مفهوم شعر المدح وانواعه

أبواب الشعر العربي كثيرة منها المدح يعتبر غرض المدح من أهم الأغراض التي قال فيها شعراء الجاهلية شعرهم ، ذلك أن الإعجاب بالممدوح والرغبة في العطاء تدفعان الشاعر إلى إتقان هذا الفن من القول ، فيسعى الشاعر إلى قول الشعر الجيد الذي يتضمن الشكر والثناء ، وقد يكون المديح وسيلة للكسب ، والصفات التي يمدح بها الممدوح هي الكرم مثل

قصيدة مدح في رجل كريم

و الشجاعة ، مساعدة المحتاج والعفو عند المقدرة وحماية الجار .

شعر المدح

المدح و‌ الحمد لغة يشتركان في نفس الحروف ولكن بترتيب مختلف وتباين في المعنى ، وهذا يسمى في اللغة اشتقاق أوسط ، والمدح أعم من الحمد لأن المدح يكون بذكر الجميل الاختياري وغير الاختياري ، كأن تقول مدحت اللؤلؤ لصفاته ، فهنا الممدوح ليس مختاراً لصفاته ، والحمد أخص لأنه يكون بذكر الجميل الاختياري  فقط .

المدح هو ذكر المحاسن وهو الثناء بذكر الجميل ، والمدح لا يستلزم المحبة ، فالمدح هو إخبار مجرد ، وقيل المدح هو ذكر المحاسن بمقابل وبدون مقابل ، والمدح يكون بذكر الجميل الاختياري وغير الاختياري ، والمدح هو إحسان الثناء على المرء بما له من الصفات الحسنة .

المدح هو ذلك النوع من الشِّعرِ ، والذي يقتصرُ الغرضُ منهُ بالتَّغنّي بالقبائل قديماً وكذلك حروبهم ومآربهم ، حيث يُعتبرُ شعر المديح بوّابة واسعة في اللُّغة العربيّة والأدب العربيّ ، فالشِّعر في بدايتهِ كان مُرتبطاً في المدح ، ويوجد الكثير من القصائد التي تغنّت بالمدح للعديد من الأشخاص أو القبائِل .

نهجية شعر المدح

نهج شعر المدح منهجه ، فجري مع إعجاب الشاعر بشخصية الممدوح والتأثر بفضائله ومآثره ، أو الشكر ليد عليه لم يستطع أداء حقها إلا بالشعر تعظيماً أو تخليداً لها ، فلم يكن للشاعر مطمع وراء مدحه هذا ، ولعل خير مثال لذلك

قصيدة مدح

امرئ القيس بني تميم لما أجاروه ، فقابلهم الشاعر بالمدح وشكرهم تكريماً .

ومن قصائد المتنبي في مدح سيف الدولة

وقفت وما في الموت شك لواقف             كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمـة         ووجهك وضاح، وثغرك باسم

تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى              إلى قول قوم أنت بالغيب عالم

وقد اقتصر الشعر العربي القديم على الفخر والحماسة والمدح والهجاء والرثاء وأغراض أُخرى ، کالغزل ووصف الطبیعة والخمریّات والحِکَم والمواعظ ، فالمدح في الشعر القدیم کان من الأغراض الرئیسة لاتصاله بالحیاة القبلیّة ، حيث یُدافع الشاعر فیه عن قبیلته ویمدح ساداتها وفرسانها ولا یجد الشاعرغضاضة في هذا المدح لأنّه یعود إلیه وهو فرد من أفراد قبیلته .

شروط شعر المديح

کان شعر المديح في بدایة أمرها حُرة کغیرها ، لم تخضع لقرار ولم تعرف قیود ، أنشأتها الأحاسیس الصادقة وغَذتها القریحة الهائجة ، فلما استولى علیها المتكلفون وتوسل إلیها المتجرون ومَلَکها الناقدون ، أخذوها وغلّوها وخَضعُوها لِقواعد وأصولٍ وضعوها هم أنفسهم .

یقول قُدامة بن جعفر لما کانت فضائل النّاس من حیث إنهم ناس ، لا من طریق ما هم مشترکون فیه مع سائرالحیوان ، علی ماعلیه أهل الألباب من الاتفاق في ذلك إنما هي العقل والشجاعة والعدل والعفة ، وکان القاصد لمدح الرجال بهذه الأربع الخصال مُصیباً والمادح بغیرها مُخطِئاً .

یمكن أن یقتصر شاعر على بعض فلا یُعد مُخطِئاً بل مُقتصراً ، أو یتكئ على بعض ویُفرط فیه أکثرمِن غیره ، ثُم إنه لما رأی الشعراء قد تَفنّنوا في المدح وتناولوا فضائل أَخری ، کالقناعة والسماحة والحمایة والصبر على المُلمات وغیرها ، تکلّف في إرجاع هذه الصفات إلى تلك الفضائل الأربع .

شعر المديح وظروف المجتمع

جدیر بالذکر أن نعترف أن تیار الشعر العربي طوال تاریخه کغیره مِن الآداب جرى مع الظروف السائدة على بیئَته ، فانعكس علیه في کل عصر ما واجهته تلك البیئة من الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة والدینیة والاقتصادیة ، والمقومات الخَلقیِة ، ومن البدیهي أن الحیاة بأقسامها وکذلك القیم الرائجة فیها کانت دائماً في تطور وتحول ، فما راقه الإنسان منها أمس وأُعجِب به یكرهه الیَوم ویَطرده وما أَحَبّ أن یتصف به في الماضي وتنافس علیه یتَبَرّأ منه الآن وینفض ثیابه من غباره ، فالقِیم الممدوحة في العصر الإسلامي غیر القیم المقبولة في العصر الجاهلي ، فلا یَصح لَنا أن نعين لشعر المدح نطاقَاً خاص نُوصِي الشاعر أَن یُحافِظَ علیه وننقد شعره به .

الجزل في شعر المديح

من شروط المدیح أیضاً أن یكون أسلوبُها جزلاً ، وألفاظها نَقیةً مُختارة لا ابتذال فیها ولا سُوقیّة ، وأن تكون مُتوسِّطة الطول إذا قیلت في مدح عظیمٍ خَوفاً من سآمته ، وأن یُعطَی فیها کلِ شخصٍ حقَّه ویُوصَف بما یستحقّه ، فمثلاً یُمدح القائد بالجود والشّجاعة وما تَفرّع منهما ، والقاضي بما یُلائم مع العدل والإنصاف ، وتقریب المظلوم وتبعید الظالم ، والكاتب بحُسن الرویة وسرعة الخاطر وشدّة الحَزم وقِلّة الغَفلة وجَودة النظر للخلیفة والنیابة عنه في المعضلات بالرأي .

المبالغة في شعر المدیح

وصف عمر بن الخطاب زُهیراً بأنّه لا یمدح الرّجل إلاّ بما فیه ، ومعنى هذا أنّه یُثني بصدقه وبالتزامه الحقیقة ، فلا یتجاوزها فیحشوَ مدیحته بالغلوّ والإغراق والمبالَغة وما لا أصل له ، لكن النقاد اختلفوا في ذلك ، فطائفة منهم یُحسنون الغلوّ والمبالغة وغیرهما ،واُخری یرفضونها ، ویقف قُدامة نفسه بجانب الطائفة الأولى مُتمسِّكاً بأن أحسن الشعر أکذبه .

ومَهما یكن من أمر فقد کان الخلفاء یُحبّون المُبالغة والإغراق في مدحهم ، ویُجزلون العطاء فیهما ، اجتمع الشعراء بباب المعـصم ، فبعث إلیهم مَن کان منكم یُحسن أن یقول مثل قول النُمیري في أمیرالمؤمنین الرشید

إنّ المکارمَ والمَعروفَ أودیَة

أحلّک الله منها حیث تَجتَمعُ

إذا رفعتَ أمراً فالله رافعُه

ومَن وَضَعت مِنَ الأقوام مُتَّضِعُ

مَن لم یکن بأمین الله مُعتصِماً

فلَیسَ بالصَّلواب الخَمس یَنتفِعُ

إن أخلَفَ الغَیثُ لَم تُخلِف أنامُله

أوضاق أمرٌ ذَکَرناه فَیَتّسعُ .

أنواع شعر المدح

المدح التكسبى

أي أنَّ الشاعر يقوم بمدح غيرهِ من أجل كسبِ المالِ ، أو الجاهِ ، أو الرِّضا من الممدوح ، ويتميَّز هذا الشعر بفقرهِ للعاطفة الصادقة ، أي أنَّ الشعر الذي يُلقيه الشاعر على غيرهِ لا يكون نابعاً من مَحلِ القلب وهي العاطفة ، ومثال على المدح التكسّبيّ قول الشاعر أبي نواس في مدحة للخليفة العباسيّ هارون الرشيد ، وأَخفتَ أهل الشركِ حتى أنه لتخافك النّطف التي تُخلقُ .

المدح الصادِق

يَختلف المدح الصادق عن المدح التّكسبي ، فأنَّ الشاعر يُظهرُ العاطفة الصادقة حينما يمدح غيرهُ ، وتكون هذه العاطفة نابعة من القلب ، و يُظهر الشاعر مدى تأثّرهِ بأخلاق الممدوح ، ومثالاُ عليه هو مدح كعب بن زُهير للمهاجرين عندما قال ، يمشون مشي الجمال الزهو يعصمهم ضرب إذا رعد السود التنايل ، وتظهر لقصائد المديح أهمية عظيمة وهي أن يُحافظ شعر المديح على المنظومة الأخلاقيّة العربيّة ، بالإضافة إلى رسم ووصف الصُّور والصِّفات التي يرغب الشاعر برؤيتها في الممدوح ، ورسم النموذج الأخلاقي الذي من الواجب الاقتداء به .