسون في شهر رمضان بالعديد من صور أعمال البر، وأصناف مختلفة من الأفعال الخيرة، وهم الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذين يَلونَهم، ثمَّ الَّذين يَلونَهم” متفق عليه، فقد كانوا يتمسكون بالأفعال التالية: [2]
-
الاعتناء بالفقراء:
من خلال إعطائهم قدر من أموالهم، ويقتسمون معهم الطعام، ويجلسونهم حتى يفطروا على موائدهم.
فقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وأحيانًا ما كان يمتنع عن تناول العشاء إن عرف أن أهله منعوهم كذلك، وفي أحد الأيام حصل على أربعة آلاف درهم وقطيفة، فلم يبات الليلة إلى أن وزع الدراهم، وخرج صباحًا بالقطيفة على ظهره ثم أعطاها لأحد المساكين.
وقال أبو السوار العدوي رحمه الله : “كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه”.
وقال بعض السلف: “لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاما يشتهونه، أحب إلي من أن أُعتق عشرة من ولد إسماعيل”.
وكان من السلف مثل الحسن وابن المبارك من يحب أن يأكل إخوانه الطعام وهو صائم، ويعمل على خدمتهم.
ولقد أفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فحظى بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له: “أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ” صحيح سنن ابن ماجة.
وكان حماد بن أبي سليمان يقوم بإفطار 500 شخص في شهر رمضان كما يعطي بعد العيد لكل واحد 100 درهم.
- كان الصحابة يدركون أن المحرومين هم من حرموا من ليلة القدر، وغفلوا عن قيامها، واجتهدوا في استغلال الوتر في العشر الأواخر، أما عن ليلة القدر فهي ليلة أفضل من التعبد لألف شهر، فهي ليلة (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) [سورة القدر: الآية 4]، وكانوا يؤمنون على ما يدعو الناس به من أدعية، كما أنهم يسلمون على أنفسهم وعلى المؤمنين بالمساجد إلى بزوغ الفجر، كما أنها ليلة سلام على المؤمن القائم، فلا يمسه فيها آفة، ومن قام الليلة إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنوبه، ولهذا تم تسميتها بليلة القدر، نظرًا لما لها من شرف وعظمة قدرها ومنزلتها، وقال الله تعالى عنها: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [سورة الدخان: الآية 4].
أما عن ابن كثير رحمة الله عليه فقال: “في ليلة القدر، يُفَصَّلُ من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمرُ السَّنَةِ وما يكون فيها من الآجال والأرزاق”.
- وكان الصحابة لا ينزعجون عندما يطول الإمام في القيام، إذ كان إمام الصحابة يقرأ مئات الآيات، لدرجة أنهم كانوا يتكأون على العصي من طول القيام، ولا ينصرفون إلا قبل طلوع الفجر.
وقال عبد الرحمن بن هرمز: “كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف عنهم”.
وقال ابن أبي مليكة: “كنت أقوم بالناس في شهر رمضان، فأقرأ في الركعة: الحمد لله فاطر ونحوَها، وما يبلغني أن أحدا يستثقل ذلك”.
حال
الصحابة في رمضان
كان الصحابة يهتمون بالقرآن الكريم من حيث قراءته، تدبره، وعمله، فكانوا يتنافسون في ذلك الباب فعن عثمان رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن الكريم في رمضان مرة كل يوم، وكان بعض السلف يختمون القرآن في قيام رمضان فقط كل عشر ليال، والبعض منهم يختمونه في كل سبع، والبعض في كل ثلاث، وكان الزهري رحمه الله عندما يأتي شهر رمضان يقوم بترك قراءة الحديث، ويذهب إلى تلاوة القرآن الكريم، وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك كافة العبادات وتوجه إلى قراءة القرآن.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “إذا صمت، فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء”.
وعن مجاهد قال: “خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة، والكذب”.
أما أبي العالية فقال: “الصائم في عبادة ما لم يغتب”. [2]
كيف كان يودع
الصحابة رمضان
وقد كان
الصحابة في العشر الأواخر من رمضان
يزيدوا عنايتهم بالعشر الأواخر من شهر رمضان، حتى يحققوا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تحدثت عنه عائشة رضي الله عنها قائلة: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر، شد مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله” متفق عليه. وكان – صلى الله عليه وسلم – “يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها” مسلم.
وقال الشافعي رحمه الله: “ويسن زيادة الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان”.
قال النووي: “يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، وإحياء لياليه بالعبادات”.
وكانوا يكثرون من
أدعية العشر الاواخر من رمضان
، فقال سفيان الثوري: “أَحَب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك”.
فلا بد من اغتنام تلك الفضيلة، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ” مسلم.
وكانوا يكثرون من
أعمال ليلة القدر
نظرًا لعظمة تلك الليلة المباركة، فكانوا يغتسلون بكل ليلة من الليالي العشر، وكان الإمام مالك رحمه الله يغتسل في الليلة التي يعتقد أنها من ليالي القدر، ويتطيب، ويلبس حلة لا يلبسها حتى العام القادم من شهر رمضان، أما عن أيوب السَّختِياني فكان يقوم بالاغتسال ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويتطيب.
وقال ابن الجوزي: “إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار، بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق، فلا تكن الخيل أفطن منك، فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تحسن الاستقبال، لعلك تحسن الوداع”.
وقال ابن تيمية رحمه الله: “العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات”.