فوائد سورة القمر الروحانية
التعريف ب سورة القمر
سورة القمر هي واحدة من سور القرآن الكريم التي قد أجمع جمهور العلماء على أنها من السور المكية، وهي من سور المفصَّل التي أتى نزولها على الرسول صلى الله عليه وسلم تقريباً قبل الهجرة بالعالم الخامس من البعثة عقب نزول سورة الطارق في حين سبقت نزول سورة ص
وتُعتبر في ترتيب النزول هي السورة السابعة والثلاثين، في حين جاء ترتيبها في سور المصحف العثماني السورة الرابعة والخمسين، وآياتها تبلغ من العدد خمسة وخمسين والتي تتواجد في كل من الربعيْن الثالث والرابع من الحزب الثالث والخمسين في الجزء السابع والعشرين بالمصحف الشريف، وتُعرف في كتب التفسير ولدى السلف، بسورة اقتربت، أو سورة اقتربت الساعة، وهي أول كلمةٍ جاءت بالسورة.
فضل سورة القمر
إن لسورة القمر فوائد كثيرة وفضل عظيم وذلك مثلها مثل جميع ما يتضمنه القرآن الكريم من سور، ولعل من أبرز صور فضلها وفائدتها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة القمر في كل من صلاة عيد الفطر وكذلك كان يقرؤها في صلاة عيد الأضحى.
كما كان يقرأها عليه الصلاة والسلام في صلاة الفجر، وفي ذلك روى مسلم عن عبيد الله بن عبدالله أن (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه قد سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: (كان يقرأ فيهما بقاف والقرآن المجيد، واقتربت الساعة وانشق القمر)، وهو ما كان يتم في سبيل أن يوضح صلى الله عليه وسلم للناس ما حدث من إعجاز والذي ورد وصفه في آيات سورة القمر حتى يأخذوا منها العظة والعبرة، وما بها من بيان على مقدرة الله سبحانه وصدق نبوّة الرسول محمد المبعوث من الله للعالمين. [1]
وممّا أتى بفضل سورة القمر أنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في صلاة عيديْ الفِطر والأضحى، ومما جاء في فضل وفوائد سورة القمر أنها كانت تعد هي السبب في توجيه الحبيب المصطفى لمعاذ بن جبل أن لا يُطيل على الناس بالصلاة والقيام بقراءة السور الطويلة مثل سورة القمر حيث ورد في ذلك ما يلي: (أنَّ معاذَ بنَ جبلٍ صلَّى بأصحابِه العشاءَ، فقرَأ : “اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ”، قال: فترَك رجلٌ صلاتَه، قال: فقال له معاذٌ قولًا شديدًا، فذهَب الرجلُ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فقال: إني كنتُ أَسقي نخلًا لي، وخَشيتُ عليه الماءَ، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: يا معاذُ، ما يَكفيكَ أن تَقرَأَ “وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وأشباهَها منَ السوَرِ).
سبب تسمية سورة القمر
إن سورة القمر مثلها مثل غيرها من السور القرآنية التي يتضمنها المصحف الشريف والمنزلة من عند الله التي لم يرد أي حديث نبوي شريف حول تسميتها، ولكنها قد سميت بما وضع لها من أسماء بهدف التمييز بين كل سورة وأخرى، وكانت تلك التسمية تتم عن طريق اجتهاد الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ووفق ما ورد ذكره حول تسمية سورة القمر فهو اسم مميز لم يشبهه اسم آخر ولكن سورة الشمس يرجع السبب في تسميتها إلى السبب نفسه، وهو ما جرت به العادة في اختيار وتحديد أسماء السور، وعلى ذلك فقد سميت سورة القمر بذلك الاسم؛ حيث بدأت آياتها بوصف حادثة انشقاق القمر والتي ترجع دلالتها إلى اقتراب الساعة، وذلك في قول الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ). [2]
سبب نزول سورة القمر
يرجع السبب في نزول سورة القمر ما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من حدوث انشقاق للقمر، حيث قالت قريش عن تلك الحادثة أنها لا تتعدى كونها سحر، وقد طلبت من القوم أن يسألوا رجلًا يدعى ابن أبي كبشة، وحينما سألوه قال: نعم قدر قد رأينا، فأنزل الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)، إذ قضت تلك السورة الكريمة ما أتت يه قريش من ادّعاءات بقولهم حول حادثة انشقاق القمر بكونها سحر. [3]
وقد تضمنت سورة القمر خبرٌ يقيني بأنّ موعد الساعة بالفعل قد بات قريب، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة القمر بالجموع الكبيرة كأيام الأعياد وصلوات الجمعة حتى يُسمع للناس ما في تلك السورة من آيات واعتبارات ودلائل ونبوّئة، خاصةً أنّ أهل مكة توجهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بطلب أن يُريهم آية حول دلالة نبوّته، فكانت تلك الحادثة، والمَعنيّ من تلك الحادثة بهذا الوقت هم أهل مكة، وهم قبيلة قريش وليس المقصود عامة الناس، إذ أنه في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنّ أهل مكةّ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر). [4]
مضامين سورة القمر
تضمنت السورة العديد من العبر والأحكام منها ما يلي: [5]
- التعريف بهدي القرآن.
- إثبات أن البعث حقيقة لا جدال بها وذِكر بعضٍ من أهواله وأحواله.
- تذكير مُشركي قريشٍ بما سبقهم من أمم وأقوام، وما حلّ بهم نتيجة ما اقترفوه من ذنوب وإصرار على الكفر بالله.
- التأكيد حول العلم المطلق لله بكل ما يقوم به الخلق وما يترتب على ذلك العلم من أن الجزاء يكون وفق العمل.
- تخويف مشركي قريشٍ بالهزيمة والخزي في الدنيا فضلاً عما ينتظرهم بالآخرة من أشكال العذاب والعقاب العظيم.
قصة انشقاق القمر
انشقّ القمر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم انشقاقًا حقيقيًّا قد تمت معاينته ومشاهدته بالعين المجردة حينما قام مشركو قريشٍ بالطلب من الحبيب المصطفى أن يأتي لهم بآيةً تثبت لهم صدقه وفي ذلك قال عن أبي معمر: (بينما نحنُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بمنًى فانشقَّ القمرُ فَلقتينِ فلقةٌ من وراءِ الجبلِ وفلقةٌ دونَهُ فقالَ لَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم اشهَدوا يَعني “اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ”،) وأنّ من ادعى عكس ذلك فلا أصل له.
حيث زعم البعض أنّ حدوث واقعة الانشقاق سوف يكون يوم القيامة وهو ما يتنافى مع ما ورد بالاية الكريمة من استعمال الفعل انْشَقَّ بزمن الماضي ولا يصح حمل الفعل الماضي من أجل لدلالة على زمن المستقبل في غير توفر دليل وقرينةٍ يسمحان بهذا الانتقال وهو ما لا يتوفر في تلك الحالة. [5]
إلى جانب ذلك فإن الكثير من الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم مثل جبير بن مطعم، حذيفة بن اليمان، أنس بن مالك، ابن عمر، ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم قد ورد عنهم رواية حديث انشقاق القمر وأسبابه وأحداثه وأي تشكيك بمصداقية تلك الحادثة يتنافى مع التفكير الموضوعي والمنطقي فلا أصل له كما يتعارض من البراهين والأدلة الأحداث.