أثر التأليف في العلوم الشرعية في الحضارة الإسلامية
تعريف الحضارة الاسلامية
الحضارة الإسلامية هي حضارة قد بنيت على الفكر الإسلامي، ويطلق عليها الحضارة الربانية وذلك لأنها تعود إلى العلم الذي جاء به الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، وايضا يطلق عليها حضارة انسانية لانها تشتمل على جميع جوانب الحياة، وقد نشأت من تفاعل مجموعة من الثقافات الخاصة ببعض الشعوب الأخرى بعد دخولهم في دين الإسلام، وكذلك هي نتاج عن الحضارات التي وصل إليها الإسلام أثناء الفتوحات الإسلامية.
الحضارة عبارة عن مجموعة من المظاهر العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية الموجودة داخل المجتمع، والحضارة عكس حياة البداوة التي يعيش فيها حياة قبلية،وفيها يتنقلون من مكان إلى أخر، وقد ظهرت العديد من الحضارات عبر التاريخ من أهمها: الحضارة المصرية القديمة، الحضارة الكنعانية، حضارة بلاد الرافدين، الحضارة اليونانية،الحضارة الفارسية، والحضارة الرومانية، والحضارة الصينية، وحضارة وادي السند، والعديد من الحضارات التي ظهرت قبل ظهور الحضارة الإسلامية.
وقد تأثرت الحضارة الإسلامية بالفكر العلمي اليوناني والفارسي والهندي، الا انها لم تتأثر او تتهافت علي ملذات الحياة،او تدعو إلى الشك في الدين، وكذلك الاضطراب في العقيدة، ولا الاستخفاف بشعائر الدين ونظامه، لذلك نجحت هذه الحضارة وأثرت على باقي الحضارات، وقد تركت الحضارة الإسلامية علومها وثقافتها أثرا كبيرا في وكذلك ظهر
اثر علماء المسلمين على الحضارة الغربية
متجليا في شتى المجالات.
تأثير التأليف في العلوم الشرعية في الحضارة الإسلامية
الحضارة كانت إسلامية في روحها وأهدافها ومضمونها ، وأ ما كان لها أن تقوم لو لم تكن كذلك، ولكن العنصر الرئيسي الذي كان له أثر وتأثير كبير هو العلم الشرعي، لولاه لكان تعذر قيام الحضارة الاسلامية،ولو كانت قامت فرضا فإنها كانت سوف توصف بأنها ليست إسلامية، فعلي سبيل المثال نتخيل ان حضارة ما قد قامت على علوم الطب والرياضيات والفلك والفيزياء وغيرها، وذلك بعيداً عن قيم الإسلام ومبادئه وأحكامه والتي يمثلها العلم الشرعي، فهل يمكن أن تعد هذه الحضارة القائمة على تلك العلوم الحياتية بأنها حضارة إسلامية، فالإجابة واضحة.
فالعلم الشرعي عبارة عن روح الحضارة الإسلامية وأجل خصائصها بل مقوماتها، ولقد حظي العلم الشرعي باهتمام علماء المسلمين، لا يقارن باهتمام أي علم آخر مثل العلوم التجريبية او الفلسفية وغيرها من العلوم ، ولذلك نلاحظ أن العلوم الشرعية قد نضجت من حيث تنظيمها وترتيبها، وتشعبها، وتقعيدها.
وكذلك علماء الشريعة الاسلامية قد فاقوا غيرهم في العدد والنتاج وكذلك نري
دور العلماء المسلمين في تطور العلوم
و التأثير في شتى المجالات، فحين الاطلاع على كتب التراجم والسير،سوف نجد أن الغالبية العظمى منهم من حملة العلم الشرعي مثل:
- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ت463هـ).
- أو سير أعلام النبلاء للذهبي (ت748 هـ).
- أو تاريخ دمشق لابن عساكر (ت571 هـ).
- أو الوافي بالوفيات للصفدي (ت 764هـ).
فسوف نجد أن أغلب المترجمين من علماء الشريعة الاسلامية، بعيداً عن كتب التراجم المتخصصة، والتي تختص بفئات معينة، والمعروفة بطبقات معينة مثل طبقات الفقهاء، أو الأصوليين، أو المحدثين، أو الرواة، أو المفسرين أو القراء، فهي لا تكاد تخرج عنهم، و على رغم كثرتها وكبر حجمها، ولو تم مقارنتها بمثل طبقات الفلاسفة أو الأطباء أو الأدباء وغيرهم لم تبلغ قيمتها .
ومن حيث الإنتاج فمن يلقي بنظرة حتى لو سريعة على المكتبة الاسلامية، فسوف يلاحظ أنها مليئة بالمؤلفات لعلماء الشريعة، وتفوق في حجمها جميع المؤلفات والمصنفات الموجودة في العلوم الأخرى.، ومن حيث التأثير فإن الباحث في الحضارة الاسلامية سوف يلاحظ آثار علماء الشريعة بارزة في جميع ميادين الحياة العلمية والعقدية والفكرية، والاجتماعية.
وأثر العلماء في بناء الحضارة يتلخص في أمرين؛ الأمر الأول بناء المجتمع المسلم عن طريق تربية الأفراد تربية متكاملة وذلك بتربية النفوس والقلوب والعقول والابدان والعمل على ربط المجتمع ببعضه ، والثاني رعاية البناء والعمل على تحصينه، ويتمثل ذلك في القيام بتطهير المجتمع من المحرمات، ومحاربة الطفيليات الشاذة التي تسعى إلى الخراب،وتدمير العباد فكريًا أو أمنيًا أو ماديًا، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في تحكيم التنزيل.
وأخيراً فأن بقاء الحضارة الإسلامية واستمرارها للآن بسبب توفيق الله،وبعد ذلك بالعلم الشرعي، وعلمائه، و الحضارة الإسلامية كانت دائما شامخة الرأس في القرون الأولي وذلك حين كان العلم الشرعي قلب وروح الحضارة،وكان أهله هم أهل الحل، وقد ضعفت الحضارة بعد ذلك في القرون المتأخرة، وذلك بسبب غربة العلم الشرعي، وتهميش أهله،أو انحرافها عن الطريق الصحيح، وفي وقتنا الحالي الذي تلاشى فيه حضارة المسلمين،وكذلك حدوث غياب حقيقي للعلم الشرعي وأهله في معظم البلاد المسلمة، لم ينجو الا القليل منها. [3]
الأسباب التي لا ينبغي للمؤلف الخروج عنها في العلوم الشرعية
يوجد للتأليف في العلم الشرعي بعض الأسباب التي لا يجب للمؤلف الباحث الخروج عنها، وذلك لأن الخروج عنها يعد عبث وتكرار عقيم، وجميع مؤلفات العلماء لا تخرج عنها بأي حال من الاحوال، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في هذه المؤلفات حفظاً لدينه الذي هو صالح لكل مكان وزمان، حتي يرث الله الأرض ومن عليها،وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
من أسباب التأليف في العلم الشرعي:
- القيام بجمع جميع النصوص العملية المتفرقة داخل مؤلف واحد، ولذلك السبب قد جاءت مؤلفات أكثر المتقدِّمين، خصوصاً رواةَ الحديث كمسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني.
- القيام بإخراج مباحث خاصة من المطولات المستفيضة.
- القيام بالتحقيق في مسألة قد اختلف عليها، وقد غلب هذا السبب علي مؤلفات الكثير من المجددين ،كشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.
- العمل على تيسير وتسهيل المعقد، ويتم ادخال عصرة الجملة المستخدمة في المؤلف،بحيث تكون مفهومة للقارئ العصري وكذلك العمل علي اختصار المطولات وذلك من غير إخلال بالمضمون، ولهذا السبب أغلب مؤلَّفات المعاصرين تستشهد بقول الله سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا وبَشِّروا ولا تُنفِّروا))، وقال أيضًا: ((يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام مَن يُجدِّد لها أمر دينها)).[2]
أهم ركائز الحضارة الإسلامية
- عقيدة التوحيد: لقد أرسى الإسلام تعريف التوحيد، يقوم على أساس أن الله هو رب كل شئ، وخالق كل شيء، ويعبده المسلمون وحده لايشركون معه أحداً من مخلوقاته، وعقيدة التوحيد هي أعظم ما منحه الإسلام للانسانية، وذلك لأنها عقيدة متدفقة بالقوة والحياة.
- العدل: وله أهمية كبيرة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المجتمع، وكذلك له دور في الحث على الطاعات، وتحقيق المحبة والمودة بين الناس،فالعدل من أهم القواعد داخل المجتمع،وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة النحل (إن الله يأمر بالعدل)،وكذلك في سورة النساء ( إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا) رواه مسلم، فالعدل من أهم ركائز الحضارة الإسلامية،قد تم تطبيقه على الغني والفقير، علي الحاكم والمحكوم،حتى مع غير المسلمين.
- العلم: من أعظم الخصائص في الدين الإسلامي،أنه نشأ بينه وبين العلم رباطاً مقدسا دائما، حيث أن أول آية نزلت على رسول الله (اقرأ باسم ربك الذي خلق )، وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم فقد قال (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وكذلك قال الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً،سهل الله له طريقاً إلى الجنة) وغير ذلك كان له أثر كبير على وفعال على بناء الحضارة الإسلامية .