مفهوم نظرية بيرما
بيرما هو اختصار لنموذج الرفاهية و السعادة الذي قدمه الرائد في مجال علم النفس الإيجابي، مارتن سيليجمان، ويهدف هذا العلم إلى دراسة مكامن القوة فى شخصية الإنسان، وكيف أنها تحول حياته نحو الأفضل. حاول الإنسان منذ القدم أن يحاول فهم معنى السعادة، ومع اختلاف النظريات المطروحة وتعددها، يبقى التعريف الخاص لكل شخص هو الأهم، فلكل شخص أوليات وطرق و أهداف مختلفة يبني عليها رغباته، لنتعرف في هذا المقال عن نظرية بيرما وكيف نستطيع تطبيقها في حياتنا اليومية.
نظرية سيليجمان بخصوص السعادة
مارتن سيليجمان
رائد في علم النفس الإيجابي، ليس فقط لأنه يمتلك نظرية منهجية حول سبب سعادة الأشخاص، ولكن لأنه يستخدم الطريقة العلمية لاستكشاف ذلك، من خلال استخدام استبيانات شاملة، وجد سيلجمان أن أكثر الأشخاص الذين يشعرون بالرضا والتفاؤل هم أولئك الذين اكتشفوا واستغلوا التركيبة الفريدة في شخصيتهم من خلال “نقاط القوة المميزة” لديهم، مثل الإنسانية و الإصرار والمثابرة، وتوظيفها بشكل خلاق لتعزيز حياتهم، وفقًا للنظريات الحديثة حول احترام الذات، لن تكون الحياة مُرضية حقًا إلا إذا اكتشفنا القيمة داخل أنفسنا، وتجمع نظرية السعادة هذه بين فلسفة الأخلاق لكونفوشيوس ومينسيوس وأرسطو، مع نظريات التحفيز الحديثة في علم النفس.
و قد استنتج سليجمان أن للسعادة ثلاثة أبعاد..الحياة الممتعة، الحياة الجيدة، والحياة الهادفة، و أن هناك خمسة عناصر للسعادة تتمثل في المشاعر الإيجابية، والانسجام والتركيز أو ما يعرف في علم النفس بالتدفق، والعلاقات الإيجابية، ووجود معنى وغاية للحياة، والإنجاز، و قد تكون العلاقات الجيدة للشخص هي المصدر الأول للسعادة في حياته، وقد تكون الإنجازات هي الأهم بالنسبة لشخص آخر، أما بخصوص المشاعر الإيجابية، فقد يبحث أحدنا عن أحداث تصنع مشاعر السعادة و البهجة في حياته لكي يعتبر نفسه سعيداً، بينما يصنع الآخر سعادته من خلال مشاعر الامتنان. [1]
ما هي عناصر نظرية بيرما
- المشاعر الإيجابية – شعور جيد P
- المشاركة – الانغماس التام في الأنشطة E
- العلاقات – التواصل بشكل جيد مع الآخرين R
- المعنى – الوجود الهادف M
- الإنجاز – الشعور بالإنجازات والنجاح A
في نظرية بيرما يطرح مارتن سليجمان أهم مؤسسي علم النفس الإيجابي خمسة عناصر للسعادة وجودة الحياة تتمثل في: المشاعر الإيجابية، و المشاركة، والعلاقات الإيجابية، ووجود معنى وغاية للحياة، و
الإنجاز
.
مفهوم السعادة يمتد ليشمل جوانب حياة الإنسان كافة فقد تكون العلاقات الجيدة الصادقة لأحدنا هي مصدر السعادة الأول بالنسبة له، وقد تكون الإنجازات هي الأهم بالنسبة لشخص آخر، بينما يبحث الآخرون عن أشياء قد تجلب لهم السعادة، الخ.. لذلك أعتقد أنه يجب علينا فهم نظرتنا الخاصة للسعادة أولاً، نعرف كل ما يدور بداخلنا، قبل أن نبحث عن السعادة من حولنا، حينها فقط سنعرف ما الذي نحتاج إليه حقاً لنبقى سعداء وراضين عن حياتنا اليومية وما حققناه حتى الآن، و نتفاءل بخصوص ما نستطيع تحقيقه في المستقبل، ونقتنع أن كل يوم يمر هو فرصة للتعلّم والقيام بشيء أفضل.
يعتقد معظمنا أننا نعرف ما هي السعادة، ولكن ما هي العناصر الفعلية التي تعزز السعادة داخل كل واحد منا؟ هل السعادة مرتبطة بما لديك، أم بما لم تستطع الحصول عليه بعد؟ كثير من الأسئلة نطرحها وقد لا نجد الإجابة الشافية، يساعدنا نموذج مارتن سيلجمان النظري للسعادة (بيرما) على فهم هذه العناصر، وما يمكننا القيام به لزيادة كل عنصر للوصول إلى حياة مليئة بالسعادة. [1]
طور مارتن سيليجمان، أحد مؤسسي علم النفس الإيجابي، خمسة عناصر أساسية للرفاهية النفسية والسعادة. حيث يعتقد مارتن أن هذه العناصر الخمسة يمكن أن تساعد الناس في الحصول على حياة راضية سعيدة، كما يمكن للمؤسسات أيضًا استخدام هذا النموذج لتطوير البرامج التي تساعد الأشخاص على اكتشاف واستخدام أدوات معرفية وعاطفية جديدة، لنتعرف على كل هذه العناصر بالتفصيل.
المشاعر الإيجابية P – Positive Emotion
ربما يكون هذا العنصر هو أوضح صلة بالسعادة، التركيز على المشاعر الإيجابية هو أكثر من مجرد الابتسام، فهو القدرة على التفاؤل التي تساعد الأشخاص على التكيف مع تقلّبات الحياة، و القدرة على البقاء متفائلًا و رؤية الماضي والحاضر والمستقبل من منظور ايجابي بناء، كما يمكن أن تساعد النظرة الإيجابية في العلاقات والعمل، وتلهم الآخرين ليكونوا أكثر إبداعًا ويغتنموا المزيد من الفرص في الحياة. في حياة الجميع، هناك نجاح و إخفاق، حيث يزيد التركيز على “الإخفاق و الفشل” من فرص الإصابة بالاكتئاب، بالتالي، يجب التركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة لان هناك العديد من الفوائد الصحية للتفاؤل والإيجابية.
و من المهم في هذا العنصر التمييز بين المتعة و السرور، حيث أن المتعة ترتبط بتلبية الاحتياجات الجسدية للبقاء، مثل العطش والجوع والنوم الخ…في حين يأتي السرور من التحفيز الفكري والإبداع. هذا النوع من المشاعر الإيجابية أمر بالغ الأهمية، يمكن أن يساعد الناس على الاستمتاع بالمهام اليومية في حياتهم، ومواصلة التحديات التي سيواجهونها من خلال البقاء متفائلين بالنتيجة.
المشاركة أو الإنخراط E – Engagement
الأنشطة التي تدفعنا للمشاركة تغمر الجسم بالنواقل العصبية الإيجابية والهرمونات التي تمنح للمرء شعور بالسعادة ونجد فيها الهدوء والتركيز و الفرح.
في الحياة يجد الناس متعة في أشياء مختلفة، سواء كانت العزف على آلة موسيقية أو ممارسة رياضة أو الرقص أو العمل في مشروع مثير للاهتمام أو حتى مجرد هواية يمارسونها..حيث نحتاج جميعًا إلى شيء في حياتنا يجعلنا ننغمس فيه، مما يخلق بغض السعادة أو النشاط، و هذا ما يمتد إلى ذكائنا ومهاراتنا وقدراتنا.
العلاقات R – Relationships
العلاقات والروابط الاجتماعية ضرورية لحياة ذات معنى، حيث ترتبط السعادة والصحة النفسية ارتباطًا وثيقًا بعلاقات وثيقة وهادفة وحميمة، إن العلاقات الاجتماعية العابرة مع الغرباء وكذلك العلاقات الطويلة مع الأقران والأشقاء والآباء والأسرة والأصدقاء كلها مصادر للمشاعر الإيجابية والدعم. وفقًا للنموذج، فإن إحدى الوظائف المهمة لشبكات التواصل الاجتماعي هي أنها يمكن أن تنشر السعادة و الترفيه و الضحك بشكل ملحوظ، كما يمكن أن يقدم الاتصال البناء والعمل الجماعي الفعال مساهمة حيوية في تحقيق السعادة في مكان العمل كذلك، و حتى في منزلك و بين أفراد أسرتك.. شجع الأطفال على تكوين صداقات وإظهار الرغبة في أن يكونوا أصدقاء يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم، كما يشعر الأطفال أحيانًا براحة أكبر في مشاركة الجوانب المتعلقة بحياتهم ومشاعرهم مع أقرانهم الموثوق بهم بدلاً من البالغين، هذا ضروري ويجب أن يحترمه الكبار، لأننا نميل إلى قياس نجاحاتنا ونوعية الحياة العامة مقارنة بالأقران بدلاً من الأجيال الأكبر سنا أو الأصغر سنا، يعد الآباء الذين لديهم دائرة محددة من الأصدقاء المستقرين في حياتهم منذ سنوات قدوة جيدة لتشجيع الأطفال على تكوين علاقات دعم مع الآخرين. [2]
المعنى M – Meaning
السعادة الحقيقية، وفقًا لعالم النفس رولو ماي، تأتي من وجود معنى للحياة بدلاً من السعي وراء المتعة والثروة المادية. إن أخذ الأطفال معك للمساعدة في توزيع الهدايا أو الطعام في الملجأ على سبيل المثال، أو تقديم المساعدة للمشردين، أو التطوع للمساعدة في تنظيف الحديقة هي بعض الأمثلة على المشاركة في الأنشطة التي تتجاوز فكرة العيش لنفسك، هذا ما يجلب الإنجازات و يعزز مبدأ الرفاهية، الآباء الذين يكرسون أنفسهم بشغف و يقومون بعمل شيء يتجاوز حياتهم الخاصة يعلمون أطفالهم قيمة الوجود.
و تعتبر الإجابة عن سؤال “لماذا نحن على هذه الأرض؟” عنصر رئيسي يمكن أن يدفعنا نحو تحقيق أهدافنا، و بالنسبة للعديد من الأشخاص يشكل الدين و الروحانيات معنى للحياة، حيث تظهر الأبحاث، على سبيل المثال، أن الأشخاص المتدينين يتمتعون عمومًا بحياة ذات مغزى أكبر لأنهم يؤمنون بشيء أعظم من أنفسهم ويقدسونه. [2]
كما يمكن أن يعمل المرء من أجل شركة جيدة، وتربية الأطفال، والتطوع من أجل قضية أكبر، كما يمكن للمرء التعبير عن نفسه بشكل خلاق، لكن للأسف يشعر بعض الناس أن المال هو بوابة السعادة، في حين أننا نحتاج إلى المال لسداد الاحتياجات الأساسية، فبمجرد تلبية تلك الاحتياجات وعدم وجود ضغوط مالية، لن يكون المال مصدر سعادتنا.
كما يساعدك فهم تأثير عملك ولماذا اخترت “الحضور في المكتب” على الاستمتاع بالمهام التي تقوم بها، وتصبح أكثر ارتياحًا لما تقوم به سواء كنت تعمل في مكتب أم غير ذلك، فكر في النشاط و العمل الذي تقضي معظم وقتك في القيام به و ماذا يمنحك هذا النشاط؟
إنجازات A – Accomplishments
يمكن أن يساعدنا وجود الأهداف والطموح في الحياة على تحقيق الأشياء التي يمكن أن تعطينا إحساسًا بقيمة الإنجاز، يجب أن تصنع أهدافًا واقعية يمكن تحقيقها ومجرد بذل الجهد لتحقيق هذه الأهداف يمكن أن يمنحك هذا شعورًا بالرضا عندما تحقق هذه الأهداف في النهاية، ستشعر بالفخر و قيمة الانجاز الذي حققته.
تحقيق الإنجازات في الحياة أمر مهم يدفعنا إلى الازدهار و النجاح، و وجود أهداف واضحة في الحياة ، حتى الأهداف الصغيرة مثل القراءة لمدة ساعة كل يوم ، وبذل الجهود لتحقيق ذلك أمر مهم للرفاهية والسعادة، حيث يساعد تحقيق الإنجاز على تعزيز احترامك لذاتك و الفخر بها، كما أنه يقوي الثقة بالنفس. و من الجدير بالذكر ان الآباء والأمهات الذين يحاولون تحقيق الأهداف، مثل التمرين اليومي، على سبيل المثال، يكون لدى أطفالهم مواقف متشابهة. [2]
إن الجهد الذي يبذله المرء للوصول إلى هدف محدد في حد ذاته يجلب الشعور بالرضا. حتى إذا لم يلتحق طفلك على سبيل المثال بفريق كرة القدم في المدرسة، فمن الجيد أن نشير إلى أن المحاولة من خلال الممارسة الدؤوبة والعمل الجاد هي شيء يجعلك تشعر بالرضا، بصفتك أب لاحظ أصغر
إنجازات
طفلك – مثل ربط حذائه بنفسه – ودعه يعرف مدى فخرك بذلك. كلما حدث هذا، كلما ازدادت ثقة الطفل بنفسه، وهو ما يحفز الأطفال على الرغبة في بذل جهد أكبر ومواصلة الإنجاز، كما تساعد هذه الثقة في مواجهة التحديات. والأهم من ذلك، أن تحديد الأهداف وبذل الجهود اللازمة لتحقيقها لا يقل أهمية عن الوصول إليها بالفعل، و لا بأس في عدم النجاح في المرة الأولى.
كيفية تطبيق نظرية بيرما في الحياة
قد يساعدك فهم نظرية بيرما على التفكير في معنى حياتك وأهدافك، الخطوة التالية هي دمج هذه النظرية في حياتك اليومية وتطبيقها. كبداية، نوصيك بالرجوع إلى العناصر الخمسة للنظرية، حاول العثور على الأشياء التي تجعلك سعيدًا، ويمكن أن تجعلك تشارك فيها و تنخرط بشكل كامل.
يمكنك حتى وضع أهداف لتحدي نفسك من خلال الأنشطة التي تستمتع بالقيام بها، قم بإنشاء علاقات داعمة و ودية، ركز على علاقاتك مع عائلتك وأصدقائك والانخراط الكامل في الحياة، وابحث عن طرق للتواصل مع الآخرين، ابحث عن المعنى لحياتك وما يمنحك الرغبة لتحقيق هدفك، ويبقى الأمر مختلف بالنسبة للجميع بطبيعة الحال..فلكل منا طريقته الخاصة و نظرته و رغباته.
إن تعزيز هذه التجارب لدى الأطفال بشكل خاص يمكن أن يساعدهم على تجاوز “فكرة العيش” البسيطة، إلى “الازدهار و النجاح” حقًا في الحياة، و في الختام نرى أن العناصر الأساسية لنظرية بيرما، تمثل نقاط مهمة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار من اجل الوصول إلى السعادة.