كيف كرم الله العلماء
الازدهار الذي تعيشه البشرية في وقتنا الحالي وفي جميع العصور هو نتاج طبيعي للمجهودات العظيمة التي يقوم بها العلماء ، وما يقدمونه من خدمات جليلة لمجتمعاتهم ، والعلماء هم من يحملون أمانة العلم والتعلم وجميع المعارف والابتعاد عن براثن الجهل لجميع الأفراد ، ويسعون جميعهم لحب الخير وبس روح النفع والفضيلة بين جميع أعضاء المجتمع والأخذ بأيديهم نحو التقدم والازدهار [1].
المقصود بالعلم والعلماء
العلم فيقصد به لغة هو ما يؤثر في الشيء ويميزه عن غيره وتكون العين واللام والميم به من الأصل الصحيح ، وهو الذي يناقض الجهل وعلم الرجل في الشيء فترك به اثرا نافعا ، وأعلم وعلم ذات أصل واحد إلا أن الإعلام يتعلق بالخبر السريع ، والتعليم هو ما يطلق عليه من التكرار والأثر على النفوس البشرية .
أما عن العلماء فيقصد بهم من يحملون الرسالة العلمية ويقومون بتبليغها لعموم الناس ويسعون لنشرها في مختلف المدن والأماكن ، ويكون لهم الكثير من الأثر والفضل على جميع الأفراد المتعلمين ، ومن مكانة العلماء العظيمة وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ورثة الأنبياء ولهم الفضل والمنزلة على جميع الناس .
الدين والعلماء وتكريم الله للعلماء
حثت جميع الشرائع السماوية على مكانة العلماء فيها ، بل معظم الشرائع رفعت من مكانة العلماء فسيدنا موسى عليه السلام بين أهمية فصاحة اللسان وقوة البيان عندما طلب من ربه أن يشد عضده بأخيه لأنه أفصح منه لسانا ويكون معه رداء ويصدقه ، وكذلك عندما جاء سيدنا عيسى لقومه كانوا بارعين في علوم الطب فمكنه ربه من المعرفة في العلوم الطبية فكان يتم على يديه شفاء المرضى بإذن الله .
ثم جاءت الشريعة الإسلامية الغراء وقد وضحت مدى أهمية العلم في أكثر من موضع فيها ، فقد جاء في القرآن الكريم بأن العلماء هم أكثر الناس خشية من الله فيقول تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، مما يؤكد على معرفة العلماء بما أمر به الله واجتنابهم لجميع ما نهى عنه.
وكلما زادت مكانة الفرد العلمية يترتب عن ذلك ارتفاع مكانته عند ربه وذلك يكون بفضل من الله ورحمة فيقول تعالى( يرفع الله الذين آمنوا منكم أوتوا العلم درجات) كما حث الدين الإسلامي في ضرور الرجوع للعلماء وأخذ المشورة منهم والإستفادة من رأيهم ، بل ذكرهم مع ولاة أمور العباد فيقول تعالى( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) ، ومما لا شك فيه بأن الذين يستنبطونه هم أهل العلم والصلاح في المجتمع وجازى الله جميع العلماء خيرا عنا ومتعهم بالصحة والعافية .
مكانة العلم والعلماء في السنة
وقد تناول الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية العلم ودوره في مدى رضاء الله عن من يسلك في هذا الطريق ، فقال النبي( من سلك طريقا يبتغي به علما سهل الله طريقا إلى الجنة) فالذي يعبد الله على علم يفضل عن العابد الذي يعبد ربه دون علم العالم العابد هو أكثر ثباتا وحفاظا على الحق .
ويقول الرسول الكريم ( فضل العالم على العابد كفضل القمر لليلة البدر على سائر الكواكب) مما يدل على مكانة العلماء بين العباد ومدى قربهم من ربهم وحب النبي لأهل العلم والصلاح .
ومن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تمسك الصحابة بالعلم وظل يتناقلوه فيما بينهم جيل من بعد جيل ويعلمون الناس أمور دينهم ودنياهم حتى نفع الله بهم العباد وكانوا ينظرون للعلماء بأنهم ورثة الأنبياء ولا يهتمون بورث النقود والدراهم وإنما ميراثهم الرئيسي هو كنز العلم الذي يرفع بيوت من العز والكرم .
العلماء و ميراث الأنبياء
وتعتبر تلك الصفة الحميدة من أعظم الصفات التي تم نسبتها لجميع العلماء ، بأنهم ورثة الأنبياء فهم لا يورثون المال الوافر وإنما يكون مثل أنبيائهم ينشرون روح العلم والتعلم بين أفراد المجتمع ، وبذلك هم يعتبرون أقرب الناس للأنبياء لأن الميراث لا يمكن أن ينتقل إلا بين الأقارب فهم من يرثون أنبيائهم .
ومن ذلك يأتي على جميع الأفراد الامتثال لأوامرهم وضرورة طاعتهم فيما يتعلق بمصالح العباد في الأرض وتحقيق التبجيل الكامل لهم ، وقد ورث الصالحين أنبيائهم في نشر روح الصلاح والفلاح في مجتمعاتهم وفي مختلف الأزمنة مما حافظ على العلم في المجتمع وروح التعاون والفضيلة بين الناس .
العلماء مقياس التقدم
مما لا شك فيه أن معيار النهوض لجميع الدول هو مكانة العلماء المتواجدين بها، ومدى اهتمام المسئولين بالدولة بهم فالعلم هو الذي يحقق النهوض بالأمم ، فبقاء الأمم ينبع من وجود أهل العلم بها في شتى جميع المجالات العلمية ولا يقتصر على جانب معين من المجالات العلمية بل يمتد فروع عديدة من العلم .
وجميع الأوطان التي تسعى للنهوض والرقي فلابد أن تضع الدعائم والمبادئ الأساسية للأخذ بأيدي العلماء وتذليل كافة العقبات أمامهم للوصول لجميع المراحل المتقدمة في شتى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والطبية والحفاظ على حياة جميع أفراد المجتمع.
والجدير بالذكر بأن الأمة التي لا تقدر علمائها فسوف يأتي يوم وستكون في زيل الأمم فهناك من الدول من لا يلقي بالا لعلمائهم ولا يعطونهم الدور المرموق لهم ، والذين يستحقونه فسينتج عن ذلك هجر العلماء لدولهم والبحث عن سبل أخرى للعيش في بلدان بعيدة عن أوطانهم وعدم استفادة بلدناهم من علمهم .
الطاقة العلمية هي مثل جسد الإنسان كلما اهتممت به ووضعت أمامه كافة الركائز الأساسية التي يحتاجها لنمو علمه كلما كان الناتج عن ذلك كبيرا وضخما ويتحقق من الفائدة المجتمعية والعمرانية والبعد عن حياة الفشل والجهل والضعف والاستسلام والوصول لأعلى مراحل الازدهار والتقدم .
أهمية العلماء في المجتمع
- العلماء لابد من وجودهم في جميع المجتمعات فهم لا يمكن الإستغناء عنهم في الحياة الدنيا فهم للمجتمع مثل الماء والهواء والمأكل [2] .
- بالعلماء يقاس تقدم الأمم وهو الذي يساعد بالقضاء على جميع براثن الجهل والتخلف والرجعية القبلية وحب النفس وإيثارها على غيرها .
- بيوت من العز والكرم تبنى على سواعد العلماء ومن خلالها يتمكن المجتمع من مواكبة جميع تطورات العصر وتحقيق المعيشة الكريمة لجميع أفراده .
- خلال العلماء يكرس عدد من المبادئ والأساسيات التي توضح الواجبات والحقوق السليمة في المجتمع والابتعاد عن الأساليب والعادات الاجتماعية الخاطئة.
- العلماء لا تقتصر مكانتهم في الدنيا فقط بل يكون لهم مكانة عظيمة عند خالقهم سوف ينالوها جزاءا لخدمتهم لجميع أفراد المجتمع وتحقيق الفائدة لهم.
- المجتمعات التي ينتشر بها العلماء في مختلف الزمان هي التي تسود الدنيا بما فيها وهي التي ينتشر فيها جميع مبادئ الحق والبعد عن الظلم .
- عن طريق العلماء يتحقق الفائدة في شتى الحياة العامة ففي مجال العلوم الطبيعية مثل علم الفلك والكيمياء والفيزياء وفي مجال العلوم الرياضية وجميع العلوم الدينية والاجتماعية وسائر العلوم الدنيوية من علم النبات والحيوانات وكافة الكائنات الحية ، مما يدلل على عدم قصور النظرة العلمية للعلماء على نمط معين من الأنماط المعرفية والعلمية التي تنتشر في المجتمع ، وقد حثت كافة الأديان عن ذلك على نشر روح المعرفة بواسطة العلماء حتى يكون لهم الثواب والجزاء العظيم من الله فى الدنيا والأخرة .