هل الإنسان مخير ام مسير

الإنسان مخير

أم

مسير

في القرآن

من الأكيد أن كافة الأشياء التي تحدث في ذلك الكون سواء أكانت صغيرة أم كبيرة تكون بقضاء الله تعالى وقدره وبعلمه، إذ أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” [القمر: 49]، وكذلك قال الله تعالى: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” [الحديد: 22]، بالإضافة إلى أنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد..” إلى آخر الحديث.

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة”، كما أنه في سنن أبي داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أول ما خلق القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة”، وفي حديث مسلم: “كل شيء بقدر حتى العجز والكيس”، وهذا يشتمل على أفعال الناس، من تحركاتهم، تفكيرهم، قراراتهم، اختياراتهم، وهذا يدل على أن ما يقوم به الإنسان أو يحدث له سواء أكان خير أم شر فهو مكتوب قبل أن يولد.

إلا أن الله تعالى جعل للعبد الحرية في اختياره وإرادته التي يختار بها طرق الخير أو الشر، ومن خلالها يفعل ما يرغب به، ووفق ما يختاره سوف يحاسبه الله على ما اختاره من أفعال لأنها أفعاله الحقيقية، ومن أجل ذلك يكون اختيار الإنسان مع وجود عقله وعدم الإكراه، ومن رحمته تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب، أي في حال فقد الإنسان العقل يسقط عنه الله ما أوجبه.

والدليل على خلق الله لأفعال عباده قوله عز وجل: “وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ” [الصافات: 96] وكذلك قوله عز وجل: “وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ” [الحديد: 22]، وقد جاء في الحديث: “إن الله خالق كل صانع وصنعته”، رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني.

ولا يمكن القول بأن الإنسان مسير أم مخير على وجه التحديد، إذ أن الحقيقة هي أنه مخير ومسير في نفس الوقت، فالعبد مسير في ما خلق له، وكذلك مخير لأن الله عز وجل وهبه العقل، السمع، الإدراك، الإرادة، التي يُميز بين الخير والشر والضار من النافع وما يناسبه وما لا يناسبه من خلالهما، فيختار القرار  الصائب الملائم لنفسه ويبتعد عن غيره، وعليه فإن التكاليف الشرعية تعلقت به من الأمر والنهي، وأصبح له الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته، وقد قال تعالى :”إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” [الإنسان: 2،3].

وأما عن أنه مسيراً فهذا لأنه لا يخرج بأي شيء من ما يعمله فجميعها من قدرة الله عز وجل ومشيئته، فقال تعالى: “وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ” [التَّكوير:29]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير الخلق إلى يوم القيامة” رواه الترمذي وصححه، وأبو داوود، ومن الجدير بالذكر أن ما يوجد من آيات وأحاديث في هذا الأمر كثيرة جداً.

ولذلك يمكن القول بأن العبد مسير لما خلق له، وقد ذكر في صحيح مسلم أن سراقة بن مالك قال: “يا رسول الله؛ بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيما العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أم فيما نستقبل؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر، وفي رواية: كل عامل ميسر لعمله”.

وقد قال النووي في شرح مسلم: “وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له لا يقدر على غيره”. [1]


الدليل على أن

الإنسان مخير

جاء في قرآننا الكريم العديد من الآيات التي تدل على أن الإنسان مخير، فقد قال الله تعالى: “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” [الشمس:7، 8]، إذ أن هاتين الآيتين أثبتا أن النفس لها مشيئتها وعملها وأثبتا كذلك أنهما من عند الله، وبناءً على تلك المشيئة والعمل الذي يعمله الإنسان بإرادته فيحاسبه الله تعالى عليه ويحاسب أو يسامح فيما يعمله العبد، وهذا لأن الله عز وجل قد خلق البشر ومنحهم الإرادة والمشيئة والمقدرة على الاختيار، ووضع فيه القابلية إلى الخير والشر، ومن الدلائل على أن الإنسان مخير ما يلي: [1]

  • قال عز وجل: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ” [المائدة:34].
  • قال عز وجل: “وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا” [آل عمران:145].
  • قال تعالى: “إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً” [الإنسان:29].
  • في الحديث: “إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده”، رواه البخاري.

هل الإنسان مسير

أم

مخير

في الفلسفة



وضح مجموعة من الفلاسفة المختلفون وصف مشابه لهذا عن الحرية، حيث قدم توماس هوبز اقتراح أن الحرية تأتي من عدم تواجد موانع خارجية تقف في وجه أي عامل يفعل ما يريده إذ قال: “الفاعل الحر هو الذي يمكنه أن يفعل ما يشاء ويتحمل كما يشاء، وأن الحرية هي غياب العوائق الخارجية”، وفي استطلاع عن مدى الفهم الذي يمتلكه الإنسان، قد رأى ديفيد هيوم أن الإرادة الحرة أو بحسب المصطلح الذي أطلقه “الحرية” هي دون تعقيد “قوة التصرف أو عدم التصرف، وفقًا لتحديد الإرادة: أي إذا اخترنا للبقاء في راحة، يجوز لنا، إذا اخترنا أن نتحرك، فيمكننا أيضًا. … يُسمح لهذه الحرية الافتراضية عالميًا بالانتماء إلى كل شخص ليس سجينًا ومقيدًا بالسلاسل”.



ويدل هذا أن الحرية هي بكل بساطة إمكانية اختيار المسار الذي يسير عليه العمل، وأن الفاعل حر في حال لم تمنعه مجموعة من العوائق الخارجية من الاستمرار في ذلك المسار، فعلى سبيل المثال الشخص الذي يخرج لتمشية كلبه إذا لم يجبره شئ ليفعل ذلك فيكون مُخيرًا، أما إذا كان يفعل ذلك تحت وجود ضغط أو شي يجبره عليه فيكون مسيرًا.  [3]

هل الإنسان مسير

أم

مخير

في الزواج

إن ما يعمله الإنسان من الأفعال يكون بإرادته واختياره، وكل نفس تعرف الفرق بين ما تفعله باختيارها وبين ما يحدث منها تحت الإجبار، فالإنسان الذي ينزل من السطح إلى الأرض باستخدام السلم باختياره يُدرك جيدًا أنه مخير، في حين أن سقوطه هاويًا من السطح إلى الأرض فلا يكون باختياره ويدرك أنه لم يكن مُخير لذلك، ولهذا فهو يعرف ما الفرق بين الحدثين، ففي الأول يكون باختياه، أما الثاني بغير اختيار. [1]

ففي الحال التي يكون بها الإنسان مخير عليه بالتحري وحسن الاختيار، أما من الناحية الثانية فلا يجب عليه أن يتحسر على ما فاته لامتلاكه اليقين بأنه لو قُدِّر الله شئ لكان، وقد كان الوصف الشرعي جامعا بين التخيير والتسيير، وهو التيسير إذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل ميسر لما خلق له”، متفق عليه. [2]

ووفقًا لذلك يكون عمل الإنسان من اختياره يأكل ما شاء، ويتزوج من يشاء، ويفعل ما شاء، ولكن مع مراقبة الله تعالى لكل ما يعمله ويحاسبه على ما اختاره ما دام عاقلا، إذ قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ” {التوبة:105}، كما قال عز وجل: “ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” [النحل:32]. [1]