أثر الجليس الصالح والجليس السوء
يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام” مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يعطيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحًا منتنة” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث الشريف يحثنا بإيجاز وبلاغة على اختيار من نجالسهم، وأن نرافق فقط أهل الخير، وأن نبتعد تماًما عن الأشخاص الذين عرفوا بالشر، لأن رفقتهم تضرنا في الدنيا والآخرة.
أهمية مرافقة الجليس الصالح
تقول الكلمة المأثورة ” الصاحب ساحب” ، فالجليس الصالح سوف يأخذ بيدك نحو الطريق المستقيم، ومرافقة الجليس الصالح أمر من المولى عز وجل، ويظهر أثرها في كثير من الأمور، والآن كل إنسان معرض للفتنة في أي وقت لذلك نحتاج جميعًا لرفقة صالحة تسحبنا بعيدًا عن الفتن والمعاصي، وتدفعنا نحو الطريق القويم.
آيات عن الجليس الصالح
وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحثنا على اختيار الرفقاء الصالحين:
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهة يريدون وجهه، ولا تعدوا عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا”
سورة الكهف
(28).
ويقول تعالى:” وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثًا غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد مع بعد الذكرى مع القوم الظالمين” صدق الله العظيم.
ويقول المولى عز وجل:” اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” صدق الله العظيم.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”
ويقول الحديث الشريف” لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي”[1]
وفي الآيات والأحاديث الشريفة توجيه بعدم مصاحبة الفاسقين، ومرافقة الصالحين، والصلاح هنا هو الصلاح الظاهري، لأن الله تعالى وحده هو أعلم ما في القلوب، فإن ظهر لك من شخص علامات الصلاح رافقه مالم يظهر مع الوقت أنه غير ذلك.
علامات الجليس الصالح
- أن يكون من المصلين.
- أن يتجنب الكذب ويتحرى في كل أحاديثه.
- أن يتجنب الحديث عن الناس بالسوء.
- أن يكون كريمًا حريصًا على إخراج زكاته والتصدق.
-
من صفات الجليس الصالح
أن يأمرك دائمًا بالمعروف وينهاك عن المنكر حتى لو كان سيغضبك.
أثر الجليس الصالح
إن أثر الجليس الصالح يظهر في كل أمور الدنيا والآخرة، ومن تأثير رفقة الصالحين:
يدفعوك دائمًا للطريق المستقيم والابتعاد عن الموبقات.
إذا كنت ممن يتكاسل عن الصالحين، فإنه سوف يدفعك دائمًا للحفاظ على صلواتك،وهذا سوف يظهر أثره في حياتك الدنيا والآخرة.
إن الرفيق الصالح لا يترك رفيقه في أي أزماته أو أي مشاكل تقع بها سواء مشاكل مادية أو اجتماعية.
إن الجليس الصالح سوف يدفعك دائمًا على بر والديك ورعاية أبنائك، وإذا رأى منك تقصير في حق والديك سوف ينصحك ويحثك على أداء واجباتك نحوهم.
قد يعرفك الجليس الصالح على أصدقاء آخرين صالحين، فتزداد دائرة معارفك الصالحين.
إن الرفيق الصالح سوف يستر عيوبك، ولن يفضحك إذا رأى منك تصرف خاطئ بل سيحرص على إبداء النصح ومحاولة إثنائك عن هذا التصرف في السر.
إذا قررت أن تشاركه في تجارة أو أحد الأعمال فإنه لن يخونك، وسيكون أمينًا معك.
أثر الجليس السوء في الدنيا والآخرة
الجليس السيء قد يكون له أثر في حياتك أكبر بكثير مما تعتقد، وخاصة في حياة المراهقين الذين يتأثرون تأثرًا كبيرًا بأصدقائهم، ونحن نسمع كثيرًا عن قصص لمراهقين انتهت حياتهم نهايات مأساوية بسبب التصرفات التي دفعها إليهم أصدقائهم.
صفات الجليس السوء
- تراه لا يحرص على الصلوات أو الصوم أو العبادات.
- يتحدث كثيرًا عن الناس في غيابهم.
- يمكن أن يكون جالس مع أحد الأصدقاء ويبدي له الود، لكن بمجرد انصرافه يتحدث عنه بالسوء.
- يكون كثير الكذب، ويخلف وعوده باستمرار.
- تراه لاهيًا غير ملتزم في دراسته أو عمله.
- لا يحترم والديه، ولا يكون بارًا بهما.
- قد يكون مبذرًا مسرفًا وفي نفس الوقت لا يتصدق ولا يخرج زكاته.
آثر الجليس السوء
إن بداية تأثير جليس السوء تظهر دائمًا في فترة المراهقة، فمعظم المدخنين بدأوا التدخين في فترة المراهقة كتقليد أو بعد دعوة وإلحاح من أصدقائهم الآخرين.
قد يسوء الوضع إذا اندفع أصدقاء السوء لطريق الإدمان، لأنهم غالبًا سوف يؤثرون على كل من يرافقهم ويحاولون جره معهم في طريق الإدمان.
إن الرفيق السيء لن يأمرك بالخير ولن ينهاك عن شر على العكس، قد يشجعك على ارتكاب أفعال خاطئة، وقد يثبط أيضًا إذا هممت بفعل أمر جيد مثل الدراسة أو العمل أو حتى مساعدة الناس، وهذا سوف يجعلك فاشل في معظم أمور حياتك.
إذا كنت تمر بأزمة مالية أو تحتاج إلى المساعدة، فإن الرفيق السيء غالبًا سوف يتهرب من مساعدتك، وسوف تجد نفسك في النهاية تواجه مشكلات وحيدًا.
إن الرفيق السيء لن يحفظ أسرارك وسوء يحدث الناس بعيوبك، وقد يسخر منك أيضًا.
إن الإنسان السيئ يكون مكروه دائمًا من الناس، وعندما تصاحبه فإنك سوف تكون مكروه أيضًا من الناس.[2]
قصة قصيرة عن الصحبة السيئة
ومن أمثلة آثر الجليس السوء في الآخرة، قصة أبو طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام والذي كان رفيق لأبو جهل، وعند مرضه ذهب إليه النبي عليه الصلاة والسلام ليدعوه إلى الإسلام ودين التوحيد وأن ينطق كلمة واحدة حتى يدخل الجنة وهي كلمة لا إله إلا الله، لكن رفيقه أبا جهل الكافر ظل واقف أمامه يقول له يا أبا طالب أتترك دين عبد المطلب، فمات أبو طالب على الكفر.
قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الرجلين من بني إسرائيل
ومن أشهر القصص القرآنية التي تدلنا على أهمية مصاحبة الصالحين
قصة سيدنا موسى عليه السلام
، عندما دخل المدينة فوجد رجلين يتشاجران أحدهما هو من معارف سيدنا موسى عليه السلام، فاستغاث بسيدنا موسى، فتوجه عليه السلام للرجل الآخر فوكزه، فمات الرجل، ولم يكن سيدنا موسى يريد أن يقتله، بل كان يريد ردعه فقط.
فبات موسى عليه السلام خائفًا من أن ينتقم منه أهل القتيل، ومع ذلك فإن هذا الرجل الذي استغاث به ودفعه للقتل الخطأ تشاجر مرة أخرى واستغاث بسيدنا موسى عليه السلام، فما كان من سيدنا موسى إلا أن لامه وقال له إنك لغوي مبين لأن موسى عليه السلام أدرك أن هذا الرجل هو رفيق سوء يكثر التشاحن مع الناس ويحاول غوايته إلى طريق الشيطان.
ولما حاول موسى إبعاد الرجل الآخر، عن صاحبه قال له الرجل إنك تريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس.
وتستمر القصة القرآنية ولنتعلم منها أيضًا أثر الرفقة الصالحة، حيث أن رجلًا صالحًا من معارف موسى عليه السلام علم أن فرعون علم بما فعله موسى مع الرجل القبطي، فقرر أن يبطش به، فأسرع هذا الرجل إلى موسى عليه السلام ليحذره وينصحه بالخروج من مصر.
وفي تلك القصة رجلين أحدهما كثير الشجار مع الناس فجعل موسى يقتل الرجل بالخطأ وعرضه للقتل من فرعون، والرجل الآخر علم أنه في خطر فحذره ونصحه أيضًا بأن يبتعد عن هذه البلدة حتى يتجنب كل الفتن والمحن التي يمكن أن تصيبه إذا بقى.