كيف كان حال سيدنا محمد عندما نزل الوحي


متى نزل الوحي على الرسول وكم كان عمره

أجمع الفقهاء من أهل العلم، أنّ عمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي عليه كان أربعين عاماً، حيث روى الإمام أحمد والشّيخان عن ابن عباس أنه قال: ( أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة). [1]

وفي ذلك ذكر المباركفوري بكتاب الرحيق المختوم فيما يتعلق بتحديد تاريخ البعثة: ( وعقب النظر والتأمل بالقرائن والدلائل يمكن أن نحدد ذلك اليوم بأنه كان يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلاً، ويوافق العاشر من أغسطس سنة 610 ميلادية، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك بالضبط أربعين سنة قمرية وستة أشهر واثني عشر يوماً، وذلك نحو تسعة وثلاثون سنة شمسية وثلاثة أشهر، واثنان وعشرون يوماً). [2]


قصة نزول جبريل عليه السلام علي الرسول


دخل الملك

جبريل




عليه السلام



على الرسول


صلى الله عليه وسلم


بهيئة رجل، ولا يعد ودخول رجل على رجل أمراً مفزعًا أو مخيفاً على رغم من كونه رجل غريب لا يعرفه الرسول


صلى الله عليه وسلم من قبل ولكن النبي قد أصابه الذعر والخوف، ولكن لماذا خاف


صلى الله عليه وسلم


حين رأى جبريل


عليه السلام وكيف كانت

حالة رسول الله عند نزول الوحي

، ذلك هو ما تحدثت عنه


السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، هكذا بدون مقدمات، ولا سلام، ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه، ولم يسأل الرسول عن نفسه، يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له: اقرأ، والرسول لا يدري أي شيء يقرأ، فالرسول أمّيّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يقول له: اقرأ، فقال


صلى الله عليه وسلم


بأدبه الجم، قَالَ:”مَا أَنَا بِقَارِئٍ

“).


إذاً لم يسأله النبي


صلوات الله وسلامه عليه من هو


وماذا يرغب؟ ولكنه بُهت حيث دخل الرجل الغريب فجأةً عليه، وفي قوله اقرأ، أجاب الرسول


ما أنا بقارئ، ليفاجيء الحبيب المصطفى برد الفعل الذي أصابه بالفزع،


حينما اقترب الرجل منه، ومن ثم احتضنه بقوة، وفي ذلك قال النبي الكريم

:

(فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي (احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أتعبني وأشتد علي)، مع العلم أن النبي


كان قوي البنية و


لم يكن ضعيفًا، وهو ما يشير إلى مدى قوة ذلك الرجل، ثُمَّ أكمل الرسول حديث قائلاً، ثم أَرْسَلَنِي بمعنى تركني،


ثم َقَالَ للمرة الثانية: اقْرَأْ  قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ للمرة الثالثة: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ،


فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي.


وقد ورد تساؤل حول ذلك العنف وتلك الشدة في تبليغ الرسول الرسالة للمرة الأولى من نزولها على الحبيب المصطفى وهو ما يرجع إلى أن يدرك


صلى الله عليه وسلم


أنه يعيش حقيقةً وواقع لا يحلم، وأنما سيخبره به ذلك الرجل من كلام يتطلب منه الوعي والانتباه، وهنا


قَالَ جبريل عليه السلام: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ،


خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ،


اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ،


الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ،


عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]، {العلق: 1- 5}. [3]


مراحل نزول الوحي

أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على مراحل متعدّدة، وقد أتت تلك المراحل على النحو التالي بيانه:

صدق الرؤيا

تعد الرؤيا الصادقة بداية نزول الوحي على النبي الكريم، إذ أن ما كان يراه في حلمه بات حقيقة، وقد ميز تالله تعالى الأنبياء بأن أبعد عنهم الشيطان وخبثه وأضغاث الأحلام، فلا يرون خلال النوم ما قد يراه غيرهم من البشر، وجميع ما قد رآه الرسول بنومه هو وحي من الله سبحانه وتعالى له، وهو ما ورد ذكره بالعديد من المواقف في القرآن الكريم، مثل ما رآه النبي إبراهيم عليه السلام من ذبح إسماعيل ابنه، إذ قال: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).

حيث أتى سؤال إبراهيم لابنه حول ذلك الأمر من إدراكه التام أنه أمر واجب النفاذ، وأنّ عليه أن يستجيب إليه ليس وحده ولكن ولده إسماعيل مثلما تستجابت هاجر أمّه حين أخذها إبراهيم إلى وادٍ غير ذي زرع، ومن أمثلة الرؤى الصادقة ما أخبر به الله جل وعلا حول صدق رؤيا الرسول حيث قال تعالى : (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ)، {الفتح: 27} حيث تحقّق وعد الله حينما نصر رسوله وفتح مكة، على الرغم مما كان سابق لذلك الفتح من لا أذى وظلم واقع على المسلمين. [4]

حضور جبريل على هيأة رجل

ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأَحْيانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُنِي، فأعِي ما يقولُ)، مما يدل على أنّ الله جل وعلا قد أذهب عن هيئته ما هو زائدٌ بخلقته، فبات مثل البشر، وهو ما ورد في تفسير إمام الحرمين رحمة الله عليه.

كما ذكر سراج الدين البلقيني رحمة الله عليه إن هذا لا يعتبر شرطاً أو تحليلاً دقيقاً حيث قد يكون جبريل قد ضمّ أجنحته وقت أتى للرسول، ثم يرجع عقب ذلك إلى هيئته الأولى بعد أن يترك رسول الله، ولكن ابن حجر رحمه الله قد نفى ذلك، وقال أنه لم يتغير أي شيء بشكله، ولكنه ظهر للنبي بهيئة رجلٍ؛ لكي يكون مألوفاً إليه، وأنيساً له. [5]

رؤية النبي لجبريل عليه السلام بهيئته الملائكيّة التي خُلق عليها

رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على هيئته التي خلقه الله تعالى وله من الأجنحة ستمائة وقد تكرّر ذلك الأمر مرّتين أولهما حينما طلب منه رسول الله أن يراه فرآه بالأفق الأعلى، وكما ذكر ابن كثير أنّ تلك المرة كانت بغار حراء في بدايات نزول الوحي وبعثة الرسول الكريم، بينما المرة الثانية كانت بليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى في السماء السابعة. [6]

صلصلة الجرس

ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي وقدْ وعَيْتُ عنْه ما قالَ)، وصلصلة الجرس تلك تشبه صوت الجرس وطنينه الشديد، والحالة هذه هي أشدّ ما يكون على النبيّ من الوحي، وفي تفسير البلقيني أن سبب هذه الشدّة يرجع لكونها تمثل مقدّمةٍ لأمر عظيمٍ سوف يأتي الوحي به.

كما أن البعض قد فسرها أنها دافعاً للنبي الحبيب حتى يستعدّ لما سوف يتلقّاه من الوحي، ومن

مظاهر نزول الوحي

على الرسول أنه كان يتصبّب عرقاً حتى باليوم ذو البرودة الشديدة، وإن كان على أعلى ظهر دابّته فإنّها من شدّة الوحي ترقد، وذات مرة حين أتاه الوحي بتلك الهيئة، كان يجلس وفخذه الكريمة موضوعة على فخذ زيد بن ثابت عليه السلام، فثقلت عليها حتى كادت ترضّها.

وفي الحالة تلك يظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعيه خلال الوحي وعقبه، والدليل على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أنه قال: (سألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هل تُحسُّ بالوحيِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: نعم، أسمعُ صَلاصلَ ثمَّ أسكتُ عندَ ذلكَ، فما من مرةٍ يوحَى إليَّ إلا ظننتُ أنَّ نفسي تَفيضُ).

الإلهام

وهو ما يُلقيه الله  جل وعلا بقلب رسول الله لكي لا يظل للشكّ عنده من مكان، وقد ورد في ذلك الأمر ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفث في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لن تموتَ حتى تستكملَ رزقَها، فاتقوا اللهَ وأَجْمِلُوا في الطلبِ).

الكلام من وراء حجاب

وقد ذكرت هذه الصورة كذلك بالقرآن الكريم حينما كلّم الله جل وعلا النبي موسى عليه السلام، إذ قال الله سبحانه: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، {القصص: 29}.