خصائص الوصف في الشعر الجاهلي 

تعريف الوصف في العصر الجاهلي

بداية فإن الوصف عبارة عن تصوير الظواهر الطبيعية بصور واضحة الملامح ، والتقاسيم ، وإضفاء الالوان على الآثار الإنسانية من أجل إبراز الجمال ، كما أنه يعمل على تحليل المشاعر الإنسانية تحليلا عميقا ، فضلا عن استخدام العناصر التي تحتاج الذوق الفني ، وإحساس مرهف ، وذوق سليم.

والوصف يعتبر عمود الشعر ، حيث أن أي غرض من أغراض الشعر يكون عبارة وصف ، فتدخل فنون الشعر كافة تحت عنوان الوصف ، فمثلا :


  • المدح

    ؛ هو وصف محاسن الشخص ، ونبله.
  • الهجاء ؛ وهو وصف سوءات المهجو ، وإبراز عيوبه ونقائضه.
  • النسيب ؛  وهو وصف النساء ، والحنين إليهن ، والتوقف إلى رؤيتهن ، ولقائهن.
  • الرثاء ؛ وهو وصف محاسن المتوفي ، وتصويره اثاره.

ولقد كان الوصف من

سمات العصر الجاهلي

البارزة في الشعر ، حيث أنه كان أقوى فنون الشعر ، فامتازوا في وصف الطبيعة ، إما الساكنة ، او المتحركة.

وكان الشعراء الجاهلين يبدأون قصائدهم بالوصف ، وإن كان أمر تافه لا يذكر ، وكان الدافع لهم هو شغفهم بالشعر ، فمثلا يقول طرفة ابن العبد في رمي السن المخلوع تجاه الشمس من أجل استبداله :

بدلته الشمس من منبتها * بردا ابيض مصقول الاشر

فهذا المثال ، وغيره الكثير ليس من وصف الطبيعة ، وانما من وصف العادات ، فالوصف في الشعر في العصر الجاهلي لم يقف عند حد ، فلقد وصفوا الطبيعة الداخلية ، والنفس المتغيرة ، إذ يقول علقمة الفحل :

فإن تسألوني بالنساء فإنني * بصير بأحوال النساء طبيب

اذا شاب راس المرء أو قل * ماله فليس له في ودهن نصيب

يردن ثراء المرء حيث علمنه *  وشرح الشباب عندهن عجيب

ومن هنا يمكننا القول ، أن الوصف في العصر الجاهلي كان من أجل الوصف ، مثل أن الفن من أجل الفن ، فلقد ادخلوا الوصف في كل قصائدهم ، ولكن ليست بطريقة بعيدة عن معنى القصيدة.

أسباب انتشار الوصف في الشعر الجاهلي

لقد طغى الوصف على الشعر الجاهلي بطريقة كبيرة ، حيث أنه تم ذكره في جميع القصائد الجاهلية ، وقد رجع هذا لعدة أسباب ، وهي كما يلي :

  • الحياة الصحراوية بامثلة الطبيعة المتحركة ، المتمثلة في حيوانات الصحراء ، وكان أشدها وصفا هو الفرس ، والناقة ، كما وصفوا أيضا حيوانات الصحراء البرية الأخرى.
  • اهتمام شعراء الجاهلية بكل ما يحيط بهم من مظاهر الطبيعة الساكنة ، من السماء إلى الأرض ، حيث جمال السماء ، والليل ، والنهار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، السحاب ، والبرق ، والرعد ، والأشجار ، والنباتات.
  • كما أن طبيعة الانتقال في العصر الجاهلي كانت سببا في انتشار الوصف في الشعر ، حيث قام الشعراء بوصف الاطلال ، وأماكن الصحراء ، وما تحويه من عيون مياه جارية ، ونخيل ، ورمال.
  • كما أن طبيعة حياة العصر الجاهلي ، وانتشار الخمر ، كان سببا في انتشار وصف الخمر في قصائد الشعر الجاهلي ، لما كان له من صيت .

خصائص الوصف في الشعر الجاهلي

بالإضافة إلى

الخصائص اللفظية للشعر الجاهلي

، فقد اتسم بخصائص في الوصف كونه قاعدة أساسية في شعرهم ، وخصائص الوصف في الشعر الجاهلي تأتي كما يلي :

وصف الطبيعة المتحركة

لقد كان الوصف في الشعر الجاهلي يأخذ حيزا كبيرا من أعمال الشعراء ، فقاموا بوصف الطبيعة المتحركة ، وهي المتمثلة في كل شيء ينبض بالحياة ، ويتحرك.


  • وصف الحيوانات

لقد كانت الناقة ، والفرس كانا خير مثال للوصف في الشعر الجاهلي بطبيعة حال الحياة البدوية ، ومن اقول شعراء الجاهلية في هذا الشأن ، وصف طرفة بن العبد أناقته ، حيث يقول :

لخولة اطلال ببرقة ثهمد * ملوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وإني لأمضي الهم عند احتضاره * بعوجاء مرقال تروح وتعتدي

كما قام امرؤ القيس بوصف الفرس في قصيدته ، حيث يقول :

وقد اغتدي والطير في وكناتها * بمنجرد قيد الاوابد هيكل

مكر مفر ، مقبل مدبر معا * كجلمود صخر حطه السيل من عل


  • وصف الاوابد

فلقد قام شعراء الجاهلية بوصف جمال الاوابد ، وروعتها ، وفائدتها لهم ، كما أن منهم من قام بوصف طريقه إليها ، فوصف الصحراء ، وما يحل بها من عيون جارية ، او نبت ناجم ، او سراب خادع ، وفي وصف الاوابد ، يقول لبيد بن ربيعة في وصف بقرة وحشية :

افتلك ام وحشية مسبوعة * خذلت وهادئة الصوار قوامها

حسناء صنعت الفر بر فلم ترم * عرض الشقائق طوفها وبغامها

الطبيعة الساكنة

وهي حيث تنتظم كل الاشياء التي خلقها الله من السماء إلى الأرض ، فتشمل النجوم ، والكواكب ، والشمس ، والقمر ، والرعد ، والبرق ، والسحلب ، والأرض ، والبحر ، والنهر ، والرياض ، وان كانت الحياة في شبه الجزيرة العربية لا توفر البحار ، والأنهار ، حيث كان وصف هذين القسمين ضئيلا ، وإن كان معدوما.


  • وصف الاطلال

ومن وصف الطبيعة الساكنة ، الاطلال ، حيث أخذ مساحة كبيرة من الشعر الجاهلي ، فلقد حبب الشعراء الجاهليين الاطلال إلى المستمع ، بآثارها حتى وإن كانت تبرز القحط ، والاقفار ، ويحب أن نعترف بعبقريتهم في هذا الشأن ، ومن قول امرؤ القيس عن الاطلال :

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقراة لم يعرف رسمها * لمّ مسحتها من جنوب وشمال


  • وصف الليل

ويعد من الطبيعة الساكنة ، وقد جاء في الكثير من الشعر الجاهلي لما فيه من يكون ، وجمال ، فيقول مهلهل بن ربيعة في وصف الليل :

أليلتنا بذي حسم انيري * اذا أنتِ انقضيتِ فلا تحوري

فإن يكُ بالنائب طال ليلي * فقد ابكي من الليل القصير


  • وصف السحاب والبرق والغيث

فمن اجمل المعاني التي يؤديها الوصف ، هي معاني وصف المكر ، والسحاب ، والبرق ، لما فيهم من مظاهر جمالية ، وفي هذا الأمر يقول امرؤ القيس :

ديمة هطلاء فيها وطف * طبق الأرض تحرى وتدر

تخرج الود اذا ما اشجذت * وتواريخ اذا ما تشتكي

وكذلك يقول الاعشى في وصف السحاب :

بل هل ترى عارضا قد بت ارمقه * كأنما البرق في حلقاته شمل

له رداف وجوز مفأم عمل * منطق بسجال الماء متصل


  • وصف الصحراء والبرد والحر

وهي الحياة الطبيعية في شبه الجزيرة العربية ، حيث تحف الصحراء حياة شعراء الجاهلية بما فيها من حيوانات، وبرد ليلا ، وحر نهارا ،وفي وصف الصحراء يقول سويد بن أبي كاهل :

وملاة واضح أقاربها * بآليات مثل مرفت القزع

يسبح الال على أعلامها * وعلى البريد اذا اليوم متع

وصف الآثار الإنسانية

وهي الأشياء التي صنعها الإنسان ، مثل السفن ، والتي يصفها طرفة بن العبد قائلا :

كأن حدوج المالكية غدوة * خلايا سفين بالنواصف من دد

ومن الآثار الإنسانية التي وصفها الشعر الجاهلي ، كانت الخمر ، وسقاتها ، حيث أن

القيم الاخلاقية في الشعر الجاهلي

نسبة إلى العصر الجاهلي ، تدعي أن يشرب الثري ، ذو السلطة ، الخمر ، فكانت تدل على المروءة ، والنبل ، وقد وصف الاعشى ، الخمر قائلا :

وأبيض مختلط بالكرام * لا يتغطى لإنقاذها

أتاني يؤامرني في الشمول * ليلا ، فقلت له غادها