كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما
ورد الأمر من الله تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما خاصة في كبرهما حيث يعد ذلك هو أكثر وقت يشعرون فيه بقلة الحيلة والضعف ويصبحان في حاجة إلى من يعتني بهما ويهتم لأمرهما، وقد جاء الأمر تفصيلاً في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم بما يجب فعله وما يجب الحذر من إتيانه من قبل العباد وعليهم أخذها في عين الاعتبار أثناء التعامل مع الوالدين، وإن كان ما سبق ذكره يتعلق بحياة الوالدين إلا أن البر يشمل كذلك مرحلة ما بعد وفاتهما، لذلك لابد من تعليم ذلك للطفل منذ الصغر عن طريق طرح
اذاعة عن بر الوالدين
بالمدرسة، و قصص عن بر الوالدين.
الأمر ببر الوالدين في الإسلام
في
مقدمة عن بر الوالدين
جاء الأمر ببرهما القرآن الكريم بقول الله تعالى (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) “سورة الإسراء، الآية 23″، حيث إن الوالدين في مرحلة الكبر والشيخوخة يكونان في حاجة إلى رعاية الأبناء والتي قد تصل إلى الرعاية الكاملة من حيث المأكل والمشرب والنظافة الشخصية والرعاية الصحية بما قد يجعل الابناء يستثقلون ذلك ويصيبهم منه الضجر والملل، لذلك قد يبدون الغضم والسأم وأحياناً ما يحدث أن يسب الابن أباه وأمه وما إلى نحو ذلك.
تلك الأمور كانت السبب في نزول أمر الله عز وجل بمنع الإنسان من إبداء أياً من الأفعال أو التفوه بالأقوال التي تدل على ملله أو تأففه منهم أو حتى أن ينهرهما على ما بدا منهم من تصرفات بإرادته أو خارجة عن إرادتهم وهو ما يجعلهم يبلغون أعلى مراتب البر في حياة الوالدين، وقد أمر الله إلى جانب ما سبق بالتواضع لهما والمداومة على الدعاء إليهما بالرحمة لما كان لهم من جزيل الفضل عليه وهو في صغره لا قوة له ولا حيلة وهو ما ورد في قول الله سبحانه (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، “سورة الإسراء، الآية 24”. [1]
كيفية بر الوالدين بعد وفاتهما
من فضل الله ونعمه على عباده أن فتح لهم أبواب البر إلى الوالدين حتى بعد وفاتهم وهي نعمة تشمل الأبناء والوالدين في الوقت ذاته لما للبر من شأن عظيم وأجر كبير من الله تعالى في الحياة الدنيا والآخرة، وقد حاء الأمر به في صيغة توصية واضحة جلية في القرآن الكريم بقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) في سورة لقمان الآية 14.
في
قصص عن بر الوالدين
وقد جاء قوم إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يسألونه عن بر الوالدين بعد وفاتهما هل يكون له سبيل فجاءت إجابته بالإيجاب قائلاً في الحديث الشريف (الصَّلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلَّا بهما، وإكرامُ صديقِهما)، حيث إن جميع ما قد ورد في حديث الحبيب المصطفى هو وجه من أوجه بر الوالدين عقب موتهما.
كما سأل أحد الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حول جواز إخراج الصدقة لوالدته التي توفاها الله فوافق النبي الحبيب على ذلك، كما زاد فقهاء الإسلام جواز أداء العمرة وفريضة الحج عن الابن الذي توفى والديه، ومما جاء في الذكر الصريح عن الحبيب المصطفى أن من الأعمال التي تزيد من حسنات المتوفي حتى بعد موته الولد الصالح الذي يدعوا له، بما يتضمنه من تنبيه إلى ما للدعاء من فضل عظيم يجنيه الوالدين بعد وفاتهم والذي يعد فضله أعظم حتى من أجر إخراج الصدقات، أو العمرة والحج إن كانا نافلتين. [2]
أوجه بر الوالدين بعد الوفاة
بر الوالدين من أعظم القربات وأهم المهمات وأجل الطاعات بينما عقوقهما فهو من أعظم الكبائر وأبشع المهلكات ومما يدل على ذلك أن الله تعالى قد أقرن الإحسان إلى الوالدين وحقهما على الأبناء بعبادته والإحسان إليه سبحانه في قوله جل وعلا بسورة النساء الآية 36 (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، كما قرن شكره سبحانه بشكرهما في قوله بسورة لقمان الآية 14 (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
وفي الغالب يركز الأبناء على بر والديهم بحياتهم وهم في غفلة من أن برهما يمتد غلى الوفاة ومن أعظم أنواع البر الذي يصل أجره وفضله إلى الوالدين بعد الوفاة ما يلي: [3]
الاستغفار للوالدين
والدليل على ذلك جاء في دعاء نبي الله عليه السلام حينما قال في سورة نوح الآية 28 (بِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وما دعا به إبراهيم عليه السلام ربه في سورة إبراهيم الآية 41 (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).
وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ)، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (تُرفع للميت بعد موته درجته. فيقول: أي ربِّ! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدُك استغفرَ لك).
الدعاء للوالدين
عن ابي هريرة رضي الله عنه أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، وفي الحديث الشريف دليل وإيضاح على أن عمل المتوفي ينقطع بعد موته وبالتالي ينقطع عنه الأجر والثواب إلى في حالات ثلاثة أبرزها دعاء الابن الصالح لأن والده كان السبب في صلاح خلقه وإرشاده نحو طرق الهدى.
قضاء الدين والنذر والكفارات
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ)، كما ورد عن عمرة بن العاص رضي الله عنهما أن النبي الكريم قال (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ)، مع أهمية قضاء النذر إن كان عليهما نذر في حياتهما مثل نذر الصيام، أو العمرة والحج وما إلى ذلك مما تشمله النيابة.
ومن الضروري أن يقضل الابن الكفارة عن والديه مادام كان عالماً بوجودها مثل كفارة القتل الخطأ، كفارة اليمين، وهو ما جائ ذكره في السنة النبوية عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يقول ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: “لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟”. قَالَ نَعَمْ. قَالَ: “فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى”.
تنفيذ الوصية وقضاء الصوم والصدقة
يعد تنفيذ الوصية واجب بل يجب المسارعة في التنفيذ ولكن هناك خلاف ما إن كان الإسراع مستحب أم واجب ولكن إن كانت في واجب فلابد من إبراء الذمة ولكن إن كانت الوصية في تطوع فيكون الإسراع من أجل وصول الثواب والأجر للمتوفي، كما ينبغي أن تنفذ الوصية قبل أن يتم الدفن على الأقل بمقدار الثلث.
أما عن الصوم ففي الحديث السابق ذكره عن ابن عباس أنه قال (دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى) وهو دليل على وجوب قضاء الصوم عن المتوفي سواء كان فرض أم نذر، وهو ما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ؛ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)، وهو ما يسري على الصدقات كذلك.