مزايا التسامح في بناء المجتمعات
عند ال
تعبير عن التسامح
يمكن وصفه بأنه من أسمى القيم وأهمها، حيث أنه أسلوب حياة إذا اتصف به الإنسان حصل على السلام الداخلي، الذي يجعله يترفع عن الصفات السيئة، ويستطيع تجاوز الخلافات والمشاكل، والعفو عند المقدرة، وعدم رد الإساءة بمثلها، والتحكم في الغضب.
للتسامح آثار إيجابية كثيرة على الفرد والمجتمعات، فبه يقوى المجتمع وتنحل معظم المشكلات،ولذلك يجب غرس قيمة التسامح بين الأفراد والمجتمعات، وتتعدد صور التسامح، فهناك التسامح الديني، وهو احترام باقي الديانات المختلفة والقضاء على التطرف وممارسة الشعائر الدينية دون تعد من الآخرين، وهناك التسامح العرقي، والذي لا يسمح بوجود العنصرية العرقية، وهناك أيضا التسامح السياسي، والذي يحث على الديمقراطية، وهناك التسامح الثقافي الذي يجعلنا نتقبل ثقافة المجتمعات الأخرى.
دور التسامح في بناء المجتمع
ولقد أصبحنا اليوم بحاجة كبيرة إلى التسامح في حياتنا اليومية ، حيث أنه الحل الوحيد للتخلص من المشكلات المعاصرة مثل الصراعات، ويزخر التاريخ بشخصيات متعددة دعت إلى نشر التسامح وجعله رمز قوة وعنصر أساسي لبناء المجتمعات، وأشار التاريخ أيضا إلى مجتمعات كثيرة تقدمت بسبب انتشار التسامح، ومجتمعات أخرى تأخرت بسبب الحقد والانتقام والكراهية.
حيث أن التسامح منبع قوة لأي مجتمع ويدعم الوحدة بين أفراد المجتمع، وهناك علاقة متناغمة بين تطور وتقدم المجتمعات وبين التسامح، فمتى وجد التسامح وجد التقدم والتطور، فهما وجهان لعملة واحدة، وبناء الدولة يتطلب من شعبها تقديم التضحية والتنازلات، وصفة العفو صفة مقدسة، تبعث الاطمئنان والسكينة في النفس وبين الأفراد، وتنشئ مجتمع موحد، وهي دليل على التحضر، وتولد المحبة بين أفراد المجتمع.
يحظى التسامح بجانب كبير في بناء المجتمعات الإنسانية، حيث أنه يقضي على الكراهية والحقد بين الناس، ويعزز السلام بينهم، ويساهم في بناء المجتمعات المتحضرة بشكل كبير ويجعلها متينة وقوية لا يوجد فيها صراعات أو فتن، ويجعل الفرد لا يفكر في مصلحته الشخصية فقط، بل يفكر في جميع من حوله.
يمكن التسامح من تربية جيل قادر على العفو والمسامحة، ويمنحنا العيش بسلام داخلي في المجتمع، ويقوي من الروابط الانسانية والعلاقات الاجتماعية، وللتسامح أثر نفسي على الفرد، حيث أن الكراهية والحقد تؤثر على صحة الانسان وتجلب له العديد من الأمراض النفسية والعصبية، أما التسامح يمنحه الأمان والاستقرار والراحة النفسية، ويساعد أيضا على تقوية الجهاز المناعي، وبذلك يقلل من خطر التعرض لتلف خلايا الدماغ العصبية، وقد قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه “فعاشر بإنصافٍ و سامح من اعتدى ولا تلْق إلا بالـتي هي أحسن”. [1]
التسامح في المجتمع الاسلامي
ومن الأمثلة العظيمة على التسامح الدين الإسلامي، وما قدمه الرسول من أمثلة يقتدى بها، حيث أن الإسلام حث على نشر قيمة التسامح والدليل على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد قال عز وجل في كتاب العزيز ” فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، وقال أيضا “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا”، وقال أيضا “ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب”.
قد وضع الإسلام قواعد ركيزة للتسامح بين الناس، وأوضح رب العزة لرسوله أنه لا إكراه في الدين، وأمره أن يدعو إلى الإسلام باللين والحسنى وعدم إكراه الناس على الدخول في الإسلام، وقد حافظ الإسلام على حقوق المسلمين وغير المسلمين وحافظ على أمنهم وأبنائهم وكفل لهم حياة كريمة، ونهى أيضا عن قتال غير المسلمين، والعدل بينهم في الأحكام، وقد بين لنا القرآن الكريم درجات التسامح، وهي العفو والصفح والغفران، وذلك في قوله تعالى ” وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم”.
رموز التسامح في المجتمعات الحديثة
ومن الشخصيات التاريخية الحديثة التي لعبت دورا هاما في نشر قيمة التسامح:
الشيخ زايد
“الشيخ زايد”: في دولة الإمارات العربية المتحدة في داخلها وخارجها، والذي أصبح رمزا للتسامح على المستوى العربي والخليجي وحتى على المستوى الدولي، اسم “زايد الكريم” يذكر أينما ذكر التسامح، حيث أنه لعب دور عظيم في غرس قيمة التسامح في العالم بأسره، واستخدمه كركيزة للوحدة في التاريخ العربي الحديث، ويسعى العالم حتى الآن من شرقه إلى غربه للاحتذاء بنموذجه التنموي.
نيلسون مانديل
“نيلسون مانديلا”: والذي يعد مثالا عظيما لصفة التسامح، حيث أنه سجن لمدة سبعة وعشرين عاما، وقد ذاق خلال فترة حبسه أشد أنواع التعذيب ممن قاموا بسجنه بسبب الفصل العنصري من خلال البيض، ولكنه بالرغم من ذلك لم يكرس نفسه للانتقام منهم وأخذ حقه عندما أصبح رئيسا للبلاد، ولكنه بدلا من ذلك سيطر على شهوة الانتقام وتحلى بالتسامح وقام بإصدار عفو عن هذه المجموعة العنصرية التي تسببت في المعاناة التي عاشها، وقام بخلق نموذج يحتذى به للتعايش العرقي في جنوب أفريقيا، وقد حصل جراءا لذلك على جائزة نوبل العالمية للسلام في عام 1993.
غاندي
“غاندي”: أصبح غاندي رمزا للتسامح عالميا من خلال ما قام به في الهند أثناء الحكم البريطاني، حيث أنه سار على مبدأ “اللا عنف”، ولم ينظر للديانة ويجعلها أساس مبدأه، وقد حارب للحصول على استقلال الهند ما يزيد عن خمسين عاما، ورفض في مبدأه العنف واستباحة الدماء.
وعندما اشتبك الهنود مع القوات البريطانية في حركة العصيان المدني أوقف أعمال العنف، وفي النهاية حقق حلمه باستقلال الهند عن بريطانيا، ودعا أيضا إلى احترام جميع الأديان لحقوق الأفراد وارجاع الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين، وعدم التمييز بين البشر بسبب الاختلافات العرقية، ودافع عن مسلمي الهند، وقد تسبب ذلك في مقتله على يد أحد الهنود الذي غضب من دفاع غاندي عن المسلمين، وذلك في عام 1948.
محمد بن راشد آل مكتوم
حينما أوضح سمو الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم”، نائب رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في المقال الذي تم نشره في شهر مارس عام 2016 أسباب تنصيب وزير التسامح قائلا: التسامح ليس شعارا، ولكنه صفة يجب أن نعتز بها ونمارسها، يجب نسجها في نسيج مجتمعنا لحماية مستقبلنا والحفاظ على التقدم الذي أحرزناه”،
كل هذه الأمثلة وغيرها تشير إلى أن: التسامح ركيزة أساسية لبناء أي مجتمع، ويقوي ويزيد التماسك بين الأفراد، وعن طريق التسامح نالت بلدان كثيرة استقلالها مثل جنوب أفريقيا ورواندا، والتي كانت من الممكن أن تظل كما هي لو استمرت في أعمال العنف والقتال والدماء، ولا ننسى الهند أيضا التي خرجت من الاحتلال البريطاني وتقدمت بسبب التسامح، وغيرهم من الدول الأخرى التي انتشر فيها السلام والطمأنينة والاستقرار،
في
خاتمة عن التسامح
يمكن القول بأن هذا دليل على أن التسامح يلعب دور كبير في بناء المجتمعات والخروج بها إلى النور من أحلك الظلام وأن التسامح أهم بكثير من القوات العسكرية، وكل هذه الأمثلة وغيرها ستظل محفورة في ذاكرة جميع الأمم والأجيال، ويجعلهم العالم رمزا ومثلا يقتدى به.
الأكيد من بين ذلك كله أنه لا وجود للتقدم أو التنمية بدون وجود التسامح بين الناس وجعله أساس الاستقرار والأمن، ولأنها صفة نادرة يجب تدريب النفس عليها، وتعزيز صفة التسامح، وعدم التفرقة بين الناس في المعاملات، وعندما نتحلى بهذه الصفة سوف تتغير حياتنا للأفضل، بل ستنقلب رأسا على عقب. [1]