اثر المحافظة على المال العام
الحفاظ
على المال العام
إن المال العام يكون عبارة عن خزينة الدول وإيراداتها التي تحصل عليها عن طريق ما تدفعه الشعوب من الضرائب، البيع، الجمارك، التأجير وما إلى ذلك من الجهات التي تستلم الإيرادات التابعة للحكومة.
ومن يعتدي على تلك الأموال بالسرقة أو الإتلاف فيتعرض للمساءلة القانونية، والذي يؤكد للأشخاص ضرورة الحفاظ على المال أن الله عز وجل ذكر الْمال في 86 موضعًا، وقد كان في غالبيتها الحديث بشكل صريح على وجوب الحفاظ عليهِ وعدم ضياعه، وكذلك كان فيها تحذير من التعدي عليه بكافة الأشكال والطرق فقد قال عز وجل في تحذير العباد: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]، {
البقرة: 188}
وقد فسرها ابن جرير بقوله: (يَعني تعالى ذِكْرُهُ بذلكَ: ولا يَأْكُلُ بعضُكُمْ مالَ بعضٍ بالباطِلِ، فجَعَلَ تعالى ذِكْرُهُ بذلكَ أَكْلَ مالِ أخيهِ بالباطِلِ كالآكِلِ مالِ نفْسِهِ بالباطلِ).
وكذلك قد قال الله تعالى: [وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ]، {الحجرات: 11}، وقولُه: [وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ]، أي: لا يَلْمِزُ بعضُكُمْ بعضًا، ولا يَقْتُلُ بعضُكُمْ بَعْضًا، إذ أن الله تعالى قد جعل المؤمنين كالأخوة، فمن يقتل أخاه كمن قتل نفسه تمامًا، ومن يلمز أخاه كمن يلمز نفسه كذلك، وللحفاظ على الأموال حث الله عز وجل عباده وأرشدهم على أن يضعوا تلك الأموال مع العقلاء والحكماء منهم، وألا يتركوها في قبضة المسرفين والمبذرين، فجاء قوله تعالى في ذلك: [وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ]، {النساء: 5}.
ويجب العلم بأن
الاعتداء على الممتلكات العامة
من أكبر المحرمات، أما ثواب من يحميه عظيم وفقًا لما جاء من أقوال الله تعالى، كما أن حرمانيته أكبر من الاعتداء على المال الخاص إذ أن هناك العديد من الحقوق تتعلق به، وأيضًا أكثر من ذمة مالكة له، ولذلك قد وضعه (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه في مكانة مال اليتيم من حيث المراعاة، التنمية، الحرمانية في الاستيلاء عليه، التفريط فيه بقوله: “إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم..”.وقد قال الله تعالى في مال اليتيم: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً]، (النساء/10)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الدنيا خضرة حلوة؛ فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله ليس له إلا النار يوم القيامة”. [1]
اثر وفوائد الحفاظ على المال العام
لقد كان الإنفاق من المال العام أحد أجزاء النمو الاقتصادي لأكثر من مائة عام،
ومن الممكن أن يتم تنمية المال العام في كافة البلاد من خلال الحصول على الضرائب من الأغنياء وأصحاب الأعمال الكبرى، وفرض عقوبات على المتهربين من دفعها،
ولذلك لا بد من الحفاظ عليه نظرًا لفوائده وأثره العديدة التي تتمثل في التالي: [2]
-
دعم ما يقرب من نصف العمالة بالعالم،
وأغلبها من القطاع الخاص.
-
تقديم خدمات كالرعاية الصحية، السلع العامة ومن أمثلتها الطاقة المتجددة بكفاءة وجودة كبرى.
-
أحد الطرق الحيوية في تحقيق أكبر قدر من المساواة، عن طريق تقديم الخدمات العامة لمحتاجيها.
- كما أن المال العام يدعم النمو الاقتصادي عن طريق: الاستثمارات التي تتم بالبنية التحتية، دعم القوى العاملة المتعلمة والصحية من خلال القيام بإعادة توزيع الدخل من أجل رفع مقدرة المستهلكين من الفقراء على الشراء، وتوفير التأمين ضد الخطر، وتوفير الدعم للصناعة.
كما أنه من الضروريات في مسألة تعمير الأرض كتنفيذ لأومر الله عز وجل إذ قال تعالى: [وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ] (هود: 79) أي طلب من الأشخاص تعميرها والمقصود به إقامة حضارة بكافة المعاني والصور وبمختلف المستويات المادية، الأخلاقية، الروحية، الاجتماعية. [3]
أهمية
المال العام
إن كلمة المال العام تٌشير إلى كل ما تقوم الدولة بامتلاكه وإدارته من أجل أن تُحقق النفع العام للشعوب مثل أن تكون على هيئة المباني والمنشآت، أموال وأراضي، وما إلى ذلك، أي أنها كافة الأشياء التي يقوم أفراد المجتمع بالانتفاع بها، وهو خلاف المال الخاص إذ أنه عبارة عن خزينة الدولة وما يتم الحصول عليه من الشعب كالضرائب، الجمارك، معاقبات القانون وغيرها.
ويمكن القول بأن أهميته هي تمتع الشعب بما يتم إنشائه من المرافق العامة التي من قبل الدولة كوسائل المواصلات العامة، المتنزهات العامة، المستشفيات وغيرها ولذلك يجب على المستفيدين منها المحافظة عليها حتى يستطيع الناس استهلاكها لفترات كبيرة، ومن أجل ذلك كانت
صيانة المال العام
من الواجبات الدينية والقومية وإهداره يُعد خيانة. [2]
ما واجبنا نحو
المال العام
قد حثنا الله والرسول صلى الله عليه وسلم على عدة طرق للمحافظة على المال العام وتنميته، ومن ذلك ما يلي: [1]
- الحث على تنمية المال العام واستثماره حتى لا يتعرض للضياع، عن طريق تحريم كنزه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، [التوبة: 34].
- تنمية المال من خلال العمل، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، [الجمعة: 10]).
- الأمر بتسجيل الأموال والإشهاد عليها، قال تعالى: (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)، [البقرة: 282].
- إكثاره باستخدام الطرق الشرعية مثل أموال الزكاة، أموال الفيء، خُمُس الغنائم، أموال الجزية.
- الاعتدال والترشيد في استهلاكه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، [الفرقان: 67].
- الحفاظ عليه من الربا، قال تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ)، [الروم: 39].
- ألا يتم تأمين المال لمن لا يتمكن من صرفه بإحسان، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، [النساء: 5].
- مراقبة المال العام والحفاظ عليه، فقد قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، [سورة يوسف: 55]، وكذلك قال عز وجل: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، [القصص: 26]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخازنُ المسلمُ الأمينُ، الذي يُنْفِذُ – ورُبَّما قالَ: يُعْطِي – ما أُمِرَ بهِ كاملاً مُوَفَّراً طَيِّباً بهِ نَفْسُهُ، فيَدْفَعُهُ إلى الذي أُمِرَ لهُ بهِ، أَحَدُ المتصدِّقينِ) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي حُمَيْدٍ الساعدِيِّ قالَ: (استَعْمَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَجُلاً منَ الأسْدِ، يُقالُ لهُ: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ على الصَّدَقةِ، فلمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لكُم، وهذا لي أُهْدِيَ لي، قالَ: فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على الْمِنْبَرِ، فحمِدَ اللهَ وأثنى عليهِ، وقالَ: ما بالُ عاملٍ أَبْعَثُهُ، فيقولُ: هذا لكُمْ وهذا أُهْدِيَ لي، أفلا قَعَدَ في بيتِ أبيهِ، أو في بيتِ أُمِّهِ، حتى يَنظُرَ أَيُهْدَى إليهِ أم لا؟ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يَنالُ أحَدٌ منكُم منها شيئاً إلا جاءَ بهِ يومَ القيامةِ يَحْمِلُهُ على عُنُقِهِ بعيرٌ لهُ رُغاءٌ، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٌ تَيْعرُ، ثم رفَعَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يدَيْهِ حتى رَأَيْنا عُفْرَتَيْ إبطَيْهِ، ثمَّ قالَ: اللهُمَّ هلْ بلَّغْتُ؟ مرَّتينِ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.