مفهوم الغش
معني الغش في
اللغة العربية
، هي خلط الشيء بغيره ، مما هو أقل منه في الثمن ، ومثال ذلك الغش في اللبن عن طريق خلطه بالماء ، أما الغش في الشرع والدين الإسلامي الحنيف معناه ، خلط الجيد بالرديء.
والغش مِن
كبائر الذنوب
، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله ، حيث قال (مَن غشنا فليس منا) ، وفي لفظ : (مَن غش فليس منى)، والغش خديعة وخيانة ، وضياع للأمانة ، وفقد للثقة بين الناس ، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام ، لا يزيد صاحبه إلا بُعدًا من الله ، والغش بجميع صوره ، له أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع ، ومن أجل ذلك سنذكر أسباب ظاهرة الغش وعلاجها في التالي.
أنواع الغش
-
الغش في المعاملات والبيع
،
ويتمثل الغش في البيع والمعاملات في التالي :
1- بيع المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية.
2- التلاعب في الأوزان ، كأن يكتب على العبوة وزنًا معينًا ثم لا يكون وزنها في الحقيقة كذلك.
3- تسويق بضاعة رديئة على أنها بضاعة جيدة ، وذلك بوضع العلامة التجارية للبضاعة الجيدة ، على الرديئة. [1]
4- بيع المواد الضارة بالصحة ، التي تسبب الأمراض المستعصية.
5- وصف مكونات المواد المصنعة بأوصافٍ غير حقيقية.
6- الغش في تنفيذ المقاولات وأعمال البناء ، مثل : تقليل الحديد والأسمنت في البنايات ، مما قد يتسبب في انهيار المبنى ، ومقتل سكانه ، أو إصابتهم بأذى.
7- بيع المصرَّاة من الأنعام ، ومعنى التصرية هو منع حلب ذات اللبن ، إظهارًا لكثرته حيث لا يجوز للمسلم أن يترك الناقة أو البقرة أو الشاة عدة أيام حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، ترغيبًا للناس في شرائها لأن في ذلك غشًّا للناس ، وقد نهانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه ، وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُصرُّوا الإبل والغنم ، فمَن ابتاعها بعدُ فإنه بخير النَّظرين بعد أن يحتلبها ، إن شاء أمسك، وإن شاء ردَّها وصاعَ تمرٍ).
8- بيع النَّجش ، والمقصود ببيع النجش : الزيادة في ثمن السلعة ، ممن لا يريد شراءها ليقعَ غيرُه فيها ، حيث لا يجوز للتاجر أن يتفق مع شخص ما أن يتقدم أثناء وجود المشتري ، فيرفع ثمن السلعة ، وهو لا يريد شراءها ، ليقتدي به المشتري ، فيظن أنه لم يرفع ثمن هذه السلعة ، إلا أنها تستحق ذلك ، فيغتر بذلك ، ويَزيد هو أيضًا في ثمن السلعة ، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه غشًّا للناس.
-
غش الراعي للرعية ، المقصود بالراعي : الحكام ، والرؤساء في المصالح الحكومية ، والرجل في أهل بيته ، وغيرهم ممن لهم الرعاية على غيرهم ، ويكون الغش بظلمهم ، وعدم النصح لهم ، وقد روى الشيخانِ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته
، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ وهي مسؤولةٌ عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في مال أبيه راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، فكلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته)..البخاري حديث: 2409/ مسلم حديث: 1829. - غش الرعية للراعي ، وهو غش الناس لولي الأمر ، ويكون بمدحه بما ليس فيه ، كأن يذكروا له إنجازاتٍ لم يصنعها ، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا وغير ذلك.
- الغش في القول ، الغش في القول يكون عند إدلاء الشاهد بالشَّهادة ، فيشهَد بشهادة فيها كذِب ، وقد روى الشيخان عن أبي بكرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبِّئكم بأكبر الكبائر! قلنا : بلى يا رسول الله ، قال:الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئًا فجلس فقال ، ألا وقول الزور، وشهادة الزور ، ألا وقول الزور، وشهادة الزور ، فما زال يقولها ، حتى قلت : لا يسكت.. البخاري حديث: 5976/ مسلم حديث: 87.
- الغش في التعليم والاختبارات ، الغش حرام بإجماع العلماء ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن غشَّ ، فليس مني ) ، وهذا عامٌّ يشمَل الغش في الامتحانات وغيرها ، فقد يغش الطالب في الامتحانات ويحصل على شهادة لا يستحقها ، ويتبوأ بها منصبًا وهو ليس أهلًا لذلك المنصب ، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل منحرف ، غير مؤهل لقيادة الأمة.
- الغش في الرسائل والبحوث العلمية ، من المؤسف أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثًا ، أو رسائل يحصلون بها على شَهادات علمية ، أو مَن يحقق بعض الكتب فيقول لشخص : حضِّرْ لي تراجم هؤلاء وراجع البحث الفلاني ، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك ، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة ، وهو نوع من الخيانة ، والغش لأنه لا بد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء.
أسباب الغش
تتمثل الأسباب الشائعة للغش بإيجاز في الأمور التالية ، ضعف الإيمان بالله تعالى وقلة الخوف منه ، جهل المسلم بحرمة الغش وأنه من الكبائر ، عدم الإخلاص لله تعالى في العمل ، الحرص على جمع الأموال من أي طريق كان ، عدم تطبيق الأحكام لمعاقبة مرتكبي جريمة الغش ، مرافقة أصدقاء السوء ، التربية غير السليمة التي تتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية ، عدم الرضا بالرزق المكتوب للمرء من الله تعالى ، عدم تذكُّر الموت والدار الآخرة. [2]
أضرار الغش والآثار المترتبة عنه
آثار الغش والأضرار المترتبة عليه يمكن ايجازها في الأمور التالية :
الغش هو معصية لله تعالى ولرسوله ، ولا يُفيد الغشاش إلا الوزر الواقع فيه ، والخزي العاجل والآجل إن لم يتب ، كما أنه دليل على أن نفس الغشاش خبيثة ، إضافة إلى أن الغاش يعد من الكذابين والخونة والظلمة ، والغش سبب لإضاعة حسنات الغشاش ، أو لحمل سيئات غيره ممن غشهم وأخذ أموالهم ، كما أن الغشاش مستهين بنظر الله تعالى إليه ، ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.
والغش يمحو البركة من عمل ومال صاحبه ، ويعتبر خيانة للأمانة التي كلف الله تعالى الإنسان بها ، وهو من
أسباب عدم إجابة الدعاء
، وسبب لقطع الصلات ، وزعزعة الثقة في المجتمع ، وإثارة الأحقاد والبغضاء بين الناس ، وسبب لنشر الفساد وتضييع مصالح الناس.
كما قد يتأثر أولاد الغشاش بسلوك أبيهم فيكونون غشاشين مثله، إلا من حفظه الله تعالى ، كما أن الغش يجعل صاحبه في النار ، إن لم يتُبْ قبل موته ، والغشاش يعتبر ممن يأكل أموالَ الناس بالباطل ، فهو ليس في قلبه رحمةٌ للمسلمين ، ولا يحب لهم ما يحب لنفسه.
تحريم الغش بكل أنواعه في القرآن والسنة
إن الإسلام يحرم الغش والخداع بكل صوره ، في البيع والشراء ، وفي سائر أنواع المعاملات الإنسانية ، والمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه [3]
تحريم الغش في القرآن الكريم
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) .. سورة الرحمن الآية 9. [4]
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)..سورة المطففين الآية من 1 :6.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ..سورة النساء الآية 58.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .. سورة الأعراف الآية 85.
تحريم الغش في السنة النبوية الشريفة
روى مسلمٌ عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مر على صبرة طعام ، فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللًا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال : أفلا جعلتَه فوق الطعام كي يراه الناس؟ مَن غشَّ فليس مني.
وروى مسلم عن معقل بن يسار المزني ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة.
وروى الشيخان عن حكيم بن حزام رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: البيعان بالخيار ، ما لم يتفرقا ، فإن صدَقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذَبا وكتَما مُحِقَتْ بركةُ بيعهما.
طرق علاج الغش
علاج الغش يكون بتضرع المسلم إلى الله تعالى بالدعاء بأن يكفيَه بحلاله عن حرامه ، والإخلاص في العمل لله تعالى ، كما يكمن علاج الغش في تربية الفرد تربية سليمة ، قائمة على الالتزام بأحكام الشرع الحنيف وآدابه ، وتقوية الثقة بالله تعالى واستشعار مراقبته سبحانه.
يمكن علاج الغش أيضًا بزيارة القبور ، وتذكر الموت واليوم الآخر ، والصبر في تحصيل الرزق الحلال بالوسائل المباحة ، وبالقناعة والرضا برزق الله تعالى ، وبمجالسة الرفقة الصالحة ، وبمعاقبة مرتكبي الغش لردعِهم عن ذلك.
والعلم بالحكم الشرعي بأن الغش حرام ، وتعليم الناس خطر الغش وتبيين صُوَره ، والنظر للعواقب السيئة للغش في الدنيا والآخرة.