قصة النجاشي مع وفد قريش
قصة الهجرة إلى الحبشة
عقب أنِ اشتدَّ إيذاء مشركي وكفار قريش على من اتبع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من المسلمين ببداية الدعوة إلى الإسلام، أمر النبي الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة، وقد كان السبب في اختيار رسول الله لتلك البلاد لكون أهلها ومن يعيش بها من أهل الكتاب أما السبب الآخ فهو بعدها عن مكة المكرمة البُعد الذي يوفِّر الحماية والأمان للمسلمين، ولاستقلالها السياسي التام، ليس ذلك فقط بل إن من أهم الأسباب أنه كان بها ملكًا من أهل الكتاب لا يُظلم عنده أحدٌ مطلقاً، ذلك الملك هو الملك العادل أصحمة النجاشي الذي كان العدل منهاجًا وأساسًا بحكمه في الحبشة. [1]
لذا أمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنون أن يتوافدوا بالهجرة إلى الحبشة التي سوف يتخذوها مركزًا جديدًا للدعوة الإسلامية في حين أن الطغيان والشرك عزموا على اللحاق بهم حتى الحبشة وعلى رأسهم كان عمرو بن العاص قبل أن يؤمن بالله ويدخل في الإسلام حيث كان ساعياً في أن يطلب من النجاشي أن يقوم بتسليم المسلمين إليه، وهنا وفق الفريقان بمناظرةٍ أمام الملك النجاشي فكان عمرو بن العاص بجهةٍ وفي الجهة الأخرى جعفر بن أبي طالب.
قصة النجاشي باختصار
هو ملك الحبشة وإمبراطورها أصحمة بن أبجر، وهو نجاشي أكسوم حكم الحبشة بالفترة التي تمت بها بعثة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الله تعالى إلى الناس، وقد ورد في المصادر التاريخية أنَّ أصحمة الملك النجاشي بدء في حكم البلاد منذ كان في التاسعة من عمره عقب وفاة عمِّه في صاعقة، وفي خلال مدة حكمهِ نشر السلام والعدل في البلاد إذ انتشرَتْ سيرته وذاع صيته بكلِّ مكان.
وقد آوى نجاشي الحبشة المؤمنين بالله الفاريين من بطش وظلم كفار قريش ومن أمرهم رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أن يهاجروا إلى الحبشة، حيث عاشوا في بلاد النجاشي حينًا من الدهر وقد وجدوا منه فائق الاحترام والمعاملة الطيبة وحسن الجوار، وتجدر الإشارة إلى أن أصحمة نجاشي الحبشة هو الرجل الوحيد الذي قام رسول الله صلَّى عليه رسول الله بالصلاة عليه صلاة الغائب عقب وفاته؛ فقد ورد عنْ أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (نعَى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ النَّجاشيَّ لأصحابِهِ بالمدينةِ، فصفُّوا خلفَهُ فصلَّى علَيهِ، وَكَبَّرَ أربعًا). [2]
قصة النجاشي ملك الحبشة بين المسلمين وكفار قريش
من أهم أحداث قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة محاولة قوم قريش استرجاع المهاجرين، حيث إن قريش حاربت الإسلام وقامت بتعذيب أهله وبالتالي لم تقف عند فرار العشرات من المسلمين وهربهم عنها، لذا قامت بإرسال كلاً من عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص)، وحمّلتهما ما تمكنت أن تعطيهما من الهدايا، وكان في ذلك الوقت عمرٌو من أشد أعداء الدين الإسلامي، إذ عمد بدهائه إلى كلّ قديس وبطريارك من حاشية النجاشي، فمنح كلاً منهم هدية، وحدّثه حول أمر تلك الثلة المسلمة التي قامت باستيطان أرض الحبشة مخالفة في ذلك دين قومها وأهلها؛ طالبًا منهم أن يأيدوه في حالة طرح النقاش على ملكهم النجاشي. [3]
وأما عن
الحوار الذي دار بين النجاشي والمسلمين وكفار قريش
فقد ذهب عمرو إلى النجاشي، وعرض عليه المسألة، وتمكن من جمع تأييد كل من حضر إلى المجلس؛ ولكن النجاشي قد تروّى بالأمر، وما كان منه إلا أن خالف رأي الكُل طالبًا مقابلة المسلمين؛ حتى يستمع إلى القضية من طرفيها، وقد حدث ذلك ، وهنا قام المسلمون بتفويض (جعفر بن أبي طالب) حتى يخطب عنهم في المجلس، ويرد على ما توجه إليهم من افتراءات في وفد قريش الذي جمع كل براهينه وحججه مركزًا على قضية النبي عيسى عليهن السلام، ورأي القرآن بها.
حيث بدأ جعفر قوله بالآتي: (أيّها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه دعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام).
وبذلك فكان لذكاء جعفر وصدق إيمانه وطلاقته وحسن نقاشه رد كيد أعداء المسلمين عنهم، حيث شرح إلى النجاشي تعاليم الإسلام، وما خلفه من أثر على حياتهم التي كانت قبله تقوم على مبادئ وأسس تدعم استعباد الضعيف وسيطرة القوي؛ مستكملاً حديثه قائلاً أنّ الرسول الحبيب قد أمرهم أن يهاجروا إلى هذه الأرض؛ حيث إن لها ملكًا لا يظلم أحد عنده، فسأله النجاشي أن يتلوا شيئًا عليه مما ورد في القرآن فقرأ جعفر عليه ما تيسر، ومما سمع منه النجاشي سورة مريم التي لان لها قلبه، ومن هنا باءت محاولات قريش بالفشل؛ إذ رفض النجاشي تسليم المسلمين لهم. [3]
عودة المسلمين من الحبشة إلى المدينة
جاءت نهاية قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة خلال عودة المؤمنين إلى المدينة المنورة في ظل استقرار أمرهم عقب صلح الحديبية بالعام السادس، ولكن ذُكر في بعض الروايات حول عودة مجموعة من الصحابة قبل ذلك الوقت، وقد ورد أنّ بعضهم رجعوا إلى مكة بالعام الثالث عشر من تاريخ البعثة، ثم هاجروا بصحبة النبي إلى المدينة المنورة، ومنهم من رجع وقت علم بهجرة الرسول للمدينة، وظل عدد من المؤمنين بالحبشة تحت قيادة جعفر؛ حيث ظلوا بالعودة في مجموعات حتى رجعت آخر دفعة منهم بالعام السابع وقيل في نهايات العام السادس من الهجرة. [4]
كيف مات النجاشي
ثبت في السنة النبوية بالأدلة الصحيحة إسلام الملك أصحمة النجاشي، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَومِ الذي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بهِمْ إلى المُصَلَّى، فَصَفَّ بهِمْ، وكَبَّرَ عليه أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ)، كما أن ابن حجر جزم بكتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) حول إسلام نجاشي الحبشة، وقد استدل النووي بما سبق ذكره من حديث عن أبي هريرة حول مشروعية صلاة الغائب بالإسلام، حيث أنه وقت موت النجاشي نعاه الرسول، وصلّى عليه أربع تكبيرات صلاة الغائب. [5]
ويُرجَّح أنَّ الكملك نجاشي الحبشة توفي عام ستمائة وثلاثون ميلادية، ويُتبر نجاشي الحبشة أوَّلَ من دخل الإسلاك من ملوك العجم، فقد ذكر ابن حجرأن (أصحمة بن أبحر النَّجاشي ملك الحبشة، واسمه بالعربية عطية، والنجاشي لقبٌ له، أسلم على عهد النّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولم يهاجر إليه، وكان ردءًا للمسلمين، نافعًا، وقصَّتهُ مشهورة في المغازي، في إحسانِه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام). [6]