مفهوم الرحمة في الإسلام
الرحمة
خُلق نادر في عصرنا الحالي، حيث أصبح الناس يتصفون بالقسوة، وذلك كان سببا في انتشار الجرائم والرذائل، بالإضافة إلى كثرة القتل وعظم الدمار، وكل يوم نسمع عن حادثة قتل جديدة، وعن بلاد نزلت عليها قنابل فتاكة ودمرتها، ولكن ما السبب، ماذا حدث جعل العالم يتغير بهذه الطريقة البشعة التي تخلو من الانسانية، الإجابة هو افتقادنا للرحمة وغيابها من قلوب البشر.
معنى الرحمة لغة واصطلاحا
الرحمة: من رحمة يرحمه، وأصل هذه المادة يدلُّ على الرقة والرأفة.
وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضًا.
ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة.
وسميت رحم الأنثى رحماً من هذا؛ لأن منها ما يرحم ويرق له من ولد.
معنى الرَّحْمَة اصطلاحًا:
قيل معنى الرحمة هي رقة القلب والنفس، وهي مجموعة من العواطف والانفعالات، التي تظهر على الشخص عندما يدرك الفرح مثلا عند شخص آخر فإنه يظهر عليه السعادة، وعند الشعور بالألم يظهر على الشخص أيضا الألم. [1]
معنى الرحمة في القرآن
جاءت كلمة الرحمة في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وعددهم ثمانية وستين ومائتين (268) موضع،وهم:
-
أكثر مواضعه بصيغة الاسم، نحو قوله سبحانه: {إنه هو التواب الرحيم} (البقرة:37).
-
وورد في أربعة عشر موضعاً بصيغة الفعل، نحو قوله سبحانه {قالوا لئن لم يرحمنا ربنا} (الأعراف:149).
-
الرحمة صفة لله عز وجل، وهي أكثر ما ورد في القرآن الكريم، نحو قوله عز وجل: { ورحمتي وسعت كل شيء } (الأعراف:156)، وقوله سبحانه: {وربك الغني ذو الرحمة} (الأنعام:133).
-
الرحمة بمعنى (الجنة)، قوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله} (البقرة:218).
-
الرحمة بمعنى (النبوة)، قوله سبحانه: {والله يختص برحمته من يشاء} (البقرة:105)، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يختص برحمته: أي: بنبوته، خصَّ بها محمداً صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {وآتاني رحمة من عنده} (هود:28).
-
الرحمة بمعنى (القرآن)، قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (يونس:58). فـ (الرحمة).
-
الرحمة بمعنى (المطر)، قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} (الأعراف:57)، قوله عز وجل: {فانظر إلى آثار رحمة الله} (الروم:50).
-
الرحمة بمعنى (النعمة والرزق)، قوله سبحانه: {أو أرادني برحمة} (الزمر:38)، وقوله أيضا: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} (الإسراء:100)،وقوله عز وجل: {ما يفتح الله للناس من رحمة} (فاطر:2).
-
الرحمة بمعنى (النصر)، من ذلك قوله تعالى: {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} (الأحزاب:).
-
الرحمة بمعنى (المغفرة والعفو)، قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} (الأنعام:54)، وأيضاً قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (الزمر:53)، أي: لا تيأسوا من مغفرته وعفوه.
-
الرحمة بمعنى (العطف والمودة)، قوله سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح:29)، وقوله عز وجل: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} (الحديد:27).
-
الرحمة بمعنى (العصمة)، قوله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} (يوسف:53).
-
الرحمة بمعنى (الثواب)، قوله سبحانه: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} (الأعراف:56).
-
الرحمة بمعنى (إجابة الدعاء) قوله سبحانه: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} (مريم:2). [2]
الرحمة في الإسلام
أول ما لفظ آدم هو الحمد “لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ -إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ- فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ”. أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أوضح الإسلام أن الأصل في العلاقة بين الناس كلهم العدل والرحمة: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو لكفار قريش بالخير، ويحبه لهم، ويقول: “اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”
وقد بعث الله رسوله رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ: “لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ” ( البخاري)
وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر قائلاً: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلاَّ عَلَى رَحِيمٍ”. قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم. قال: “لَيْسَ بِرَحْمَة أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ؛ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً”
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: “ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ” [3]
وقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار لأنها قَسَتْ على هِرَّةٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: “دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ” (البخاري).
كما تكلم صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل غفر لرجل رحم كلبًا فسقاه من العطش، فقال صلى الله عليه وسلم: “بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ؛ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ”. قالوا: يا رسول الله، وإنَّ لنا في البهائم أجرًا؟ قال: “فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ” ( البخاري).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن الجنة فَتَحَتْ أبوابها لزانية لرحمتها بكلب! فقال صلى الله عليه وسلم: “بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ” ( البخاري)، بالإضافة إلى كل هذه الأحاديث عن الرحمة في الإسلام، فهناك أيضا
قصص عن سعة رحمة الله بعباده
يتجلى بها مفهوم الرحمة .
الفرق بين الرحمة والشفقة
الفرق بين الشفقة والرحمة
واضح، فهناك فرق في التعريف والمشاعر، وإليك توضيح الفرق بينهما:
الشفقة : الاسم من الإشفاق، وهو الخوف ، والشفقة عبارة عن عناية يشوبها خوف، وفي القاموس : أشفق أي حاذر .
أما الرحمة، فهي التعطف والرقة، وهي مجموعة من العواطف، ولا يصاحب الرحمة خوف. [4]
أنواع الرحمة في القرآن والسنة
-
الرحمة بالأرملة والمسكين والبنات
قال النبي صَلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”.
وقالت عائشة – رضي الله عنها – :جَاءتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَىَ فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلُهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: “إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَو أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ”.
-
الرحمة بالصغار
قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: “مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ”.
وقدم ناس من الأعراب على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: “نعم” قالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال: “أو أملك أن كان اللَّه نزع من قلوبكم الرحمة”. [5]
-
الرحمة بالمسلمين كافة
قال الله عز وجل (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح:29].
“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
-
الرحمة بالحيوان
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”.
-
الرحمة بالحيوان الأعجم والطيور الصغيرة
وممَّا جاء به الإسلام من الرحمة، دعوته إلى رحمة الحيوان الأعجم، فقد قال صلى الله عليه وسلم حين مَرَّ على بعير قد لحقه الهزال: “اتَّقُوا اللهَ في هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْـمُعْجَمَةِ… فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً “( أبو داود، وصححه الألباني).
وقال رجل: يا رسول الله، إنِّي لأرحم الشَّاة أن أذبحها. فقال: “وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ” (رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني).
وأيضا الرحمة بالطيور الصغيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم يقول في عصفور: “مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ!” (النسائي وغيره). [6]