الموشحات الاندلسية نشأتها وتطورها
تعريف الموشحات الاندلسية
الموشح هو كلام ينظم على وزن مخصص، وجاء أسم الموشح من الوشاح، وهو رداء على العنق يتميز بالزينة والزخارف، وكان قديماً يرصع بالجواهر، وهو لا يسمى بالقصيدة، لكي يتميز عن الشعر المنظوم لأن الموشح له وزن مختلف وله قوافي متعددة.
ويعرفه أحمد ضيف في كتابه بلاغة العرب في الأندلس ص 224 بأنه “أصل الموشح من الوشاح وهو عقد من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر تتوش حبه المرأة، والشبه بين الموشحات والوشاح ظاهر في اختلاف الوزن والقافية في الأبيات، وجمعها في كلام واحد”[1].
نشأة الموشحات الأندلسية
- الموشح هو فن شعري نشأ في الأندلس[2].
- بدأت الموشحات في القرن الثالث الهجري.
- في بداية نشأة الموشحات لم يكن الموشح كما هو الأن، فكان في بدايته، بسيط وغير واضح الملامح.
لأن في بداية نشأة الموشحات لم يكن الموشح علم قائم بذاته، فلم يتعرف الباحثين عن أول من صنع الموشحات، ولا يمكن تحديد السنة بعينها، مما سمح لتعدد الأقاويل حول ذلك الشأن.
قال أبن بسام، أن اول من صنع وزن الموشحات وطريقتها هو محمد بن محمود القبري الضرير.
بينما يقول بن خلدون أن أول من أخترع الموشحات في جزيرة الأندلس هو مقدم بن معافي الفريري، وهو احد شعراء الأمير عبد الله بن محمد المراوني، وخلفه في هذا الفن أبو عبد الله بن عبد ربه الاندلسي، الذي ألف بعد ذلك كتاب العقد.
أما عن الرجلان الذي أرجع لهم أبن خلدون وابن بسام هم من الأندلس من قرية تسمى القبرة، وكثيراً من الناس قالوا قد يكونوا شخص واحد في النهاية، ولكن ما يهم أن لا يوجد أثر من أي من الموشحات التي كتبها أيًا منهم، إذ يقول أبن خلدون رغم أنه كتب الكتب إلا أنه لم يكتب أي من الموشحات في كتبه.
أما أبن بسام نفسه، فقد كان يلقي الموشحات، إلا أنه لم يرد أي منها في اشعاره، وذلك لأنها كان يعتبرها ليست من الأشعار الرصينة التي تليق بلغة العرب حينها.
ويرجع الدكتور أحمد هيكل، سبب نشأة الموشحات في أن تلك الفترة التي كان يحكم فيها الأمير عبد الله المرواني، ازدهرت الموسيقى، والغناء، كما أن الاحتكاك العربي بالجانب الاسباني كان له تأثير كبير على نشأة الموشحات.
يرجع الكثير من المؤرخين أن نشأة الموشحات، كانت ضرورة للشعور بحاجة فنية جديدة، إذ أن الاسبان لديهم ولع كبير بالموسيقى والغناء، فمنذ أن قدم إليهم زرياب وأشاع فيهم الفن، وجعلهم يعشقوا الفنون بكافة أشكالها، فكان هناك حاجة قوية لنشوء فن أسباني خاص بهم جديد.
وتعتبر الموشحات نتيجة اختلاط الثقافة العربية وبالحضارة الاسبانية.
أما عن نشأة الموشحات فقد أثارت جدل كبير، حيث ان الكثير من الناس ارجعوها إلى الثقافة الفرنسية، لأن هناك فرق من التروبادور كانت تسكن في اسبانيا، وكانوا يغنوا للشرفاء من القوم، ويقيموا الحفلات الكبيرة، وكانت تغني تلك الفرق أغاني ليس لها قوافي ولا وزن، ولكنها كانت مقاطع صوتية تشبه الأوزان والقوافي الفرنسية، ولكن لا دليل قوي على هذا الرأي، فهو رأي باطل وغير منصف، ولا يوجد أي نصوص بقيت من تلك الأغاني لكي يتم الحكم عليها.
وهناك رأي أخر يرجع تلك الموشحات إلى الشاعر عبد الله بن المعتز العباسي، حيث إنها اول موشحة نعرفها وتصل إلينا، وهي أيها الساقي، ولم يقف الامر عند هذا فقد جاء من يكذب ذلك، ويقول ان هذا الموشح لصاحبه أبو بكر بن زهر الاشبيلي، وهناك من أتفق على ذلك من العلماء والباحثين وهم طه الراوي والدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والدكتور يونس السامرائي، والدكتور رضا محسن القريشي.
وهناك مجموعة من العلماء أرجعوا أصول الموشحات إلى المشرق، حيث قالوا أن أهل المدينة هم أصحاب نشأة الموشحات لاستقبالهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بنشيد طلع البدر علينا.
وتتعدد الآراء وتتعدد الأقاويل، ويبقى هناك الف رأي حول نشأة الموشحات، فهناك من قال أن أصلها أعجمي والغرب قالوا أن أصلها يهودي، وكثيراً ما قال أن أصلها سريالي.
ولكن تبقى نشأة الموشحات بأجماع الكل نتيجة لاحتكاك العرب مع الشعب الاسباني لا محالة.
تطور الموشحات الأندلسية
-
كانت بداية الموشحات الاندلسية مثلها مثل بداية أي فن جديد، لم يكن لها ملامح بارزة، حيث كانت أحد
الفنون المستحدثة في الشعر الأندلسي
[3]
.
- لم يوجد من الموشحات القديمة ما يمكن عرضة ودراسته، فهي كانت مثل الفنون الشعبية، تلقى في الطرقات وبين الشعراء وفي المجالس، فلم يهتم احد لتدوينها.
- ولكن ما وصفه الباحثين بانها كانت كلمات ركيكة، وموشحات بسيطة التركيب، لا يوجد فيها تعقيد.
- كانت تدور الموشحات قديماً حول مواضيع مجتمعية، مثل التحدث عن الخمر أو الطبيعة، كما شملت الغزل.
- كانت تنظم الموشحات كلها باللغة العربية، إلا ما تسمى بالخرجة فكانت تكتب باللغة الأندلسية فقط.
- قديماً كانت القوالب ثابتة لا تتغير، ويصف الباحثين أن جميع الموشحات كانت تتشابه.
- أما بعد ذلك فقد تطورت الموشحات بشكل كبير وعظيم وسريع.
- ومن أهم التطورات ما شهدته الموشحات في القرن الخامس الهجري، وذلك كان في ز عصر ملوك الطوائف، وأصبحت بعد ذلك لها فروع، وكان من بين أهم فروعها فرع الزجل.
- وبعد ذلك أصبحت جميع الموشحات تكتب بالفصحى، بينما جميع موشحات الزجل تكتب بالعامية.
سرعان من انتقلت تلك الموشحات إلى المشرق، حيث يعشق العرب الفنون، وخاصة تلك الفنون، كما أصبح هناك الكثير من فناني الموشحات في الشرق، الذين تغنوا وكتبوا ونظموا الموشحات نظماً.
ومن المشرق إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى أوروبا، حيث عرفت في إيطاليا بفن اللاودس وكان هذا الفن الديني، أي الموشحات الدينية، بينما الفن الغنائي فكان يسمى البالاتا.
اخذ فن الموشحات شكل مرتب ومنظم، وأصبح فن له قوالب وأصول وطريقة في الكتابة والإلقاء.
كما أصبح بعد ذلك لكل بلد طريقتها في الموشحات، كأنه ثقافة وفلكور خاص بالدور.
خصائص الموشحات
- بساطة التركيب اللغوي.
- استخدام التشبيهات، وفنون البلاغة والأدب.
- الجمع لبين الفصحى والعامية.
- تناول مواضيع إيجابية وجذابة، كما يفضل ان تكون مواضيع مجتمعية وحياتية.
- مراعاة التركيب اللفظي والإيقاع الموسيقي.
- بساطة اللفظ، فكاتب الموشح يكتب للبسطاء والمثقفين.
- يجب مراعاة نعومة اللفظ حيث أن الموشحات تغنى بعد ذلك، فيجب أن تكتب بطريقة تليق.
- استخدام الصور الفنية المتعددة والوصف والتشبيه.
- مراعاة ألا يكون النص رقيق وغير هادف.
- يتكون الموشح من شطر واحد وليس بين كالقصيدة.
- استخدام جميع أنواع المحسنات، كالبديع والطباق والمقابلة والجناس.
- تنوع القوافي، فهو ليس بقصيدة، حيث يمكن للكاتب التحرر من القوافي تارة والانتظام تارة.
- الموشح يتكون من خمس فقرات، كل فقرة تتكون من مجموعة من الشطور جميعها تسمى بيت.
- يجب أن البيت كله يتوازن في القافية، بينما لا يجب أن يتفق مع غيره من الأبيات الأخرى.
أغراض الموشحات
كان لنشأة الموشح كما ذكرنا أصول وأسباب، وكانت أهم تلك الأسباب الاستجابة لوجود فن جديد بعد معرفة الاسبان بوجود فنون الغناء على يد زرياب والشعر والنثر[4]
الغزل
- وهو أحد الحاجات التي أدت لظهور الموشحات الاندلسية، ويقصد بالغزل العواطف والشعور بالرغبات واللواعج النفسية.
- يتغنى الشعراء بالكلمات التي يملأها الطرب، والتي تحمل المعاني الوجدانية المميزة.
- ويحكى في هذا الأمر أن اجتمع مجموعة من الرجال ليلقى كل منهم بموشحه ، وكانت الموشحات في ازهى أشكالها، وقام رجل يسمى الأعمى التطيلي، وألقى بموشحه فقام كل الحضور بتمزيق الوشاح الذي على أعناقهم، دلالة على الطرب والاعجاب الشديد بما القاه الرجل من موشح غزلي.
الرثاء والهجاء
- كان من أهم أنواع الشعر والنثر عند العرب الرثاء، فعندما ظهرت الموشحات، فدخلت ضمن سباق الرثاء، ولكنها لم تكن في مقدمة الفنون، حيث تميزت بندرتها تجاه ذلك الفن، ويرجع ذلك إلى أن الموشحات تعرف بالإيجابية والحب، وكتبت في الغزل والمدح.
- كما تميزت الموشحات بالكلمات الرقيقة وكان ذلك نم أهم خصائصها، وعرفت بعذوبة الكلمة والمعنى.
- كما إنها لم تكن ضمن الفنون التي اتقنت الهجاء، فهي دوماً تعرف بالطمأنينة والسكون، وتميزت بالنعومة اللفظ ورقة العبارة.
المديح
كان القصائد التي تشمل المديح تكتب من أجل التكسب والتربح، وكان مكانها قصور الأمراء والخلفاء، وكانت تلقى في الحفلات والمناسبات، من اجل تفخيم الأمير او الخليفة.
وصف الطبيعة
كان من أهم أغراض الموشحات، وصف الطبيعة والتغني بجمالها، كما أن لا احد يمكن أن يجهل بحب أهل الأندلس للطبيعة الخلابة، كما أن بلادهم وجمالها الطبيعي وخضارها وأشجارها، لا يمكن أن يتجاهله أحد، مما جعل الموشحات التي تنظم من أجل الطبيعة كثيرة ومميزة، وتعتبر من اجمل ما كتب من موشحات في تلك الحقبة.