معلومات عن معركة فخ
لم تنتهي ثورات آل البيت منذ أن استشهد الحسين في العاشر من المحرم سنة 61 هـ، وبعد أكثر من نصف قرن من مقتله في معركة كربلاء أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين الثورة على الخليفة الأموي سنة 121هـ، وتكررت المأساة أمام يوسف بن عمر الثقفي والي الكوفة الذي قتله وأنهى ثورته، ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي العباسيين الخلافة ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة “محمد النفس الزكية” وقتله سنة 145هـ = 762 م، ولقي أخوه إبراهيم نفس المصير حيث قتل في البصرة وظلت الأمور على هذا النحو حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم فأشعل هذا الثورة في نفوس العلويين من جديد بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، لنتعرف على معركة فخ و أسباب حدوثها ونتائجها.
ما هي معركة فخ
معركة فخ هي معركة وقعت بتاريخ 8 ذو الحجة 169 هـ، 11 يونيو 786 م، بالقرب من مكة بمكان يسمى فخ و هو وادي في مكة المكرمة، يقع شمال الحرم المكي بنحو 6 كلم، تعتبر من أهم المعارك بين الجيش العباسي في مواجهة ثوار من العلويين بزعامة الحسين بن علي العابد بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، وكان مع الحسين ثلاثة من بني عمومته و هم إدريس، ” الذي أصبح إدريس الأول” فيما بعد، و أسس الدولة الادريسية في المغرب، وسليمان ويحيى أبناء عبد الله الكامل، وقد شاركوا في الثورة وتمكنوا من الفرار و النجاة من المعركة.
تعتبر معركة فخّ من أشدّ الحوادث التاريخية إيلاماً ولا تقل بشاعة عن معركة كربلاء، وروى المسعودي أن أجساد شهداء فخ بقيت ثلاثة أيام على وجه الأرض حتى أكلتهم السباع والطير قبل أن يدفنوهم سراً.
الحسين بن علي و مقتله
هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي سبط رسولنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وحفيده ويلقب بشهيد فخ، كنيته أبو عبد الله، ولد في شهر شعبان سنة 4 هـ أبوه علي بن الحسن كان من الزاهدين العابدين، ثار الحسين، عام 786 في المدينة على حكم الخليفة الهادي العباسي، وبايعه أهلها، فوجه إليه الخليفة جيشاً يقوده محمد بن سليمان بن علي العباسي وقاتله بفخ، مكان يوجد بين مكة والمدينة.
من نتائج معركة فخ، مقتل الحسين بن علي زعيم الثورة، و نحو مئة نفر من ذرّية السيّدة فاطمة الزهراء في سنة 169 هـ، وكان عمره 41 سنة فقط، وقد قتلوا على يد محمد بن سليمان بن أبو جعفر، من أبناء الخليفة المنصور، وروي أن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بمقتلهم فيها، حيث روى أبو الفرج الأصفهاني أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ مع أصحابه بفخ، فقال يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة، وروي عن الإمام الباقر أن جبرئيل قال لنبينا المصطفى (ص): يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين، و قد رثا احد الأدباء الحسين بقوله: “فلا بكيين على الحسين بعولة، وعلى الحسن وعلى ابن عاتكة الذي أبقوه ليس له كفن”.
دفن الحسين و بقية الشهداء في منطقة تسمى الآن بحي الشهداء حيث تقع هناك مقبرة رئيسية مسورة مساحتها صغيرة، لا شك أنها تضم رفات هؤلاء الشهداء ومنها اكتسب هذا الحي مسماه، يضم الحي مقبرتين تخصان هؤلاء الشهداء يفصل بينهما شارع وما يزال الزوار يتوافدون على المقبرة حتى هذا اليوم. [1]
ما هي أسباب معركة فخ
كان الحسين يفكر في الثورة منذ حكم المهدي العباسي، وما كانت ثورته إلا ردة فعل على سياسة التضييق التي انتهجها العباسيون ضد أل البيت بعد تولي الهادي العباسي الحكم وترهيب العلويين، كما تولى المدينة واحد من حفدة سيدنا عمر بن الخطاب وأساء معاملتهم وكان يتفنن في إذلالهم ومحاربتهم، كما كان يفتعل بعض الأشياء و ينسبها إليهم، و لم يكتفي بذلك فكان الوالي يستدعي العلويين إلى دار الإمارة يوميا، وأمرهم أن يكفل بعضهم بعضا، ولم يحضر الحسن بن محمد بن النفس الزكية في دار الإمارة لثلاثة أيام وكان قد كفله الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله، فقام الوالي باستدعاء الاثنين و كان شديد اللهجة والتكبر وطلب منهما أن يُحضراه، وأقسم انه سيجلد الحسين 1000 جلدة و سيحطم دكّانه إن لم يحضراه في الليل، كما كان هناك تمييز في تطبيق الحد الشرعي و ما يؤكد ذلك هو قصة شاربي الخمر الثلاثة الذي كان احدهما من العلويين، حيث أمر الوالي بجلده 80 جلدة، بينما الثاني 7 جلدات فحسب، كل هذه العوامل كانت من أسباب الثورة على الحكم العباسي فلما اشتد خوفهم ونفذ صبرهم استنجدوا بالحسين بن علي وقاموا بمبايعته رغبة منهم في رفع الظلم و الاسائة عنهم، وكان ذلك في 13 من ذي القعدة.
ما الذي حدث في معركة فخ
عندما وصل خبر خروج الحسين إلى الهادي العباسي، أمر أن يتهيؤوا لمقابلة الحسين وتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى الجيشان في الثامن من ذي الحجة في معركة عند مكان يسمى “فخ” يبعد عن مكة بثلاثة أميال كما ذكرنا، وقد عُرض الأمان على الحسين ، إلا أنه رفض وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين، ومقتله هو وجماعة من أنصاره بينما فر أبناء عبد الله المحض إدريس و يحيى و تم اسر الآخرين.
بعد أن فشلت الثورة وقتل الحسين وكل من معه في معركة فخ، أمر والي المدينة العباسي بالهجوم على دار الحسين و بيوت أهله وكل من ناصره، فهدّم المنازل وأحرق المزارع، و نهب الأموال، كما أجبر الأهالي على التبري من آل أبي طالب ومهاجمتهم و النيل منهم، فهرب يحيى إلى الديلم، بينما قرر إدريس الهرب باحثا عن مكان آمن بعيد عن أعدائه العباسيين، فذهب إلى مدينة ينبع متنكرا ومنها إلى ايلات، فالعقبة ثم إلى مصر ومنها إلى برقة فطرابلس ومنها إلى القيروان ثم تلمسان، فدخل إلى المغرب رفقة خادمه راشد ويقال أخوه في الرضاعة، فاستقر بمدينة طنجة، وبدأ يدعو القبائل المغربية لنصرته، قبل أن يدخل مدينة وليلي سنة 172هـ/789م، وتبايعه قبيلة أوربة البربرية وكان أميرها آنذاك هو إسحاق بن محمد بن عبد الحميد، وقد استجار به المولى إدريس، فأكرمه ودعمه و زوجه ابنته كنزة أم ابنه الوحيد إدريس الثاني، وجمع قبائل البربر لتأييده فبايعوه بعد أن عرفوا انه حفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ولما تمت البيعة قام بتجهيز جيش ضخم فغزا بلاد “تامسنا” وما حولها وفتحها، وأسلم أهلها على يده، عمل إدريس الأكبر على تكوين جيش من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة، وبدأ في شن حملات لنشر الإسلام في بقية مناطق المغرب، واستطاع إدريس أن يجمع الكثير من الأنصار و يبني دولة قوية موسعة، و خلع طاعة بني العباس، و بدأ يفكر بشن حملاته نحو الشرق، و هذا ما أدى إلى تخوف الخلافة العباسية من تزايد قوة إدريس وزحفه في اتجاه الشرق، فربما يحن لمسقط رأسه بالحجاز و إذا تمكن من الوصول إلى المشرق فمعناه القضاء على دولة العباسيين، فقام هارون الرشيد بإرسال جيش لمحاربة مولاي إدريس كما حارب من قبله كل علوي من ال البيت، ومنعه من ذلك بعد المسافة بينهما، فلجأ هارون الرشيد إلى الحيلة للقضاء عليه فبعث إليه رجلا في غاية الدهاء و المكر يدعى سليمان بن جرير الشماخ، فتظاهر أمامه بأنه لا يخضع لسلطة بني العباس وتقرب من حاشيته، فوثق به وقربه منه، و بعد أن سيطر عليه بكلماته المعسولة، جعله يستنشق العطر المسموم ذات يوم و قتله بالغدر وهرب، لكن حتى بعد وفاته ظل البربر الأمازيغ مخلصين لإدريس فبايعوا ابنه إدريس الثاني وتربع على عرش أبيه.
اريقت دماء ذرية آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابيحت في معارك عديدة و لم يراعي الخصوم قيم وحدود الإسلام والأخلاق، وما يزال التاريخ يذكر سيرتهم العطرة و يروي بطولاتهم وشجاعتهم وعلى الرغم من خسارة العلويين الفادحة في فخ، إلا أن الهزيمة كانت سبباً غير مباشر في تأسيس أول دولة علوية في التاريخ الإسلامي في بلاد المغرب.