تعريف التربية لغة واصطلاحا

إن التربية عملية ضرورية للإنسان في حياته الخاصة والعامة، باعتبارها سلسلة وشبكة متكاملة من القيم والأفعال والسلوكيات الإيجابية التي يُحدثها الكبار في الصغار بهدف تيسير وتسهيل إدماجهم في المجتمع ، و مساعدتهم على تغيير أوضاعهم وتحسين أفعالهم قصد التمكن من مهارات الحياة ، و كونها سبيلا يُيسر لهم التكيف مع محيطهم وتحقيق الانسجام والتناغم مع بيئتهم التي من مواصفاتها وخصائصها وأسسها التغير السريع والتحول المستمر ، وها نحن نحاول استكشاف حقيقة التربية وتوصيف حضور الممارسات التربوية في العلوم الإسلامية بإبراز أوصافها وإظهار خصائصها، وتعيين مكوناتها .

ما يعني مبدئياً أننا نعترف بشكل صريح وضمني بحضور الاشتغال بالعلوم الإنسانية ضمن المعارف الإسلامية ، وباستحضار علماء الإسلام لهذه العلوم تأصيلاً وتطبيقاً وتنظيراً وممارسة لأن العلوم الإنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب الإنسان مباشرة من حيث هو كائن حي يتكلم وينتج ويتفاعل مع الواقع المحيط به ، حيث له وظائف متنوعة وحاجيات متعددة ، وأحياناً  تكون هذه الوظائف متشابكة ومتداخلة .

كيف نعرف التربية لغة واصطلاحاً

لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم

علوم التربية

من أكثر المصطلحات تداولاً واستخداماً وشيوعاً بين الباحثين والدارسين والمتدخلين في العملية التربوية ، لكن مع هذا فهو من أكثر المفاهيم استشكالاً في التحديد والمقاربة والبيان والتعيين .

بل إن أكبر إشكال في التربية يكمن أساساً في إشكالية التعريف والتحديد بحيث اختلفت التحديدات ، وتعددت التعريفات وتباينت المقاربات لمصطلح التربية تبعاً لمرجعية المدارس التربوية في اختياراتها لمقاربة الظاهرة التربوية ، بحكم الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه التربية من جهة ، وبحكم تداخل عدد من العلوم وتواصلها مع هذا العلم الجديد المسمى بعلم التربية من جهة أخرى .

تحديد المفاهيم في علوم التربية

انطلاقاً من هذا السياق وعملاً بهذا المبدأ ، نقول في البداية إن تحديد المفاهيم والمصطلحات يُعد ضرورة منهجية في أي علم من العلوم ، على سبيل المثال

لماذا نقول علوم التربية وليس علم التربية

، وذلك لأن المفاهيم والمصطلحات هي مفاتيح العلوم منها تتشكل الأدوات المعرفية التي بها يتم الولوج إلى المعارف والحقائق العلمية .

فالمصطلحات ركن مهم في تحصيل المعارف والعلوم ، به يتأسس  البناء المعرفي لأي علم من العلوم ، بحيث لا تستقيم علوم التربية ولا تغدو مصطلحاتها واضحة المعالم وجلية في المكونات والدعائم والأسس  لدى متلقيها ومكتسبها  دون تحديد ووضوح هذه المصطلحات .

ما يدل أن البحث في المصطلح والاشتغال على المصطلح التربوي بشكل خاص شكل نظاما معرفيا خاصا قائما بذاته ، بحيث برزت ظاهرة المصطلح في كثير من الحقول المعرفية بما في ذلك حقل العلوم التربوية ، لأن هذا الوضوح والبيان من شأنه أن يخلق مساحة واسعة من الفهم والتواصل المشترك بين الباحثين ، و ييسر التفاهم بين المشتغلين بعلوم التربية .

تعريف التربية في اللغة العربية

إن التربية في اللغة العربية من فعل ربا يربو بمعنى نما ينمو ، وهو المعنى  الذي نجده في القرآن الكريم ، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، أي نمت ، و تربية الإنسان تعني تطور قواه النفسية والجسدية والعقلية والخلقية .

وفي اللغة الفرنسية التربية مشتقة من كلمة éducation  وأصلها اللاتيني educāre التي تدل على القيادة  والهيمنة  والإخراج  والتحول من حال إلى آخر ، كما تعني العلم المُعين على إخراج الطفل من حالته الأولية التي كان عليها  في البيت والأسرة ومساعدته على تحصيل الفضائل والقيم من المحيط القريب منه .

تعريف التربية في الاصطلاح

في الاصطلاح عُرفت التربية بعدة تعاريف منها تعريف روني اوبير،  إذ عرف التربية بأنها مجموع التأثيرات والأفعال التي يمارسها بكيفية إرادية ، كائن إنساني على آخر ، وغالباً ما يكون راشداً على شاب صغير ، والتي تستهدف تكوين مختلف الاستعدادات التي تقوده إلى النضج والكمال .

تعريف إميل دوركايم ، حيث أن التربية هي الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد للحياة الاجتماعية ، وموضوعها إثارة و تنمية عدد من الاستعدادات الجسدية و الفكرية و الأخلاقية عند الطفل ، والتي يتطلبها المجتمع السياسي في مجمله والوسط الخاص الذي يوجه إليه .

والقصد من التربية عند دوركايم هو إدماج الفرد في المجتمع  من أجل خدمة المجتمع الذي ينتمي إليه ، فلا قيمة للتربية إن لم يتمكن الفرد من امتلاك مهارات الحياة  ليواجه بها إكراهات الحياة وتقلباتها حتى يضمن استمراريته فيها .

تعريف الإمام الغزالي في كتابه أيها الولد ، حيث بين  أن التربية هي الفارق و الفاصل بين الإنسان والحيوان فهي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد و في صلاح المجتمع ، والسبيل إلى تحقيق التمدن والسعادة للإنسان والارتقاء من الحيوانية إلى الإنسانية ، وشبه الغزالي المربي بالفلاح، فالفلاح يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ليبقى على الصالح وكذلك المربي .

وشكل كتاب جون جاك روسو إميل أو التربية نقلة نوعية في الممارسات التربوية ، بحيث انتقلت هذه الممارسة من الخطاب النظري الفلسفي إلى ما هو تطبيقي ، أي التوجه نحو خدمة الفرد والمتعلم بصفة عامة أكثر من الاهتمام بالخطاب النظري .

مفهوم التربية في القرن العشرين

سيتغير مفهوم التربية خلال القرن العشرين من ممارسات نظرية يغلب عليها الخطاب والنقاش الفلسفي إلى خطاب تطبيقي علمي يتجه إلى خدمة العملية التعلمية التعليمية في جميع جوانبها ومستوياتها ، والفضل في هذه النقلة يعود إلى التطور الذي مس العلوم الإنسانية خاصة مع ظهور علم النفس المعرفي الذي اتجه بعلم لنفس نحو ما هو تطبيقي ، بل اتجهت العلوم الإنسانية إلى الاشتعال على كثير من القضايا ذات المنزع العلمي البيداغوجي الخادم للقضايا البيداغوجية والتربوية التطبيقية .

المسار العلمي لعلم التربية لدى الغرب

إن الرائج والذائع في الفكر التربوي الغربي هو ربطه التربية  بما هو نفسي سيكولوجي، فقد درج رُواد الفكر التربوي على حصر التربية في بُعدها السيكولوجي النفسي باعتبارها وسيلة لإيصال الفرد إلى أقصى ما يمكن من درجات الكمال الروحي البدني والمهاري المعرفي وِفق الشروط الثقافية الاقتصادية الاجتماعية التي ينتمون إليها ، بشكل اتسعت معه قيمة وأهمية العلوم الإنسانية في فهم، واستيعاب ومواجهات تحديات العصر ومشاكله ، وهي المشاكل التي أخذت تتزايد وتتنامى بفِعل الثورة الرقمية التي شهدها العالم  في الآونة الأخيرة .

نستخلص مما سبق أن التربية وعلومها لم تعد تهتم بما هو نظري بقدر ما اختارت الوِجهة التطبيقية الخادمة للعملية التعليمية بجميع أبعادها ومكوناتها ، لأن المجتمع في حاجة إلى هذه العلوم بحكم تعقد الحياة اليوم ، وقناعتها أن قيمة التربية تتحدد فيما تسديه للإنسان من خدمات تنفعه في حياته اليومية خاصة السعي نحو الرفع من كفاءات المعلم في الممارسات المهنية التي يؤديها ويمارسها في الفصل الدراسي .

المدلول اللغوي لكلمة تربية

كلمة تربية من حيث مدلولها اللغوي تنتمي إلى الجذر الثلاثي  رَ بَ وَ والفعل منه ربى وهو في جميع تصاريفه يدل على معاني النمو والزيادة ، يقول الله تعالى وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ، أي ليزيد في أموال الناس فإنه لا يزيد عند الله ، وسمي الربا ربا لما فيه من الزيادة على رأس المال .

يقول الله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات ،  أي ينمي الصدقات ويزيدها بمضاعفة أجرها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما ورد في الحديث الصحيح ، والربوة ما ارتفع من الأرض ، وسميت بذلك لما فيها من الزيادة التي بها ارتفعت عما جاورها .[1]