خصائص المقامات في العصر العباسي
وصلت الحياة العلمية والأدبية في العصر العباسي ذروتها وشهد هذا العصر ظهور حركات فنية هام، ومن أهم الفنون الأدبية التي ظهرت ونمت وازدهرت في العصر العباسي، فن المقامة، والمقامة هي عبارة عن نثر مسجوع يروي قصة محبوكة، تهدف للتعليم والإرشاد أو الوعظ والقصة لها راوي ومكدي، والمكدي هو بطل القصة الذي يعاني خلال أحداث المقامة وينتصر في النهاية.
خصائص المقامات في العصر العباسي
كلمة مقامة في العصر الجاهلي كانت تستخدم بمعنى المجلس، وأول من استخدم المعنى الاصطلاحي للمقامة أو
تعريف المقامة وانواعها
كان بديع الزمان الهمذاني والذي عاش بين عامي 359 هجرية و 395 للهجرة وهي فترة الفتن في الدولة العباسية، ومع ذلك فقد ازدهر هذا اللون من فنون النثر بشكل كبير.
وتختلف المقامات عن القصة، في عدة أوجه أهمها عدم وجود حبكة مثل القصص العادية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل بديع الزمان يطلق عليها لفظ مقامة وليست قصة، وقد ذاع صيت الهمذاني في هذا المجال، وبدأ الأدباء والشعراء الآخرين يقتبسون منه هذا الفن، وكان من أهم تلامذته والذي اعتبر أيضًا من مؤسسي فن المقامات الأدبية أبو القاسم الحريري، وبالرغم من انتشار فن المقامات في مناطق اخرى فظهرت مقامات الأندلس ومقامات فارسية، إلا أن مقامات العصر العباسي ظلت مميزة عن غيرها بعدة سمات ومن أهم خصائص مقامات العصر العباسي:
- أهم عناصر المقامة العباسية هي الراوي والمكدي والعقدة.
-
كان الاختصار في السرد من أهم
خصائص المقامه
العباسية فكانت المقامات في العصر العباسي عبارة عن قطعة نثرية قصيرة . - استخدام السجع والبديع حتى أن حرص الشعراء على السجع كان يجعلهم يستخدمون ألفاظًا غريبة في بعض الأوقات.
- الحفاظ على وجود عنصر الراوي في كل المقامات وهذا العنصر قد اختفى في بعض المقامات الأندلسية.
- كانت دائمًا تبدأ بصيغ مثل حدثنا أو قال أو أخبرنا.
- كان الكثير منها يحتوي على بعض أبيات من الشعر.
- كانت دائمًا تحمل عظة أو نصيحة أو نقد اجتماعي بهدف تعليم السامعين وإرشادهم.
- كانت تحتوي على كثير من الدعابات والهزل.
مقامات بديع الزمان الهمزاني
المقامة الأزاذية
تتحدث تلك المقامة عن تمر الأزاذ، والأزاذ هو نوع التمر ، ويظهر في تلك المقامة براعة بديع الزمان اللغوية لكن على حساب المعنى” على سبيل المثال يقول الهمزاني في المقامة الأزدية ” كنت ببغذاد وقت الإزاذ ، فخرجت أعتام من أنواعه لابتياعه” وكلمة اعتام تعني اختار ، وهي لفظ غير شائع الاستخدام بين العرب لكن الهمزاني اختارها ليبين معرفته ببواطن اللغة العربية.[1]
المقامة البلخية
والبلخ هي مدينة في خراسان وقد سميت بالمقامة البلخية لأن البطل يروي قصة ذهابه إلى بلخ لتجارة الثياب، وكما ذكرنا فإن الهمذاني كان يستخدم أبيات من الشعر في مقاماته وهذا الأمر واضح في المقامة البلخية، ومن أجمل أبيات المقامة البلخية:
- صباح الله لا صبح انطلاق وطير الوصل لا طير الفراق.
وفي هذا البيت ينسب الهمذاني الصباح إلى الله لأن الله هو مفيض الخيرات بل هو الخير المطلق.
المقامة القردية
سميت المقامة القردية بهذا الاسم لأن الإسكندري في تلك المقامة عمل القرادة، فكسب منها الكثير من الأموال، ويقول بديع الزمان في تلك المقامة” بالحمق أدركت المنى ورفلت في حلل الجمال” وهو يصف هنا حمق الناس الذين شاهدوا الأسكندري وأغقوا عليه الأموال فاكتسى أجمل الثياب ، ويرى البعض أن كنايات الهمذاني في تلك المقامة كانت مبتذلة.
مقامات أبو القاسم الحريري
كان أبو محمد القاسم بن علي الحريري تلميذًا لبديع الزمان الهمزاني وكان يؤكد على ذلك في كتاباته لكنه تميز أيضًا في هذا الفن حتى صار من أعلامه، ويقال أن كتاب مقامات الحريري قد بلغ في عصره مبلغ لم يصله أي مؤلف قبله فصار يطبع ويوزع في بغداد حتى أنه وقع بيده 700 نسخة من كتابه مقامات الحريري، ومن خصائص مقاماته:
- تختلف بداية مقامات أبو القاسم عن بداية بديع الزمان، لأنه كان دائمًا ينوع المقدمة بين حدثنا وروى وأخبر وقال.
- بطل مقامات أبو القاسم الحريري هو أبو زيد السروجي وهو شخص متسول كان يعتمد على بيانه وحسن كلامه لجمع الصدقات.
- كان الحريري متعلقًا أكثر بالحواضر، على خلاف بديع الزمان الذي كان يهتم بالبادية.
- كانت مقامات الحريري أطول من مقامات الهمذاني.
- كان الحريري يكثر من استخدام المترادفات في مقاماته.
- جمع الحريري بين متعة القص ودقة البيان في مقاماته.
- كان يكثر من الشعر مع استخدام الكثير من الجمل القصيرة.
ألف الحريري أيضًا 50 مقامة، منها:
المقامة الصنعانية
ويحكي فيها عن رحلة البطل إلى صنعاء اليمن، وقد كتب الحريري اسم اليمن في المقامة ليميزها عن مدينة أخرى تسمى صنعاء تقع في إحدى قرى دمشق ، والراوي في المقامة الصنعانية هو الحارث بن همام، وقد اختار أبو القاسم همم والحارث بوجه خاص لأنهما كما قال النبي عليه الصلاة والسلام أصدق الأسماء.
المقامة الدمياطية
دمياط هي مدينة تقع على ساحل البحر في مصر، وفي تلك المقامة يروي رحلة البطل مع أصدقاؤه إلى مدينة دمياط، ولذلك سميت بالدمياطية.
مقامات ابن الجوزي
ابن الجوزي هو الإمام أبو الفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي ، وقد ألف ابن الجوزي كتاب بعنوان مقامات ابن الجوزي جمع فيه كل مقاماته، وقد برر تأليف تلك المقامات بأنه دائمًا كان يختلي بعقله فيسأله أسئلة ثم يجيب عليها، فأراد أن يؤلف لكل فكرة من الأفكار التي ترد بخاطره مقامة، وفي النهاية قام بتأليف 50 مقامه مثل سابقيه (الهمذاني والحريري).
وقد تميزت مقامات ابن الجوزي أيضًا عن سابقيه أنها كانت تخلو من الهزل، وكان محتواها وعظي، كما كانت أيضًا تخلو في أغلبها من عنصر الكدية، أما ما اتفق فيه ابن الجوزي مع رواد فن المقامات في العصر العباسي هو البيان اللفظي وضرب الأمثال والشعر، ومن خصائص مقامات الجوزي:
- كانت مواضيعه توافق ميوله الدينية دائمًا، فابن الجوزي كان فقيه بجانب كونه أديب.
- كان دائمًا يستخدم المصطلحات الدينية في مقاماته.
- ظهر أيضًا البعد السياسي في بعض مقاماته.
- كان يحرص دائمًا على ذم الهوى في مقاماته.
- لم يكن يستخدم النكت أو الدعابات في مقاماته.
- كان يدعو دائمًا للتأمل وإعمال العقل في كل الأمور وخاصة أمور العقيدة.
- لم يغفل الحديث عن الشعائر الدينية الإسلامية في مقاماته مثل الحديث عن الحج.
- أفرد لقصص الأنبياء مجموعة من مقاماته ومنهم مقامتين ترويان قصة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
من أشهر مقامات ابن الجوزي:
- مقامة في حكم الأشياء والتي رد فيها على المشككين في وجود الله جل وعلا.
- مقامة في وعظ السلطان.
- مقامة العزلة.
- مقامة في ذكر الحج.
مقامات الزمخشري
محمود بن عمر بن محمد ولقب بفخر خوارزم ، وقد ولد عام 467 للهجرة وتوفي في 538 هجرية، ولقب بفخر خوارزم، وكان له الكثير من المؤلفات الأخرى، وقد تميزت مقاماته بالابتعاد عن الموضوع الأساسي لفن المقامة وهو الكدية والتركيز فقط على فكرة الوعظ، وتميزت مقامات الزمخشري بالترابط والتماسك النصي وكان يبدأ مقاماته دائمًا بنداء لبطل مقاماته أبا القاسم، ومن أشهر مقاماته:[2]
- مقامة المراشد
- مقامة الحذر
- مقامة التقوى.