من هم السلف و الخلف

يكثر استخدام كلمة السلف و الخلف في أكثر من موضوع للنقاش، و هناك أكثر من تفسير و معنى، فقد يُراد بهما مجرَّد الدلالة اللُّغوية التي تَعني السبق والمتابعة، فالسلف بمعنى من سبق وتقدَّم، وبمعنى ما مضى، وأما خلف، فنقول خلف فلانًا خلفًا جاء بعده فصار مكانه، سواءً في السير، يعني ساروا قبلنا، أو في السن أكبر منا، أو في الفضل، أو في الرحيل والمغادرة عن الدنيا. كما ذكر في القرآن الكريم: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ﴾، سورة المائدة: 95، ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ سورة مريم: 59]، و نقول أيضا العِوَض والبدل. كما حدَّد ابن تيمية مفهومَ السلف بما يفيد أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم. لنتعرف أكثر على دلالة هاتين الكلمتين من خلال هذا المقال.


تعريف السلف و الخلف

هناك التعريف المرتبط بالزمان و المنهج، فالتعريف المرتبط بالزمان كما عرفهم الكثير من الفقهاء والمقصود بهم القرون المفضلة هم قرن الرسول صلى الله عليه و سلم، ثم التابعين الصحابة، ثم التابعين لهم بإحسان. هؤلاء هم الذين ذكرهم رسولنا المصطفى، ثم هناك التعريف المرتبط بالمنهج، فهو المنهج الذي ارتضاه الله لرسوله الكريم وانتهجه الصحابة من بعده. أما الخلف فهم من جاءوا بعد القرون الثلاثة الذين عاشوا بين عامي البعثة النبوية، وتمام عام ثلاثمائة للهجرة، وتشمل هذه المدة نحو خمسة أجيال من المسلمين، الذين يغلب عليهم صلاح المعتقد والسلوك فساروا على منهج النبوة بخلاف من جاء بعدهم.

كلمة “السلف” في اللغة تعني كل من سلفك و سبقك من أبائك و أجدادك وشيوخك ومن سبقونا بالإيمان بالله و برسوله و كتابه و بالعمل بذلك، أولئك هم السلف وبالنسبة للتابعين سلفهم هم الصحابة وبالنسبة لتابع التابعين سلفهم الصحابة و التابعون، وبالنسبة لنا الصحابة و التابعون و تابع التابعين هم سلفنا لأنهم سبقونا إلى هذه العقيدة، ويقابلها: “الخَلَف” بمعنى الآتي فيما بعدُ. وأما في اصطلاح العلماء، فإن كلمة “السلف” تعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والتابعون، وتابعوهم أهلُ القرون الثلاثة المفضَّلة كما ذكرنا، الذين زكَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،

ثُمَّ يَجِيءُ


أَقْوَامٌ تَسْبِقُ


شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ،


وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ. رواه البخاري و مسلم. [1]

والسلف الصالحون لهم منهج في الاعتقاد والعمل يميزهم عن غيرهم، وكلُّ مَن وافقهم وسار على منهجهم ممن جاء بعدهم، فهم السلف الصالح. ويُطلَقُ الخلف على من جاء بعد السلف ، فإن خالفهم في منهجهم في الاعتقاد والعمل فهو خلف غير صالح ومذموم غلب عليهم الابتداع وسوء المعتقد والعمل، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة مريم “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا”. صدق الله العظيم.  و أما قول الداعي في دعائه: “اللهم اجعلنا خير خَلَف لخير سلف”، فإنه لا يقصد المعنى الاصطلاحي لكلمة “الخلف” بل يقصد المعنى اللغوي وهو يخص الزمن فحسب.


الفرق بين علم السلف و الخلف

السلف هم أهل السنة والجماعة العاملون بمقتضى النصوص، والذين لا يخرجون عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في العقيدة وفي العمل وكل من كان على نهج السلف فهو من السلف، وإن كان معاصراً حياً بين الناس حتى تقوم الساعة.

بينما الخلف المقصود به جماعة المتكلمين ومَن تابع منهجهم ومنهج الفلاسفة، وابتعد عن منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساروا على غير نهجه، فأسسوا بعض المذاهب و البدع الجديدة في سائر أمور الاعتقاد ففسدت فطرتهم و ضلت عقولهم بسبب ما درسوه من علم المنطق والفلسفة والكلام، فاختلطت هذه الثقافات، والأفكار، بتعاليم الإسلام وثقافته، وحاولوا الجمع بينهما، ولكن كان هذا على حساب نقاء تعاليم الإسلام وتوجيهاته، فشوهوا جماليته و صفائه، وأما السلف الصالح فكانوا بمنأى عن كل ذلك، ولهذا تميز فهمهم للدين بالأصالة و النجاة من التبديل والتحريف.

فالخوارج و الشيعة من الخلف، ثم القدرية والجهمية والمعتزلة، ثم الأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري والماتريدية نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي منصور الماتريدي. فمذهب الخلف هو مذهب أهل البدع إلى يوم القيامة. و هناك اتفاقًا بين أهل السنة والجماعة من جميع الطرق على أن خير القرون ما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة مِن دين وعلم وعمل، وإيمان الخ.. وما أحسن ما قاله الشافعي رضي الله عنه في رسالته: (هم فوقنا في كل علم وعقل، ودين وفضل، وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير مِن رأينا لأنفسنا، وما عند السلف من العلم والإيمان هو ما استفادوه من نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي أخرجهم الله به من الظلمات و الجهل إلى النور وطريق الحق. [2]

بالتالي لفظ الخلف، لا يعني مجرَّد التأخُّر في الزمن، ولكنه يضم البُعد عن منهج السلف في العلم واتِّباع منهج الجدل العقلي وغيره من طرق ابتدعها البشر أنفسهم، في التفكير الذي لا يستند إلى كتاب أو سنة. و الفرق بينهم مثل النور و الظلام فالسلف عرفوا الجاهلية فاجتنبوها، بينما جهِل الخلفُ الجاهليةَ فوقعوا فيها.


تحزيب القران بين السلف و الخلف

في حـين كان تحزيب القران معلوماً عند السلف فقد أصبح من السنن المهجورة عند كثير من طلاب العلم فـضـلاً عن عـامـة الـنـاس، و مـعـنى ذلـك أن يجـعـل الإنسان لنفسه نصيباً يومياً يقرؤه بالتزام، بحيث يختم القرآن في كل شهر، أو عشرين، أو عشر، أو سبع، أو غير ذلك. فتحزيب القران أو ختم القران قام السلف بتقسيمه على سبعة أقسام و المقصود بالحزب هنا جزء من القران أو الورد وهو قراءة القران في سبعة أيام أو ليالي. فقد كان الصحابة وغيرهم يقسمون القرآن على أيام الأسبوع ويجعلون لكل يوم كمية معروفة يسمونها حزبا، فكانوا يجعلونه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل من سورة ق إلى سورة الناس. وهذا التقسيم تم على يد نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وتحت إشراف الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان، فهو الذي أمر بتشكيل القرآن وتحزيبه ، وكان هذا التقسيم لتسهيل الحفظ والمراجعة. بينما الخلف التقسيم الذي جاء من بعدهم إلى ستين حزب كما هو موجود الآن في القرن الكريم. [3]


الفرق بين السلفية و السلف الصالح

السلف ليسوا هم السلفية المعاصرة ولا شك، فالسلف هم أصحاب القرون المفضلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم فقط من الأئمة الذين يقتدى بهم هؤلاء هم السلف الصالح ومن اتبعهم فهم مثلهم، والسلفية نسبة إلى السلف، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: سلف، السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف..المتقدمون.

قال الله تعالى:فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً

وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ. [الزخرف:56]،


أي معتبراً متقدماً…ولفلان سلف كريم: أي آباء متقدمون، جمعه: أسلاف وسلوف…

و السلفية هي المدرسة التي تلقت العقيدة والمنهج الإسلامي من الكتاب والسنة طبقاً لفهم السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وأبرز خصائص أتباع هذه المدرسة ‘السلفيين’ التمسك بمنهج النقل، ولهذا يعرف أتباعها أيضاً بأهل الحديث أو أهل الأثر.. تمييزاً بينهم وبين من انسلخ عن هذا المنهج. ‘أي المنهج السلفي’ في الاعتقاد والسلوك والاستدلال والنظر فهو المنهج الحق، و هو المنهج الذي يجب على كل مسلم إتباعه، بالتالي السلفية يقصد بها إتباع رسولنا المصطفى و السلف الصالح فيما كانوا عليه من نهج إسلامي صحيح، والسلف الصالح يقصد بهم الصحابة الكرام وتابعوهم ومن تبعهم بإحسان، لأن النبي صلى الله عليه سلم خص قرنه وقرنين بعده بالخيرية فقال صلى الله عليه وسلم “إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم  فالسلفية ليست من الفرق التي انقسمت إليها أمة محمد صلى الله عليها وسلم بينما الحنفية أو الشافعية أو الحنبلية أو المالكية لا تدخل تحت الفرق ، لأن هذه مذاهب فقهية اتفقت في النهج ولكنها اختلفت في الفروع. [4]

لماذا نتبع السلف الصالح

كثيرة هي الأسباب التي تدعونا إلى إتباع السلف والدعوة إلى ذلك، فتلك القرون قد حظيتْ بثناء الله – تبارك وتعالى، وتزكية رسوله صلى الله عليه وسلم، فذكرهم الله في كتابه العزيز ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال أيضا سبحانه: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 8 ، 10].

وأما الأحاديث النبوية فنكتفي بقول رسولنا الكريم “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم”، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسَه إلى السماء، وكان كثيرًا ما يرفع رأسه فقال: (النجوم أَمَنَةٌ للسماء، فإذا ذهبَتِ النجومُ أتى السماءَ ما تُوعد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يُوعدون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأمَّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمَّتي ما يُوعدون. [5]

أمر إلهي صريح، ونصّوص نبوية صحيحة،  أمرتنا باتباعهم والاهتداء بهديهم، وتوعَّد الله مَن يُخالف سبيلهم بالعذاب الأليم وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

بالتالي يتضح بصورة قاطعة أن الله تعالى يأمرنا بإتباع سبيل السلف ومنهجهم وهديهم وفهمهم للدين وتطبيقهم له، بل ويُهدد مَن يخرج عن سبيلهم بأشد عذاب وعقاب، و قد علم رسولنا الكريم بما سيحدث و أخبر الصحابة أن الأمَّة بعده ستختلف اختلافًا كثيرًا وتتفرق، وستتمزَّق شيعًا وأحزابًا ضالة، و يسلكون طريق الظلال، فدلهم على طريق النجاة و السلامة و هو التمسك بسنته و هي الشريعة و المنهج، و التمسك بسنة أصحابه و أتباعه، و هذا ما يجب أن يقتدي به كل مسلم يريد الآخرة و رضى الله و رسوله.