كيف نحافظ على حقوق الجار
الجار هو الأقرب في السكن من الأشخاص التي تعيش حوله ونتيجة لذلك القرب فهو الأكثر دراية بظروف جيرانه وما يدور لديهم في منازلهم فور وقوعه من خير وشر، سعادة وفرح أو حزن، بل أنه قد يكون عالم بأخبار جيرانه حتى تلك التي لا يعلمها أقرب الناس إليه من أهله وأصدقائه سواء قصد الجيران إخباره بها أم أنها وصلت إلى مسامعه دون قصد منهم، وقد جعل الدين الإسلامي للجيرة فضل وأهمية عظيمة، فالجار ذو الدين والخلق يكون أحد أسباب جلب السعادة والراحة للإنسان في منزله، بينما الإساءة إليه فيترتب عليها الشقاء في الحياة الدنيا، والإثم والذنب في الآخرة.
أنواع الجيران
الجميع يعيش إلى جواره أشخاص آخرين يخالطهم ويتعامل معهم، فلا غنى لأحد عمن حوله من الجيران، وقد كان العرب فيما مضى يفتخرون قبل الإسلام بحسن الجيرة وكرم الجار والإحسان إليه، فكان القيام بالواجب نحوه يتم على خير قيام، وعقب دخول الإسلام بينت أحكام الشريعة الإسلامية مدى أهمية الحرص على استمرار تلك الأخلاقيات السامية بمراعاة حق الجار على جاره.
أوجب الله عز وجل على عباده أن يتمسكوا بالإحسان إلى الجار البعيد منهم والقريب، الأعجمي والعربي، فلم يميزوا في ذلك بين لون ولون أو الدين والبلد التي ينتمي إليها فسواء كان مسلم أو غير مسلم تظل له مكانته واحترامه واعتباره، وعلى ذلك فإن الجيران أنواع وهما: [1]
-
الجار القريب المسلم:
وله من الحقوق ثلاث وهي (حق الجوار، حق القرابة، وحق الإسلام). -
الجار الغير مسلم القريب:
وله اثنين فقط من الحقوق هي (حق الجوار وحق القرابة). -
الجار الكافر:
(احتفظت له الشريعة الإسلامية بحق الجوار).
أهمية الجار في الإسلام
جاء الدين الإسلامي لكي يغير العادات التي كانت سائدة في العصر الجاهلي لدى الكفار من إساءة الجيرة وهو ما جاء في جواب جعفر بن أبي طالب للنجاشي حينما وجه إليه سؤال حول الدين الجديد الذي جاء به محمد، فقال جعفر مجيباً (أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّة، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ؛ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَار).
وقد جعل الله القيام بحق الجار والإحسان إليه سبباً في مغفرة الذنوب وهو ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاّ قَالَ اللَّهُ عز وجل: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ)، كما أنه سبب للمدح والثناء بالدنيا، بينما الإساءة إليه فإنها تجلب العقوبة في الآخرة والذم بالدنيا.
ومن أبرز ما يدل على أهمية حسن الجوار وحق الجار على جاره أن الله قد جعل الخطأ بحقه ذنب عظيم وهو ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُه، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ: فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ). [1]
ما هي حقوق الجار
حقوق الجار في الاسلام
متعددة وكثيرة وقد جاء ذكرها تفصيلاً في الشريعة الإسلامية، ومن بين حقوق الجار التي لا بد من مراعاتها والحفاظ عليها ما يلي: [2]
- مبادرته بالسلام والابتسام بوجهه.
- الدفاع عنه ورد غيبته حينما تتم الإساءة إليه في غير وجوده.
- مصاحبته إلى المساجد ومجالس العلم.
- الأخذ بيده في التفقه بالدين والعلوم الشرعية.
- الوقوف إلى جانبه وإقراضه المال إن اقتضت حاجته لذلك.
- إحسان الظن به والصبر على إيذائه إن بدر منه أذى.
- السعي بكل جهد على المصالحة بين المتخاصمين من الجيران.
- كف جميع أشكال الأذى عنه ومساعدته في حل ما يتعرض إليه من مشكلات.
- عيادته وزيارته بالمرض وتشييع جنازته عند موته.
- تلبية دعوته بالأفراح والمناسبات السعيدة، وعدم قطع الود عنه في باقي الأوقات.
- مواساته ومساندته للصبر على المصائب والأحزان.
- حمايته والحرص على إبقائه آمن، حفظ سره وستر عورته.
- الإحسان إليه دوماً فعلاً وقولاً.
حق الجار في القرآن
قال تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ)، “النساء: 36″، وقد قرن الإسلام حق الجوار بالإيمان بالله واليوم الآخر وهو ما بينه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرِم جارَه)، فقد جعل الدين الإسلامي حق الجار واجب شرعياً يثاب من يحرص عليه ويأثم من يتركه أو يفعل خلافه. [1]
حديث عن حق الجار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإحسان إلى الجار يجلب السعادة إلى المسلم في حياته بينما الإساءة إليه فهي سبب للشقاء بالدنيا والآخرة وهو ما ورد في قول النبي الكريم (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق). [1]
كما جاء في السنة النبوية أن الجار الأولى بالإحسان هو الأقرب باباً إلى جاره حيث ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت (قلت يا رسول الله: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: “إلى أقربهما منك باباً)، وعن عمر رضي الله عنه قال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ).
حقوق الجار وواجباته
غالباً ما يتناول ما يتم إجرائه من
بحث عن حقوق الجار
حق الجار فقط والإغفال عن إيضاح ما عليه من واجبات تجاه جاره وفي الواقع فإن حق الجار وواجبه هما وجهان لعملة واحدة فإن كان المسلم جار لمن هو قريب منه في السكن فإن ذلك القريب أيضاً جار عليه حقوق له وبالتالي فإن كلاً منهما يقدم ذات الحقوق ويتلقاها في صورة واجبات.
ومن خلال التزام كلاً من الجارين ومن حولهم من جيران بما شرعه الدين الإسلامي وجاءت به الشريعة في القرآن الكريم والسنة النبوية سوف يسعد كلاً منهم وبالتالي يسود السلام والأمن والاطمئنان بالمجتمعات جميعاً والتي تحمل رسالة واضحة جلية بمدى ما تحمله تعاليم الدين الإسلامي من أخلاقيات سامية يمتد أثرها إلى كافة جوانب ونواحي الحياة بالدنيا والآخرة.