أثر التعامل الحسن مع الزوجة على البيت والاولاد

متطلبات الاستقرار الأسري

يمثل الزواج ، والحياة الأسرية بصفة عامة أحد أهم الصفات الفريدة ، التي يسعى إليها الإنسان في حياته الاجتماعية ، فهي حالة من التجانس والاتحاد الذي يتفاعل به طرفين يتعايشان سوياً ، لتكوين نسيج أسري قائم على التواصل الدائم ، حيث أن هذا التفاعل قد يأخذ أحد مسارين ؛ إما التكيف والاستقرار ، وإما الصراع والدمار.

والأساس في هذا النسيج هما الزوجين على نحو متبادل ، لكن الزوج يقع عليه مسؤولية تحقيق الترابط الاجتماعي ، فدفة القيادة في يده ؛ مادياً من خلال الانفاق ، ومعنوياً من خلال التعامل اللين مع الزوجة.

وفي هذا السياق يعرض هذا المقال آثار التعامل الإيجابي للزوجة من قبل الزوج على مستويات متعددة ؛ اجتماعية ، ونفسية ، وصحية ، وايضا سلوكية ، فضلاً عن تأثير ذلك على نسيج الأسرة بصفة عامة.

معاملة الزوج للزوجة في الاسلام

تعتبر الاسرة بمثابة اللبنة الأساسية التي تكون أي مجتمع ، واستقرار الأسرة هو أحد الأهداف التي سعى إليها الإسلام لتحقيقها ، من أجل بناء مجتمع إسلامي متماسك ، قائم على الترابط ، والمودة.

والزوج ، أو الأب ، هو العمود الثاني الذي يقوم عليه النسيج الأسري ، كما أن صلاح المعاملة القائمة على الود بين الزوجين ، هي أحد مقومات البناء الأسري وفقاً للقانون الأسري الإسلامي ، وكلا منهما له ما له ، وعليه ما عليه.

وعلى الرغم من تلك المكانة العظيمة التي أعطاها الإسلام للزوج ، إلا أنه في الوقت ذاته مكلف بالعديد من الالتزامات تجاه زوجته ، والذي يتمم بها شروط العقد التام ، والكامل بينه ، وبين زوجته.

وجدير بالذكر أن “القوامة” التي أوضحها الله في كتابه الكريم في كلمة “قوامون” ، قد اتخذت العديد من التفسيرات من قبل غالبية الأزواج ، حيث أيقن البعض أن القوامة ترتبط بالسيطرة ، وفرض الرأي على الزوجة ، إلا أن هذا التفسير المغلوط قد أوضحه الشرع جملة ، وتفصيلاً في الكتاب والسنة ، والتي تدور حول القوامة بمعنى الرعاية وفق ما أقرته

أحاديث عن حسن التعامل مع الزوجة

.

كما أن الأحاديث النبوية قد أوصت الزوج برعاية الزوجة رعاية كاملة ، وحمايتها ، وصيانة حقوقها ، وتهيئة أسباب السعادة لها ، وبالتبعية تنعكس على الأبناء بشكل ملحوظ.

كما قدم الدين الإسلامي وصاياه بالتعامل مع الزوجة ذات الطبيعة الرقيقة التي شبهها اللنبي صلى الله عليه وسلم ، بأنها كالقارورة التي تحتاج إلى درجات فائقة من العناية والاهتمام.

ومما تجدر الإشارة إليه ، أن موضوع التماسك الأسري كان الشغل الشاغل للعلماء في كافة المجالات ، لما له من آثار تتراوح بين الإيجابية ، وبين الخطيرة ، وبين الأكثر خطورة ، والتي قد تمتد حتى مع تعاقب الأجيال.

ويكون السر في استقرار الأسرة هو اعتناء الزوج بالزوجة سواء بشكل مادي أو معنوي ، ويكون من تأثير ذلك على الزوجة ، هو تكوين شخصية مستقرة معنوياً ، قادرة على تحمل أعباء الحياة الملقاة عليها.[1]

أثر معاملة الزوج للزوجة سيكولوجيا

يحلل متخصصو علم النفس شخصية المرأة ، او الزوجة ، ويصفونها بأنها كائن يهيمن عليه عواطفه أكثر من تغليب منطقها ، وعقلها ، كما أنها تتسم بقدر كبير من الحساسية المفرطة ، وهي طبيعة تختلف تماماً عن طبيعة الرجل.

ومن ثم ، فإن معاملة الزوج لزوجته بلطف ، ورفق لما له من انعكاسات إيجابية على نفسيتها ، وصحتها المعنوية ، الأمر الذي يؤدي إلى تفادي العديد من الآثار السلبية المحتلمة ، والتي من شأنها أن تقوض بناء الأسرة.

فلكما كانت الزوجة في حالة استقرار معنوي ، وتقدير مستمر من قبل الزوج ، كلما انعكس ذلك على تربية الأبناء ، وبناء شخصيات متماسكة قادرة على مواجهة تحديات ، وأزمات المستقبل بعد بلوغهم.

وربما يكون لدى بعض الازواج شخصية حسنة قادرة على احتواء الزوجة ، وتحقيق طلباتها اليومية ، لكنهم يفتقدون إلى الوقت الذي يجعلهم أكثر اتصالاً ، وتواصلاً مع زوجاتهم ، وهي مشكلة أخرى ربما تنعكس بالسلب على الأسرة ، والأبناء.

فالتواصل الاجتماعي مطلب هام ، يحتم على الزوج تخصيص وقت كاف لتحقيقه من أجل ضمان بناء علاقات أسرية سليمة ، ودائمة في عالم سريع التغير وشديد التعقيد.

ومن الآثار الإيجابية التي يحققها حسن التعامل من الزوج للزوجة ، هو تفادي انتقال ظاهرة الطلاق بين الأجيال ، حيث انتشرت مؤخراً في مجتمعنا العربي على وجه التحديد ظاهرة الطلاق ، وهي نوعين ؛ النوع الأول ، وهو الطلاق الرسمي ، والنوع الآخر ، الطلاق غير الرسمي.

فالأول ينهي العلاقة الأسرية للأبد بين الزوجين ، ويشتت الأبناء معنوياً ، ويجعلهم في حالة مستمرة من الضغط النفسي بسبب الانفصال بين الأبوين ، بينما ما النوع الثاني ، فهو طلاق ضمني ، دون ورق رسمي ، وربما يكون خطره أكثر من النوع الأول ، حيث يكون كلا الزوجين في حالة انفصال دائم ، ومشاكل مستمرة تحت سقف البيت الذي يجمعهم.

فعندما يتفهم الزوج طبيعة زوجته التي يمكن كسبها بسهولة ، نظراً لطبيعتها العاطفية التي يمكن رفعها معنويا بكلمة طيبة ، تصبح فرص الانقطاع الاجتماعي أقل ، ومن ثم يكتسب الأبناء ثقة أكبر في أنفسهم وفي أبويهم ، وتظل هذه الفكرة الايجابية لصيقة بأذهانهم ووجدانهم ، تدفعهم في المستقبل إلى استكمال نفس النهج الذي أرساه الأب في حسن المعاملة التي وصلت بالأسرة إلى بر الأمان والاستقرار.[2]

أثر معاملة الزوج للزوجة اجتماعيا وطبيا

يقدم متخصصو هذا المنظور تحليلاتهم ، وتقديراتهم حول التأثير الإيجابي لمعاملة الزوج لزوجته وفق تحليل مفهوم “الرضاء الزوجي” ، والذي عرفه المتخصصون على أنه ، عملية تقييم لحالة الزواج لدى الطرفين.

حيث يصور المنظور الاجتماعي المعرفي ، الرضا الزوجي كموقف تجاه الشريك لقياس الحالة النفسية التي ترصد تأثيرها وفوائدها ، فكلما زاد مستوى الرضاء الزوجي لدى “الزوج” عن زوجته ، زادت درجة الدعم الاجتماعي لها ، وعليه تتحقق عدد من الانعكاسات الإيجابية بالضرورة على الأسرة ككل.

واللافت للنظر وفق تقديرات المتخصصين في هذا السياق ، أن الدعم الاجتماعي للزوج له انعكاساته الصحية أيضاً ، حيث أن الدعم الاجتماعي ، هو أحد التركيبات النفسية الاجتماعية التي لها تاثيرها الواضح على صحة المرأة ، وخاصة بعد بلوغها سن اليأس.

كما أن التراكمات النفسية بسبب تفاقم حدة الخلافات مع الزوج ، التي تلازمت معها ضغوط الحياة ومسؤولياتها الكثيرة ، قد تؤدي بها إلى نتائج صحية خطيرة ، حيث قد ربطها الباحثون الاجتماعيون ، وكذلك في مجال الطب ، والصحة بدورها على صحة القلب ، والأوعية الدموية.

وفي دراسات حديثة نشرت مؤخراً حول قياس العلاقة بين الدعم الاجتماعي للزوج ، أو الزوجة لكل منهما الآخر ، وُجد عدد من المسارات النفسية المحتملة التي ترتبط بتقديم الدعم الاجتماعي التمثل في ؛ الثناء ، والتشجيع ، والتواصل ، والاهتمام ، والتقدير ، من قبل الزوج تؤدي إلى تحفيز السلوكيات الصحية لدى الزوجة والعكس.

فالدعم الاجتماعي مرتبط بشكل كبير ، ومباشر بمتغير الصحة ، وخاصة عندما يصل الزوجين لسن متقدمة ، فعندما يقوم روتين الحياة الزوجية في سن الشباب بين الزوجين ، ويقدم الزوج كامل دعمه الاجتماعي للزوجة ، ينعكس ذلك بالضرورة ليس فقط على صحتها الجسدية والنفسية ، وإنما أيضاً يصبح بروتوكولاً للحياة بينهما يسيران عليه عند بلوغهم السن المتقدمة.[3]