دور شعر الزهد في مواجهة التيار الماجن

تعريف الزهد لغة واصطلاحا

تعريف الزهد لغة

يعرف الزهد في اللغة على أنه فقدان الرغبة في شيء ما، فنقول الرجل زهد الطعام أي فقد الرغبة في تناول الطعام ، ويعرفه العالم بن دريد على أنه عكس الرغبة ويقال فلان زاهد في الدنيا ، أي تارك لملذاتها .

تعريف الزهد اصطلاحا

هو أن تحن روح الإنسان إلى من أنشأها ، ورغبتها في ملاقاة خالقها فقط في هذ الدنيا وما فيها ولا يرى منها إلا عظمة الخالق ويدرك أنها دار ابتلاء فانية ، ويستغنى عن نعيمها ومتاعها رغبة في متاع ونعيم الجنة الدائم .

وعرف ابن الأنبا رحمه الله الزهد على أنه انصراف الإنسان عن شيء ما تصغيرا له وتحقير من شأنه ، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة والورع ترك مـا تخاف ضرره في الآخرة “.

أمـا ابـن الجـلاء فقـد عرفـه : ” الزهـد هـو النظـر إلى الـدنيا بعيـن الـزوال فتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض “.

وتتفق جميع هذه التعاريف على أن الزهد يعني الإعراض عن ملذات الدنيا ومتاعها طمعا في نعيم الأخرة ، وذلك يكون بعدم التعلق بالدنيا ، كما أن الدين يزيل من القلب حب الدنيا والتشبث بها .

الزهد في القرآن

  • وردت آيات كثيرة في القرآن تحث على الزهد ، ولكن الله تعالى لم يذكر لفظ الدنيا صريحة إلا في آية واحدة ، قال تعالى :﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ . [سورة يوسف الآية : 20]
  • قال تعالى :﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [سورة الحديد الآية: 20]
  • قال تعالى:﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[سورة الحديد الآية: 20] ، ومتاع الغرور هو الشيء الذي يظهر لك بحجم غير الذي هو عليه فيخدعك وتغتر به .
  • قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾[سورة محمد الآية: 12].
  • قال تعالى ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[سورة النساء الآية: 77 [1]

تعريف المجون عند العرب

والشخص الماجن على لسان العرب هو الشخص الذي يرتكب كل ما هو قبيح ومردي وفاضح ، ولا يتعظ ولا يتورع ، كما أن المحن عند العرب هو الخلط بين كل من الهزل والجد ، يقال للشخص أنك قد مجنت فاصمت ، وكلمة المجون والمسن مترادفتان فالمسن لا يدري حقيقة ما يصنع فقد يكون فقد جزءا من عقله .

فقال ابن سيده : الفرد الماجِنُ من الرجال هو الذي لا يبالي بما قال الناس من حوله ولا ما قيل له  من أحد ، ولا يبالي بالنصيحة ويقابل كل هذا بغلظة وصلابة في الوجه ، قال العالم ابن دريد: إني أَحسَبُه دَخِيلاً ، وجمع كلمة مجن هي مُجّانٌ، مَجَنَ، بالفتح، يَمْجُنُ مُجوناً ومَجَانة ومُجْنا ً.

وقال الأزهري أنه سمع أعرابي يقول لها م لديه دائم القرع له أراك قد مجنت على بالكلام، أي يقصد أنه أصبح لا يأبهه لكلامه بل يتحدث فقط ، وستعرف على


دور الزهد في العصر العباسي


فيما يلي. [2]

دور شعر الزهد في مواجهة التيار الماجن

انتشر في العصر العباسي كلل من شعر الزهد والحكمة لدى الشعراء العرب ، حيث نرى أن كل شاعر كان متمسكا بشهر المجون والفاحشة والغزل الصريح ، لجأ بعد ذلك لشعر الزهد والرحمة وأصبح عبدا صالحا ، ومثال على ذلك الشاعر أبو نواس ، وأبو العتاهية ، وسنذكر أحد قصائد الشاعر أبو العتاهية الذي اشتهر بزهده الشديد الذي وصل إلى البخل والتقتير ، حيث يصور في أبيات القصيدة تفاهة الدنيا وصغر حجمها ، وأنه لا مفر من الموت في نهاية المطاف ، فهو يقول في قصيدته اللامية :

نَعَى نَفسي إليَّ من الليالي

تَصَرُّفُهُنَّ حالاً بعد حالِ

فمالي لستُ مشغولاً بنفسي

ومالي لا أَخَافُ الموتَ مالي

لقد أَيقنتُ أَنِّي غيرُ باقٍ

ولكنِّي أَراني لا أُبالي

أَما لي عِبرةٌ في ذِكرِ قَومٍ

تَفَانَوا، ربما خَطَروا ببالي

كَأَنَّ مُمَرِّضي قد قامَ يَمشي

بنعشي بين أَربَعةٍ عِجالِ

وخَلفي نِسوةٌ يبكينَ شَجواً

كأَنَّ قُلُوبَهُنَّ على مَقَالِ

سَأَقْنَعُ ما بَقيتُ بقوتِ يومٍ

ولا أَبغي مُكاثَرَةً بمالِ

تَعالى اللهُ يا سَلْمَ بن عمرو

أَذَلَّ الحِرصُ أَعناقَ الرجالِ

هَبِ الدنيا تُساقُ إليكَ عَفواً

أَليسَ مصيرُ ذَاكَ إلى زَوالِ

فَمَا تَرجو بشيءٍ ليسَ يَبقَى

وَشِيكاً ما تُغَيِّرهُ الليالي

وَحَقِّكَ كُلُّ ذَاَ يَفْنَى سَريعاً

ولا شيءٌ يدومُ مَعَ الليالي

خَبرتُ الناسَ قَرناً بعد قَرنٍ

فلم أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالِ

وذُقتُ مَرارَةَ الأشياءِ طُرّاً

فما طَعْمٌ أَمَرّ من السؤالِ

ولَمْ أَرَ في الأُمُورِ أَشَدَّ وقعاً

وأَصعبَ من مُعاداةِ الرجالِ

ولَمْ أَرَ في عيوبِ الناسِ عَيْباً

كَنَقْصِ القادرينَ على الكَمَالِ

وكان يتعظ أبو العتاهيه من القبور وسكانها ، وذكر ذلك في قصيدة له للحث على الزهد ، فيقول :

سَلامٌ على أهلِ القُبورِ الدوارسِ

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَجلسوا في المجالسِ

ولم يَبْلُغوا من بارِدِ الماءِ لذَّة

ولم يَطْعَموا ما بَيْنَ رَطْبٍ ويابسِ

ولم يَكُ منهم في الحياة مُنافِسٌ

طويلُ المُنى فيها كثير الوَساوِسِ

لقد صِرتُم في غايةِ الموتِ والبِلى

وأَنْتُمْ بها ما بَيْنَ راجٍ وآيسِ

فلو عَلِمَ العِلمَ المنافسُ في الذي

تَركتم من الدنيا لَهُ لم يُنافِسِ

قد اختلف


شعر الزهد في العصر الأموي


عن العباسي . [3]

أهمية توظيف فكرة الزهد في الأغراض الشعرية

يمكن أن تخدم الدعوة إلى الزهد المسلمين والمجتمع الإسلامي ، والنهوض بهم ، ويكون ذلك عن طريق طرح موضوعات وقضايا تفيد في نهضة الأمة وتقدمها، وتفضيل الأخر التي هي دار الخلود عن الدنيا التي هي دار الانتهاء ، والتطوع والعمل باجتهاد لكي نخدم المجتمع بفئاته المختلفة خاصة الطبقة المعدومة ، وتحمل الأشخاص مشقة الدعوة من أجل أن يهدي الله تعالى بهم الآخرين ، ومساندتهم في الشدائد، ولكن بشرط ألا ينسلخ الإنسان تماما عن الواقع . [2]

نماذج شعرية لغرض الزهد

  • قال ثمامة بن أشرس: أن أبو العتاهية أنشده

إذا المرء لم يعتق من المال نفسه             تملكه المال الذي هو مالكه

ألا إن مالي الذي أنا منفق             وليس لي المال الذي أنا تاركه

إذا كنت ذا مال فبادر به الذي            يحق وإلا استهلكته مهالكه

فقلت له: من أين قضيت بهذا ؟  قال : من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت ، أو ما لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ” .

وقال أيضا ابن عبد ربه الأندلسي:

ألا إنما الدنيا غضارة أيكة             إذا اخضر منها جانب جف جانب

هي الدار ما الآمال إلا فجائع            عليها ولا اللذات إلا مصائب

فلا تكتحل عيناك فيهــا بعبرة             على ذاهب منها فإنـك ذاهــب

فالدنيا دار الزوال وليست للإقامة فعد الرحال للأخرة ولا تنشغل بطيب العيش بالدنيا فإنه والله من يلتفت لحب الدنيا ومتاعها لن يحصل من نعيم الجنة ولو قطرة. [2]