خصائص الشعراء المخضرمين
معنى
الشعراء المخضرمين
إن معنى الخضرمة في اللغة يوضح القدرة على استعمالها كوصف فني له خصائه وسماته، وعن ابن رشيق ناقلًا عن بعض اللُّغويين: “قال أبو الحسنِ الأخفشُ: يُقال: ماء خضرم إذا تناهى في الكثرة والسَّعة، فمنه سُمِّي الرَّجل الذي شهد الجاهليَّة والإسلام مخضرمًا، كأنه استوفَى الأمرين”، قال: “ويُقال: أذن مخضرمة إذا كانت مَقْطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهليَّة إلى الإسلام.
وقال ابنُ قتيبة عن عبدالرحمن عن عمِّه، قال: “أسلم قومٌ في الجاهليَّة على إبِل قَطعوا آذانَها: فسُمِّي كلُّ مَن أدرك الجاهليَّة والإسلام مخضرمًا”.
وعن عليُّ بن الحسين كراع أنه حكى: “شاعر محضرم – بحاء غير معجمة – مأخوذٌ من الحَضْرمة وهي الخَلْط؛ لأنه خلطَ الجاهليَّة بالإسلام” [1].
أي
يطلق على الشاعر الذي عاش في عصرين
(المخضرم ) ومن هؤلاء الشعراء: بشار بن برد، ومروان بن أبي حفصة، وإبراهيم بن هرمة، والحسين بن مطير، وآدم بن عبد العزيز، وغيرهم، ومن الجدير بالذكر أن الشعراء ممن عاشوا بين عصرين تأثروا بالأحوال السائدة فيهما، ولا بد أن تظهر في أشعارهم آثار العصرين، أما عن الناحية النفسية فقد واجه العديد من المخضرمين حالة من التردد والاضطراب فيما بين الانجذاب لعصر مضى والانتماء للعصر الجديد مما آثر على
عوامل ركود الشعر
. [2]
الشعراء المخضرمين
في العصر العباسي
في العصر العباسي كان (بشار بن برد، آدم بن عبد العزيز، الحسين بن مطير، إبراهيم بن هرمة) يُعتبرون من الشعراء ممن قاموا بالمحافظة على القديم ولكن هناك تفاوت فيما بينهم، فكانوا يعكسون في أشعارهم الحضارة التي غلبت على الحياة في العصر العباسي، ومن الجدير بالذكر أن الشعراء في العصر العباسي اختلفت مواقفهم من الحكم وفقًا لقرب كلًا منهم من الخلفاء أو البعد عنهم، وتبعًا لقدرتهم على التعامل مع الظروف الجديدة بعد انتهاء العصر الأموي وخلفائه.
وقد قام الدكتور حسين عطوان بذكر أنهم كانوا ثلاث فئات: [2]
-
الفئة الأولى:
كانت علاقاتها ومودتها وثيقة مع الخلفاء الأمويين، ولم تتمكن من التقرب إلى العباسيين، فقاموا بإبعادها وجفوها وضيقوا عليها، مثل إبراهيم بن هرمة. -
الفئة الثانية:
اتصلت بالخلفاء الأمويين وعتدما ذهب ملكهم وشاهدوا ما قام به العباسيون بالأمويين انزوت وانكبت على نفسها مثل الحسين بن مطير. -
الفئة الثالثة:
وكانت كذلك على اتصال بالخلفاء الأمويين، وعرفت كيف تتخلص من ماضيها, وتمحوه كاملًا، وكيف تتسلل إلى نفوس العباسيين وتتغلغل في أعماقهم، وتصير الناطق بألسنتهم، والمدافع عن حقوقهم في الخلافة، مثل مروان بن أبي حفصة.
خصائص الشعراء المخضرمين في العصر العباسي
في العصر العباسي كان الشعراء المخضرمين لديهم بعض الخصائص في أشعارهم وذلك المنهج تمرد عليه الشعراء المجددون في العصر العباسي، وهي كالتالي: [2]
- يتضح من أشعار إبراهيم بن هرمة أنه قد كان لديه إخلاص كبير للتقاليد الفنية التي ورثها، والتي كانت سائدة في العصر الأموي، فهو يبدأ قصيدته بذكر الأماكن والديار والبكاء على الأطلال والغزل، (وجرة – و الأقارع – والمنقى – وأحد، كلها أماكن)[2]
ومن شعر إبراهيم بن هرمة قائلًا في الغزل والفخر:
عجبت أمامة أن رأتني شاحبًا
ثكلتك أمك أيّ ذاك يروعُ؟
قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى ورِدَاؤُه
خَلقٌ وجَيْبُ قَميصِهِ مَرْقُوعُ
وينال حاجته التي يسمو لها
ويطلُّ وِترَ المرء وهو وضيع
إمَّا تَرينِى شاحِبًا مُتَبَذِّلًا
والسَّيف يخلق غمده فَيضِيعُ
فلَرُبَّ لَذَّة لَيْلَة قد نلتها
وحَرَامُها بحَلالها مَدْفُوعُ
بأوانس حور العيون كأنها
آرام وجرة جادهن ربيع
ومن شعره أيضًا قوله:
أجارتَنا بذي نَفَر أقيمِي
فما أَبكي على الدهر الذميمِ
أقيمي وجهَ عامك ثم سِيري
بلا واهي الجِوار ولا مُليم
فكم بين الأقارع فالمُنقَّى
إلى أُحُدٍ إلى أكناف رِيم
إلى الجماء مِنْ خدٍّ أسيلٍ
نقيّ اللون ليس بذي كُلوم
- وقد كان الرثاء كذلك من خصائص الشعراء المخضرمين في العصر العباسي، ومن أشعار الحسين بن مطير في رثاء معن بن زائدة الشيباني:
ألِمَّا بمعنٍ ثم قولا لقبره
سقتك الغوادي مربعًا ثم مربعًا
فيا قبر معنٍ أنت أول حُفرةٍ
من الأرض خطَّت للسماحة مضجعًا
ويا قبر معنٍ كيف واريت جوده
وقد كان منه البرُّ والبحر مترعًا
- والمدح كان كذلك من خصائصهم، وقال مروان بن أبي حفصة يمدح المهدي:
أَحْيا أَمِيرُ المُؤْمِنين محمدٌ
سُنَنَ النَّبِيِّ حَرامَها وحَلالَها
مَلِكٌ تَفَرَّعَ نَبْعه مِن هاشِمٍ
مَدَّ الإِلهُ على الأَنامِ ظِلالَها
لَمْ تَغْشَها مِمَّا تَخَافُ عَظِيمةٌ
إلا أجال لها الأمور مجالها
حتى يفرجها أغرُّ مباركٌ
ألفى أباه مفرجًا أمثالها
الشعراء المخضرمين
وتاثرهم بالإسلام
إن تمسك الشعراء ببعض تقاليدهم الفنية التي شكلت شاعريتهم في العصر الجاهلي يُعتبر من الأدلة على قدرة الشعراء وخضرمتهم الفنية، وهذا لا يكون دليلاً على تأثير الإسلام في الشعر أم عدم تأثيره، لأن الشعراء المخضرمين قد أصبح عليهم أن يجمعوا جمعًا هادئًا، وأن يوفقوا يصورة دقيقة بين القداسة التي لا يزالون يحملونها بغير إرادتهم للقديم، والولاء لما أقروا بعجزهم عن التنكر له وقد اكتمل عند كبار الشعراء النضج الفني في العصر الجاهلي، ومع هذا النضج تم ترسيخ الصورة الكاملة للأداة في أذهانهم، فقد كانت خصائصهم كالتالي: [1]
- ملكوا ناصيتها.
- بلغوا فيها شأنًا كبيرًا من التطويع للفن.
- استخراج العديد من الطاقة الإيحائية عندما تدخل بمجالات الصياغة الجمالية.
وهكذا تظهر الأداة وقد استطاعت بدورها من السيطرة على كيان الشاعر، بالإضافة إلى أنها قامت بنشر ظلالها على العصر بالكامل، فكان الخروج عليها أو رفضها أمرًا صعب، ولم تكن مُتاحة لكبار شعراء العصر، فكيف يكون الوضع مع الشعراء الأقل منهم.
خصائص الشعراء المخضرمين في العصر الإسلامي
إن الزمن يُعتبر اختبار شديد لقدرات الشعراء على القول، وخصوصًا مع تغيير المعتقدات، في حين أنه لا يُعد كل شاعر قال في العصر الجاهلي والإسلامي مخضرمًا، ولكن يُقال عن من ظلت سمات أشعاره قبل الإسلام وقام بالمحافظة عليها في الإسلام، وإلا فما يكون السبب في كون شعراء الإسلام في صدر الدعوة (حسان وكعب وابنَ رواحة) على الرغم من وجود العديد من الشعراء غيرهم، وهذا يرجع لأن لكل منهم خصائصه في لون مُحدد من أساليب القول، فمثلًا الهجاء في شعر حسان مثل: قول المصطفَى – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيما رواه مسلمٌ عن عائشة – رضي الله عنها – “أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((اهجوا قريشًا؛ فإنه أشدُّ عليها من رَشْق بالنبل))، فأرسل إلى ابنِ رواحة قال: ((اهجُهم))، فهجاهم، فلم يَرْض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسَّان بن ثابت، فلمَّا دخل عليه حسَّانُ قال: قد آنَ أن تُرسلوا إلى هذا الأسد الضارب بِذنَبِه، ثم أدلعَ لسانه فجعل يحرِّكه، فقال: والذي بعثَك بالحقِّ لأَفْرينَّهم بلساني فَرْي الأديم، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تعجل؛ فإنَّ أبا بكرٍ أعلمُ قريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نَسبًا، حتَّى ينجلي لك نسبي))، فأتاه حسَّان، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبَك، والذي بعثك بالحقِّ، لأَسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين”.
كما أنهم تمكنوا من وصف الحرب مثل كعب، وقد كانت إجادةٌ خَشِي منها المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – على نسَبِه، فأرسله إلى سيِّدنا أبي بكرٍ ليلخِّص له نسبه، ويؤكِّد ذلك ما جاء في رواية ابن وهبٍ عن أبي سلمة بن عبدالرحمن: “فكان كعبٌ لا يُحسِن إلاَّ في الحرب، فهَجاهم، فلم يَرْض رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ثم أرسل إلى حسَّان، وكان يكره أن يرسل إليه… الحديث” [1]