شرح قصيدة عجبت منك ومني
قصيدة عجبت منك ومني كاملة
- عجبت منك ومني يا منية التمني
- أدنيتني منك حتى ظننت أنك أني
- وغبت في الوجد حتى أفنيتني بك عني
- يا نعمتي في حياتي وراحتي بعد دفني
- ما لي بغيرك أنس إذ كنت خوفي وأمني
- يا من رياض معاني وقد حوت كل فن
- وإن تمنت شيئاً فأنت كل التمني[1]
قصائد الحلاج
التي تلامس القلوب، وتدعوا للتصوف والتأمل خالدة لا تبهت ولا تتأثر[2].
شرح قصيدة الحلاج عجبت منك ومني
تعتبر تلك القصيدة أحد أهم القصائد التي كتبها الحلاج، والتي تعبر عن علاقة متينة ناعمة ورقيقة، بين الحبيب والمحب، ولاسيما أن لغة الحوار بينهم تدل على القرب والمودة، وكل بيت من تلك القصيدة القصيرة، التي تتكون من سبع أبيات فقط، لها معنى عميق وراقي، ودلالة شعرية لا مثيل لها، فمهما أختلفنا على شخص الحلاج، لا يختلف أثنان على جودة شعرة، ومهارة قلمه.
عجبت منك ومني يا منية التمني
مطلع القصيدة، بيت يدل على مدى الإنسجام والمحبة بين الحبيب وحبيبه، حيث يتعجب المحب ويعبر عن دهشته وتعجبه بوضوح، ليس بغرض الفهم والتساؤول، بل بغرض التعبير عن كم المحبة الهائل بين المحب والحبيب، بهدف توضيح مدى الحب وعظمته وكثرته.
أما الشطر الثاني وهو النداء للقرب وتوضيح المحبة، فيقول يا منية المتمني، أي يصفه بأنه الأمنية وأعظم الأماني، دلالة على إنه وصل لأقصى درجة من الحب، تلك الدرجة التي هو نفسه لم يفهمها ولا يستطيع أن يستوعبها، فقد تخطى الحبيب كل درجات الحب، ليكون أغلى عند المحب من نفسه.
أدنيتني منك حتى ظننت أنك أني
أدنيتني فعل من الحبيب، بادر به، فشعر الحبيب إنهم شيء واحد، فالحب دوماً حين يزداد يجعل الأحبة روح واحدة تنصهر وتذوب مع بعضها البعض، وهذا مع قصده الحلاج، لكي يصف درجة العشق وشدته، وصف شدة الحب بأنه يشعر إنه الحبيب قربه له، حتى شهر إنهم الأثنان شخص واحد.
يقصد الحلاج في هذا البيت هو الحب الألهي، الذي لا يضاهيه حب، فدوماً الشخص الذي يتقرب من الله عز وجل وينقي سريرته، يشعر برقة القلب والحب والخشوع ويدرك معنى محبة الله له والحب لله أعظم حب في الوجود، كما أن هذا الحب بدون قيد ولا شروط، فهو حب بحرية والمحبوب هنا لا يريد شيء من المحب، فالله عز وجل يحب العبد دون أن يريد منه شيء، وذلك قمة الحب وأعظم درجاته.
وغبت في الوجد حتى أفنيتني بك عني
في كل بيت تزد درجة المحبة، من خلال الوصف القيم للمحبوب، ففي البيت الاول قال منك ومني، وفي البيت الثاني قال أنك إني، وفي البيت الثالث قال أفنيتني بك عني، فالتدريج في وصف، يدل على إنه يبحث عن معنى أكبر وأعظم للوصف، حيث وضح هنا إنه أهم من ذاته لنفسه، فالحبيب أغنى المحب عن كل شيء حتى نفسه، ويقصد إنه أمتلأ بالحب الذي لا ينتهي ولا يفنى، دلالة على العلاقة الوثيقة والدرجة القوية في الحب.
المقصد الحقيقي للحلاج إنه يتمنى الموت، ولا يخافه أبداً، لكي يقابل الله عز وجل، فالعالم لم يعد به مغريات، والوجود لم يجذبه في شيء، حيث إن الله وحده هو الحبيب وهو المنعم وهو العظيم، الذي يرجا لقائه ويتمناه، والوجد كلمة تستخدم كثيراً في الصوفية، حيث إن التصوف مذهب يأخذ الأشخاص إلى معاني التجرد والحب الصادق، وهي بمعنى النفس وحب النفس والحياة، وقد تكون بمعنى الشغف أو الاهتمام بأي شيء دنيوي.
يا نعمتي في حياتي وراحتي بعد دفني
يبلغ الحب التمكن من القلب والعقل والروح، فتكون النتيجة أن المحب مولع بالمحبوب، حد الاستسلام، ورؤيته النعمة في الدنيا والآخرة، فيقول الحلاج إنه يرى الله هو نعمته في الدنيا والراحة والآمان بعد الممات، تلك العالم الفاني لا أنيس فيه سواه، ولا صديق إلاه، وفي العالم الباقي بعد الموت، وبعد القيامة التي يفر فيها الصديق من صديقه والحبيب من حبيبه، والأم من أبنها، والبنت من أبيها، والولد من أبويه، يجد المحب هنا في القصيدة فقط حبيبه، الذي كان يستحق الحب منذ البداية وحده هو الانيس والصديق والرفيق في الرحلة الفانية والأبدية.
مالي بغيرك أنس إذ كنت خوفي وأمني
هنا ينهي الحلاج كل صلة بأي شيء دنيوي، فلا يوجد له أنيس ولا صديق ولا حبيب إلا الله تعالى، حيث يجد فيه الأمن والسلام، ويخاف أن يعصيه، وتلك هي المخافة الوحيدة بالنسبة له، كما إنه يرى أن لا داعي للفرح ولا للحزن بدون الله، فالقرب وحده والحب الذي يصل للعشق هو وحده الأمان والحب الصادق الذي يريح القلب ويهدأ النفس ويذهب الخوف والغم.
يا من رياض معانيه قد حوت كل فن
روعة الوصف هنا تحتاج إلى شعور قبل فهم، فقد يقول الحلاج يا من رياض معانيه حوت كل فن، بمعنى أن روعة وجمال الوصف والشعور بالحب واستشعار الله بالمعنى والحس فقط، فاقت كل الجمال والفن، وهنا يبدوا المحب ولهان وعاشق فهو لا يرى الحبيب بالعين ولكنه يراه بالقلب، أعظم حب في الوجود هو الحب الخالص الذي لا يقارن فيه المحبوب بأي شيء ولا يضع في كفة أخرى، وذلك ما جسده الحلاج في تلك الأبيات القصيرة.
وإن تمنيت شيئاً فأنت كل التمني
ينهي الحلاج قصيدته، بلطف شديد، إذ يقول إذ تمنيت شيء، أي إذا كان هناك شيء يتمناه، فهو لا يتمنى سوى الله، الذي يملأ وجدانه وقلبه، ويملأ روحه وفكره، حيث يكون ذلك البيت هو النتيجة لكل ما سبق من وصف للحب، فالقصيدة كلها تدرج في الوصف لمدى الحب، فكان يجب أن تتوج بنهاية تليق بالولع والحب الشديد، وتدل على ذهد المتوصف في آن واحد، بمعنى أن ليس لديه أي من الرغبات ولا الأمنيات، سوى الله، في حياته وبعد وفاته.
جمع الحلاج جميع الصفات العلا في قصيدته، حيث وصف المحبوب بأنه الأمان والسند وكل الأماني والنعمة والراحة والأنس وإنه القريب والحبيب والكامل المنزه من كل نقص، فقد نسج الحلاج قصيدة من روائع القصائد الصوفية التي مدح فيها الخالق، ووصفه بكل صدق، فدل على القرب منه بكل بساطة بوصف عابد متلهف منعم بحب الله عز وجل، شاكر نعمه يستشعره في كل موقف وحالة، فلا يفرح إلا بتقربه لله، ولا يخاف إلا من أن يعصيه.