موقف أهل السنة والجماعة من البدع والمبتدعة


تعريف البدعة


البدعة هي أحد الطرق مستحدثة على الدين، والتي يرغب منها التعبد، ولكنها تكون مخالفة لما جاء في كتاب الله، والسنة النبوية وما ورد في إجماع السلف، وقد وضع لها ذلك التعريف الشيخ ابن تيمية رحمه الله حين قال (البدعة هي ما خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات، كأقوال الخوارج والروافض، والقدرية، والجهمية وكالذين يتعبدون بالرقص، والغناء في المساجد و في

امثله على البدع

من يتعبدون بحلق اللحى، وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة). [1]

إذاً البدعة هي عبارة عن طريقة تم اختراعها بالدين تتشابه مع الشرعية ويكون المقصود منها بالسلوك المبالغ به في التعبد لله جل وعلا، ونشأة البدع يبلغ كبرها وعظمة إثمها ما اقترفه اليهود والخوارج عن الدين، وقد كان ذلك في بداية الأمر على يد الخوارج بقيادة ذي الخويصرة.

وفي ذلك ذكر

محمد بن الصباح

أنبأنا

سفيان بن عيينة

عن

أبي الزبير

عن

جابر بن عبد الله

(كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ وَهوَ في حِجرِ بلالٍ، فقالَ رجلٌ: اعدِل يا محمَّدُ فإنَّكَ لم تعدِلْ، فقالَ: ويلَكَ ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ، فقالَ عمرُ: دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ- صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: إنَّ هذا في أصحابٍ أو أُصَيحابٍ لَه يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم، يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ).


من هم أهل البدع

من غير الجائز أن يتم الحكم على أحد المسلمين بأنه مبتدع، إلا بالحالة التي يكون بها قد اتبع أحد أنواع البدع التي تنطوي على مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله الكريم، وكذلك فقد ذكر الشيخ ابن تيمية رحمة الله عليه (والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخروج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد –  صلى الله عليه وسلم).

والجهمية هم من يقصد بهم (نفاة الصفات) بمعنى أنهم من يدعون أن القرآن مخلوق، وإنه لا تتم رؤية الله سبحانه تعالى في الآخرة، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتم العروج به إلى الخالق سبحانه، وأن الله لا جل وعلا لا قدرة له، ولا علم، ولا حياة، وما إلى نحو ذلك من أمور الضلال والكفر.

كما يدعي ذلك المتفلسفة، والمعتزلة واتباعهم، وفي ذلك قد ذكر عبد الرحمن بن مهدي: أن المبتدعة صنفان، فاحذروهما: الرافضة والجهمية، إذ أن هذان الصنفان شرار أهل البدع، و

أصول القديم من البدع خمسة وهي: الإرجاء، إنكار القدر، التجهم، الخروج، والرفض)، والبدعة، وللبدع العديد من الصور إذ أنها قد تتم بإحداث زيادة ليست بالدين ومن ثم جعلها من الدين، مثلما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، أو أن تكون من خلال حذف ما هو من الدين مثل بدعة من يقوم بإنكار السنة، وقولهم أن حسبهم هو كتاب الله فقط والتي تعد

أمثلة على البدع المنتشرة في المجتمع

.


وفي ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان على أريكته يقول حسبنا كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت هذا القرآن، ومثله معه)، مما يعني أن من ينفون السنة فئة من المبتدعة، كما وقد يقصد بالبدعة تحريف ما ورد في النصوص وآيات القرآن، وأحاديث السنة النبوية من معاني، ومثلها كلك البدعة المؤولة والمعطلة من الجهمية، سواء كانت بتطرف أو بجهل، أو مروق عن الدين مثلما هي بدعة الخوارج. [1]


التعامل مع أهل البدع

تم الوصول إلى أن موقف السلف العام والأصلي هو هجر المبتدعة وتجنب مناظرتهم ومجالستهم، حيث إن المسائل التي تبعث على هجرهم تتأتى من دوام المصالح التي يغلب وجودها، من أبرزها الخشية من انتشار مثل تلك البدع في المجتمعات بين المسلمين، ولكن في حالة تخلفت تلك المصالح أو أن تكون المصلحة بشيء آخر، فإن الحكم يدور مع منفعته، بين النصح والهدف والأقرب فيهما لتحقيق المصلحة. [2]

وقد ذكر ابنُ تيميَّةَ ما قاله ابنُ عبدِ البَرِّ في فوائِدِ حديثِ كَعبِ بنِ مالكٍ في الذين خُلِّفوا: (وهذا أصلٌ عند العُلَماءِ في مجانبةِ من ابتَدَع، وهِجرتِه، وقَطعِ الكلامِ عنه)، وكذلك ما ورد عن البَغَويُّ: (وفيه -أي حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ- دليلٌ على أنَّ هِجرانَ أهلِ البِدَعِ على التأبيدِ)، وقد وافق كل من الصَّحابة والتابعون ومن اتبعهم، إلى جانب عُلَماءُ السُّنَّةِ على ذلك الأمر متفقين على مُهاجرة أهلِ البِدَعِ ومعاداتهم إن لم تأتي النصيحة فوائدها ونتائجها المرجوة.


منهج أهل السنة والجماعة تجاه البدع والمبتدعة

فإن

منهج أهل السنة والجماعة في محاربة البدع

والأهواء هو هجرهم ومعاداتهم، والامتناع عن التعاون معهم بما يمارسونه من البدع أو يدعون إليه، حيث إن التعاون معهم منهي عنه، ويستدل على ذلك قول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)؛ [المائدة:2].

ولا يوجد ريبة أو شك أن الدعوة للبدع من أكبر العدوان والإثم الذي نهى الله سبحانه عنه، حيث إنه يعد اتباع لشرعٍ لم يأذن الله به أو يأمر به، كما أن التعامل مع أهل البدع به الخطر وتهديد لدين المسلم، فكيف يكون الأمر إذا بلغت المسألة حد التعاون معهم، حيث تعد الفتن أخَّاذة تقوم بجذب من يتعرض إليها وتهلك متبعيها.

لكن التعاون مع الداعين للحق المتمسكين بكتاب الله وسنة نبيه هو أمر محمود، مع أهمية الحذر من التعصب، والانغلاق على ما يتمسكون به من مفاهيم، إذ أن الغالب على تلك الجماعات أنها تقوم بخدمة الإسلام من جوانب، في حين تهمل جوانب أخرى، فمن حصر نفسه بالعمل مع جماعة وحدها سوف يفوته من العلم والخير الكثير.

وقد ورد عن ابن القيم بمدارج السالكين شرحاً لقول الهروي حول علامات اتباع الرسل: (أنهم لم ينسبوا إلى اسم، أي لم يشتهروا باسم يُعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق، وأيضاً فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد، يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن تلك آفة بالعبودية، وهي عبودية مقيدة). [3]