معنى قوله تعالى ومن لم يتب فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
تفسير ” ومن لم يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون َ”
يقال في تفسير هذه الآية الكريمة ، أن من ينبز أخاه ويعيره بالألقاب المسيئة أو يسخر منه بسبب فقره أو أصله أو شكله ، من يفعل ذلك ولم يتب إلى الله ، فيكونوا ممن ظلموا أنفسهم ويستحقون عقاب الله لهم [1] .
كما جاء على لسان ابن زيد انه قال حدثني يونس عن وهب أن قول الله تعالى ” ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ” أن من لم يتوب إلى الله عن ذلك الفعل فهم الظالمون أنفسهم .
وفي تفسير باقي الآية : يقول الله تعالى ” يا أيها الذي آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ” .
نادي الله جل وعلا الذين آمنوا وصدقوا الله والرسول بألا يسخروا من قوم آخرين فلعل من يتم السخرية منهم يكونوا خيرا ممن يستهزئون ، وفي قوله ” ولا نساء من نساء ” يقد بها نفس الفعل فلا تسخر نساء مؤمنات من نساء أخريات فربما يكن أفضل منهن .
وقد اختلف علما التفسير في المعنى الحرفية لكلمة ” سخرية ” التي نهي عنها الله سبحانه وتعالى في تلك الآية ، فذهب البعض أنه السخرية هنا يقصد بها سخرية الغني من الفقير .
ففي قول محمد بن عمرو قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قد جاء في تفسير قوله ” لا يسخر قوم من قوم ” ، انه لا يجب أن يهزئ قوم أغنياء بالفقراء، وان قام غني بالتفضل على فقير فيحذر أن يستهزئ به .
وقال آخرون في معني السخرية: أن الله ينهي على من قام بستره أن يسخر ممن كسف ستره في الدنيا .
واستند صاحب هذا الرأي على قول يونس حيث قال أخبرنا ابن وهب أن ابن ويد قال في تفسير قوله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا يسهر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ” .
حيث قال المرء الذي يخطئ ويقوم احد بالسخرية من معصيته وخطيئته يكون افضل عن الله ممن سترت عله معصيته لذا فنهى الله عز وجل من السخرية ممن كشف ستره فلعله عند الله خيراً من غيره ، وقد عم الله في النهي على المؤمنين جميعا فلا يصح لمؤمن أن يسهر من مؤمن آخر .
وفي تفسير قوله تعالى ” ولا تلمزوا أنفسكم ” يري المفسرون أن الله يحذر المؤمنين من اللمز ويخبرنا أن اللامز أخاه لامز نفسه، فالمؤمنين كرجل الواحد .
ويستند صاحب هذا التفسير قوله حدثني محمد بن عمرو عن أبت أبي نجيح عن مجاهد أن قوله تعالى ” ولا تلمزوا أنفسكم ” أي لا تطعنوا .
وقال حدثنا بشر عن قتادة قال ” ولا تلمزوا أنفسكم ” أي لا يطعن أحدكم على الأخر ، وقوله تعالي ” ولا تنابزوا بالألقاب ” تفسر بألا يتداعى أحدكم بالألقاب التي الكريهة .
وقيل أن تلك الآية نزلت لمن أسلموا وكان لهم أسماء في الجاهلية ، فقد نهي الله سبحانه وتعالي مناداتهم بأسمائهم في الجاهلية إن كانوا يكرهونها .
واستند صاحب القول على حديث محمد ابن سعد حيث قال عن أبيه ، عن ابن عباس قال : وقول الله تعالى ” ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ” .
ويقال أن التنابز بالألقاب يكون عندما يأتي أحدهم سيئة ثم يتوب ، ينعى الله وقتها أن يذكره ويعيره أحد بماضية وما سلف من عمله .
وفي حديث أخر لابن عند الأعلى عن الحسن قال: عندما يسلم يهودي ونصراني فينهي أن يقال لع بعد ذلك يا يهودي أو يا نصراني .
والأقرب للصواب في تفسير هذه الآية عند الجمهور هو أن الله نهي المؤمنين عن مناداة أحدهم بما يكره سواء كان صفه أو اسم ، فقد جاءت الآية عامه ولم يخصص لقب بعينه أو صفة معينة .
وقوله سبحانه وتعالي : ” بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ” ، فتفسر هذه الآية على انه من يتنابز بالألقاب ويسخر من أخاه المؤمن فهو فاسق .
يقول ابن زيد عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب أن زيد قال : قول الله تعالى ” بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ” أي بئس من يدعي بالفسق بعد إيمانه بسبب ما يفعله من تنابز وسخريه .
سبب نزول يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ
اختلف العلماء والشيوخ في سبب نزول هذه الآية، فتري في تفسير البغوي : أن الآية الكريمة ” ، يا أيها الذين آمنوا لا يسهر قوم … ” نزلت في ثابت بت قيس بن شماس [2] .
حيث يقال بأنه كان في أذنه وقر أي أنه كان قليل السمع ، فكان حين يأتي مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سبقه بعض الصحابة فيعملون على إفساح المجلس حتي يتمكن من الجلوس بجوار النبي حتي يتمكن من سماع النبي .
وفي يوم جاء إلى مسجد رسول الله وقد فاتته الركعة الأولى من صلاة الفجر ، وعند الانتهاء من الصلاة، جلس الصحابة حول النبي وأخذ كلا منهم مجلسه .
وعندما انتهي ثابت بن قيس من الصلاة ذهب إلى مجلس النبي وكان يجلس بينه وبين النبي رجل أخر ، فكلب منه ثابت أن يفسح له في المجلس، فرفض هذا الرجل وقال له: قد أصبت مجلساً، فجلس ثابت في مكانه مغضبا .
وبعد انجلاء الظلمة سأل ثابت عن اسم هذا الرجل فأخبره أنه فلان ، ليرد ثابت بذكر أم الرجل وهو ما كان يعير بها الجاهلية ، فطأطأ الرجل رأسه في خجل وحزن ليرد النبي بتلك الآية التي نزلت عليه في هذا الموقف .
اما في تفسير الضحاك: قال ان تلك الآية قد نزلت في وفد بني تميم، وهم من كانوا يستهزئون بأصحاب النبي الفقراء مثل: عما ، وخباب ، وصهيب ، وبلال ، وسلمان ، رضي الله عنهم أجمعين .
فكانوا يسخرون من فقر حالهم لينزل الله تلك الآية الكريم علي نبيه ، وقيل أن تلك الآية قد نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بقصر قامتها .
وقيل أنها نزلت في صفية بنت حيي حين عيرنها النساء بأنها يهودية بنت يهودي ، وهذا القول ثابت عن عكرمة ابن عباس .
سبب نزول ” ولا تنابزوا بالألقاب “
جاء على لسان أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني أنه قال عن أبو عبد الله بن بطة أخبره عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن إسحاق بن إبراهيم المروزي [3] .
في رواية عن حفص بن غياث، عن داوود ابن أبي هند ، عن الشعبي عن الضحاك عن أبية ، قال أن النبي قد جاءه من يشكو إليه رجل ينبذه بما يكره فنزلت الآية الكريمة ” ولا تنابزوا بالألقاب ” .