أسطورة نهر الغانج بين الحقيقة و الخيال
نهر الغانج في الهند ، الذي يمتد لأكثر من 1500 ميل عبر بعض المناطق الأكثر كثافة سكانية في آسيا ، ربما يكون أكثر المسطحات المائية أهمية في العالم، و يعتبر النهر مقدسًا ونقيًا من الناحية الروحية، على الرغم من أنه أحد أكثر الأنهار تلوثًا على وجه الأرض.
كانت الأنهار ولا تزال أماكن مغلفة بالأسرار والغموض، تنسج حولها الكثير من القصص الخرافية و الأساطير الغريبة التي لا يصدقها عقل، كما هناك أنهار لها قداستها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، من بينها نهر الغانج الهندي الذي يعتبر من بين سبعة أنهار مقدسة عند الهندوس، حيث يتدفق الناس من كل طائفه ومذهب لزيارته و الغطس في مياهه المقدسة حسب معتقداتهم، لنتعرف في هذا المقال على رمزية هذا النهر وأهميته لدى الهنود وماذا تقول عنه الروايات و الأساطير.
من أين ينبع نهر الغانج
ينبع نهر الغانج من نهر جانجوتري الجليدي ، المرتفع في جبال الهيمالايا في شمال الهند، حيث يتدفق النهر جنوب شرق الهند، إلى بنغلاديش ، قبل أن يمتد إلى خليج البنغال، و يعتبر المصدر الرئيسي للمياه المستخدمة للشرب والاستحمام والري لأكثر من 400 مليون شخص.
يقصد هذا النهر ملايين الزوار سنويا خاصة في العاشر من شهر فبراير الذي يعتبر يوم الحظ، ويضم المكان خيم وأماكن مخصصة للكهنة و الزهاد والقديسين الذين يتوافدون من كل حدب و صوب للتبرك بمياهه.
لماذا يعتبر الغانج مقدس لدى الهنود
بالنسبة للهندوس، نهر الغانج مقدس تجسده القديرة “غانجا”، حيث ينظر الهندوس إلى آلهة نهر غانجا كأنها امرأة في غاية الجمال، تضع تاجاً أبيض وتركب ما يسميه الهنود ” ماكرا”، وهو مخلوق غريب برأس تمساح وذيل الدلفين، وتحتوي إما على ذراعين أو أربعة أذرع ، و تحمل مجموعة متنوعة من الأشياء من زنابق الماء إلى وعاء إلى وردة، وكإشارة إلى الإلهة المقدسة، غالبًا ما يشار إلى الغانج باسم “ما غانغا” أو الأم غانغا.
و بسبب الطبيعة المقدسة لهذا النهر ، يعتقد الهندوس أن أي طقوس يتم إجراؤها على ضفاف نهر الغانج
سوف
تجلب
الحظ والبركة و تغسل
النجاسة،
و مياه نهر الغانج
تسمى “Gangaajal” باللغة
الهندية.
و تذكر الكتب المقدسة الهندوسية القديمة أن مجرد نطق اسم النهر ورؤيته و لمسه تطهر الشخص من كل الأثام والذنوب، و الغطس في النهر المقدس يمنح البركة من السماء، و يقول الهنود أن النهر أعطى الحياة للشعب و بالمقابل ، أعطى الناس الحياة إلى النهر.
ما هي أسطورة نهر الغانج
توضح إحدى الأساطير القديمة، وفقًا لفيشنو بورانا ، وهو نص هندوسي قديم ، كيف خرق المقدس “فيشنو” ثقبًا في الكون بإصبع قدميه ، مما سمح للقديرة “غانجا” بالتدفق فوق قدميه من الجنة وصولًا إلى الأرض كمياه الغانج، لذلك يطلق الهنود على النهر إسم “فيشنوبادي” ويعني الماء الذي تدفق من قدمين فيشنو.
و تقول أسطورة أخرى غريبة كيف كانت غانجا عازمة على إحداث الفوضى على الأرض مع نزولها كنهر و كانت تسعى للانتقام، و من أجل منع الفوضى ، وضع المقدس “شيفا” غانجا في خصلة شعره ، وأطلقها في الجداول التي أصبحت مصدر نهر الغانج المقدس.
تحكي قصة أخرى من هذه الأسطورة أن غانغا نفسها كانت مهتمة برعاية الأرض والأشخاص الذين يعيشون تحت جبال الهيمالايا ، وطلبت من المقدس شيفا حماية الأرض من قوة سقوطها المدوي عن طريق القبض عليها و وضعها في شعره.
على الرغم من أن أساطير نهر الغانج عديدة ولا تنتهي ، إلا أن نفس الخشوع والعلاقة الروحية يتم تقاسمهما بين السكان الذين يعيشون على ضفاف النهر.
الحج الهندوسي في نهر الغانج
من الجدير بالذكر أن ضفاف نهر الغانج تستضيف مئات المهرجانات والاحتفالات الهندوسية كل عام على سبيل المثال ، في العاشر من شهر جايسثا (الذي يقع بين نهاية شهر مايو وبداية يونيو في التقويم الغريغوري) ، يحتفل الهنود في مهرجان “غانغا دوشيهرا ” بنزول النهر المقدس من السماء إلى الأرض. في مثل هذا اليوم ، يُقال إن الغطس في النهر المقدس أثناء استحضار الإلهة يطهر الخطايا ويمحو الأمراض الجسدية، و يعتبر كومبه ميلا “الوعاء المقدس”، أكبر تجمع سلمي للحجاج في العالم، أصل هذا المهرجان يعود إلي آلاف السنين، حيث يعتبره الهنود مهرجانًا هندوسيًا يستحم فيه الحجاج الوافدين في نهر الغانج و يطهرون أجسادهم في المياه المقدسة، يقول بعض الهنود إن هذا المهرجان يحدث في نفس المكان كل 12 عامًا فقط ، على الرغم من أنه يمكن العثور على احتفال “كومبه ميلا” سنويًا في مكان ما على ضفاف النهر، حيث يقام كل أربع سنوات في واحدة من أربع مدن بالتناوب في الهند وهي أوتار براديش وهاريدوار، وأوجان وناشيك، ويعتبر هذا المهرجان أكبر تجمع سلمي في العالم، وهو مدرج في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
الأهمية الدينية لنهر الغانج
تحدث في النهر الكثير من طقوس العبادة التي تثير الغرابة والدهشة في بعض الأحيان حسب الثقافة الهندية ، حيث يلقي المريض بنفسه ثلاث مرات في المياه وهو يثني ركبته، بعد ذلك يشرب جرعة من الماء فيتطهر حسب معتقداته من الرجس و المرض و الشر، و يعتقد أن جرعة الماء هذه سوف تطهره وتجعله يلقى الآلهة دون عوائق بعد أن يتخلص من ذنوبه، وتتم كل هذه الطقوس من طلوع الشمس إلى أن يحل الظلام بوجود مجموعة من الكهنة، إذ يقيمون الصلوات يومياً أمام المئات من أتباع الديانة الهندوسية.
كما تُعتبر الأرض التي يتدفق عليها نهر الغانج أرضًا طاهرة، ويُعتقد أن مياه النهر المقدّسة ستطهر الروح وتؤدي إلى تجسيد أو تحرر أفضل للروح من الحياة والموت، و بسبب هذه المعتقدات والخرافات، من الشائع أن ينثر الهندوس رمادًا محترقًا لأحبائهم الموتى، مما يسمح للمياه المقدسة بتوجيه روح المغادرين إلى العالم الأخر.
نهر الغانج أكثر الأنهار تلوثا
على الرغم من أن الهنود يقطعون آلاف الكيلومترات للقدوم إلى النهر المقدس ، و على الرغم من أن المياه المقدسة مرتبطة بالنقاء الروحي ، إلا أن نهر الغانج هو أحد أكثر الأنهار تلوثًا في العالم ، هناك ما يقرب من 80 في المئة من مياه الصرف الصحي التي تصب في النهر غير معالجة كما ذكر المجلس المركزي الهندي لمكافحة التلوث، هذا بالإضافة إلى النفايات السامة الناتجة عن إلقاء المبيدات الحشرية والمعادن والملوثات الصناعية الخ..
و على الرغم من تلوث النهر ما تزال الممارسات الدينية مستمرة حتى يومنا هذا، حيث يعتقد الهندوس أن شرب الماء من نهر الجانج يجلب ثروة هائلة ، في حين أن الغطس أو غمر ممتلكات المرء يجلب النقاء، أولئك الذين يمارسون هذه الطقوس قد يصبحون نظيفين روحيا، لكن تلوث المياه يصيب الآلاف بالإسهال والكوليرا والتيفوئيد كل سنة.
في سنة 2014 ، تعهدت الحكومة الهندية بإنفاق ما يقرب من 3 مليارات دولار على مشروع تنظيف للنهر لمدة ثلاث سنوات ، على الرغم من أنه اعتبارا من السنة الفارطة، لم يبدأ المشروع بعد.