قصة رسول الله مع أبي عمير

اهتم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالأخلاق السامية، التي تؤطر حياتنا و المودة و الرحمة، وقد بين لنا صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، كما قال رسول الله “إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس “، صدق رسول الله، لذلك وجب على المسلم أن يساعد أخاه المعوز و الفقير و المحتاج، و من يحتاج إلى الرحمة و الشفقة أكثر من الطفل الصغير؟، وكان رسولنا المصطفى أول من لمس ألام الطفل و أحزانه واهتم به وقام برعايته، خاصة الأيتام منهم فقال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا..رواه البخاري. ولا يوجد منزلة أعظم في الآخرة أفضل من ذلك، لنتعرف من خلال هذا المقال عن عطف ورحمة نبينا الكريم على الأطفال.

مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال

كان رسولنا الكريم رحيمًا بالطفولة، كما قال الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: “وما أَرسلناكَ إِلا رحمةً لِلْعالمين”، كما رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: ما رأَيتُ أَحدًا كانَ أَرحم بالعيال من رسول الله صلَّى اللَّه عليه وسلم.

تعتبر السيرة النبوية العظيمة مدرسة نبويّة متكاملة، لما فيها من المواقف التربوية والفوائد الجليلة التي تصلح في كل زمان و مكان، حيث يلزم الأم والأب الاقتداء بالرحمة النبوية التي كان يتميز بها النبي صلى الله عليه وسلم، و تضع لكل جيل من المعلمين و الدعاة منهج التربية السليم وحسن التعامل مع مجريات الحياة والمواقف التي تواجه المسلمين.


موقف رسولنا الكريم مع أطفال أيتام

مات احد المسلمين فصلي النبي علي جثمانه، ثم سال النبي: هل له أطفال وهل ابقي لهم شيئا من المال بعد وفاته ؟ فأجابوا : نعم عنده عده أطفال ولكنه لم يترك لهم شيئا من المال لأنه انفق جميع ثروته في سبيل لله قبل وفاته، فقال النبي : لو قلتم لي قبل الصلاة لما صليت علي جثمانه لأنه ترك أطفاله جياعا بين الناس.


قصة الرسول الكريم مع الطفل يوم العيد

خرج الرسول صلي الله عليه وسلم يوما لأداء صلاه العيد فرأى أطفالا يلعبون ويمرحون ولكنه رأى بينهم طفلا يبكي وعليه ثوب ممزق فاقترب منه وقال ” مالكَ تبكي ولا تلعب مع الصبيان ؟؟

فأجابه الصبي : أيها الرجل دعني وشاني، لقد قتل أبي في احدي الحروب الاسلاميه وتزوجت أمي فأكلوا مالي وأخرجوني من بيتي فليس عندي مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا بيت أوي إليه.. فعندما رأيت الصبيان يلعبون بسرور تجدد حزني فبكيت علي مصيبتي.

فاخذ الرسول بيد الصبي وقال له : ” أما ترضي أن أكون لك أبا وفاطمة أختا وعلي عما والحسن والحسين اخوين؟ فعرف اليتيم الرسول الكريم وقال : كيف لا ارضي بذلك يا رسول لله، فأخذه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى بيته وكساه ثوبا جديدا وأطعمه وبعث في قلبه السرور، فركض الصبي إلى الزقاق ليلعب مع الصبيان، فقال له الصبية : لقد كنت تبكي فما الذي جعلك تكون فرحا ومسرورا .فقال اليتيم: كنت جائعا فشبعت وكنت عاريا فكُسيت وكنت يتيما فأصبح رسول الله أبي وفاطمة الزهراء أختي وعلي عمي والحسن والحسين إخوتي، فقال له الصبيان ليت أبائنا قُتلوا في الحرب لنحصل علي هذا الشرف الذي حصلت عليه أنت، وعاش هذا الطفل في كنف رسول الله صلى الله عليه و سلم حتي توفي.


موقف الرسول مع ابن أبي موسى الأشعري

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: وُلد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم، فحنَّكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ..رواه البخاري. كان هذا الولد أكبر أولاد أبي موسى الأشعري، وقد كان من عادة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا وُلِد لأحد منهم وَلد أن يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذه النبي ويُقبّله، ويضمه إليه، ويدعو له بالبركة.


تقديم الرسول الكريم للطفل في حقه

عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام:أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتلَّه “وضعه في يده” رسولُ الله صلى الله عليه وسلم..رواه البخاري ومسلم .

و عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليه وسَلَّم على غِلْمانٍ يلعبون فسلَّم عليهم، فما هذا القدر الذي منحه الرسول العظيم للصغار؟


قصة بول الغلام في حجر الرسول الكريم

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤتي بالصبيان، فيبرك عليهم، ويحنكهم، ويدعو لهم، و عن أم قيْس بنْت محصن، أَنها أتت بِابن لها صغير لم يأْكلِ الطعام، إِلى رسول اللَّه صلى اللهُ عليه وسلّمَ، فأَجلسه رسولُ اللَّه صلّى اللهُ عليهِ وسلّم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فَنَضَحَه ولم يغسله.

و في هذا الحديث عبرة كبيرة و هي معرفة الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيستقبل أبناءهم برحابة صدر، وسعة بال، ويلبي لهم مطالبهم، لذا فهم كثيرًا ما يأتون بأبنائهم إليه، و لا يرد أحدًا، فلم يغضب، أو يتأفف أو يتبرم أو يشتم الصبيان بل كان يدعو لهم ويشفق عليهم.

مواقف رسولنا الكريم مع أحفاده

كان تعامل رسولنا الحبيب مع المحيطين به، كبارًا او صغارًا، مثالا يحتذى به، فقد كان النبيّ يُعامل الناس جميعا بالرحمة، والعطف، وخاصّة أحفاده. و من بين تلك المواقف نذكر:


موقف رسولنا الكريم مع ابنه إبراهيم

يصف أنس بن مالك رضي الله عنه حال النبي صلى الله عليه سلم عند لحظة موت ابنه إبراهيم فيقول: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سيف القيْن، وكان ظِئْرًا لإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. رواه البخاري.

موقف النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ولده إبراهيم دليل على مدى رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك في تقبيله وشمه لطفله وقت مرضه، وحزنه وبكاؤه وقوله بعد موته: “وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”، هذا الموقف اظهر أيضا صلابته وقوته ورضاءه بقضاء الله و قدره فكان مثالا للقوة و الصبر والرحمة، وكيف كان يعطف على أبناء المسلمين رغم فقدانه أبنائه ويعاملهم بالمثل.


موقف رسولنا الكريم مع الحسن و الحسين

عن عبد الله بن شداد، عن أبيه قال.. خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أوالحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمرٌ، أو أنه يُوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني “ركب على ظهري”، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» رواه النسائي.

وعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنه من لا يَرحم لا يُرحم”.

و في حديث أخر خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه “ما بينَ مَنْكِبه وعُنُقِه” وهذا على عاتقه، وهو يلثم ويقبل هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنَّك لَتُحِبُّهُما؟ قال:  من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. رواه أحمد وصححه الألباني.

موقف سيدنا محمد مع أُمَامَة بنت أبي العاص


لما ماتت أمها


السيدة


زينب




أشفق النبي صلى الله عليه وسلم على حفيدته، وحنَّ لها، فكان يخرج بها أحيانًا إلى المسجد، فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها على كتفه صلى الله عليه وسلم


.


لم يكن حبيبنا المصطفى ينزعج من وجود أحفاده بل كان يمنحهم حنانه و عطفه و يداعبهم بالإضافة إلى تربيته الدينية الصحيحة لهم، فهذا الحسن رضي الله عنه وهو طفل صغير، يمد يده إلى تمر صدقة، فيسرع رسول الله صلى الله عليه و سلم وينتزع تلك الثمرة من فيه قائلا له: “أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد “، وهكذا كانت كل مواقفه صلى الله عليه وسلم مع أحفاده، تعكس مدى التوازن التربوي الممزوج بالعطف و الحنان والخشية و الرهبة.


حقوق الطفل في الإسلام

لا يخلو مجتمع من أطفال يتامى فقدوا آباءهم في سن مبكرة، ومعلوم حاجة الطفل إلى العطف والحنان والعناية والرعاية والإحسان، و هذا ما أولاه الإسلام اهمية بالغة، وأكده في نصوص قرآنية و احاديث للرسول الكريم لا تعد ولا تحصى.

كان العرب في الجاهلية يترقّبون الأولاد فحسب مساندتهم والتباهي بهم، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على النفور منها وقتلها، كما ورد في سورة النحل ” وإِذا بشِرَ أحدهم بالأُنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم يتوارى مِن القومِ من سوء ما بشِر به أَيمسكهُ على هون أَم يدسه في التُراب أَلا ساء ما يحكمون. صدق الله العظيم. حتى بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يفرق بين الصبي و الفتاة، فحفظ للبنت حقوقها وكرامتها، ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر و الثواب ، وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سببًا من الأسباب التي تؤدي إلى جنة الخلد، حيث جَعَلَها اللهُ حِجابًا للآباء منَ النَّار عند حُسْن تربيَتها فقد قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلم: “من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهنَّ وسقاهن وكساهنَّ من جِدَتِه ” ماله” كُنَّ له حجابًا منَ النَّار. و في حديث أخر قال النبي صلى الله عليه و سلم من عال ابنتين أو ثلاث بنات، أو أختين أو ثلاث أخوات، حتى يَمُتن أو يموت عنهن، كنت أنا وهو كهاتين..وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.

كما لم يحرم الطفل من حقوقه ليس فقط في الحياة

بل في الرضاعة الطبيعية و التعليم و اللعب والنفقة حيث ألزمت الشريعة الإسلامية الأب بتحمُل نفقة الطفل بجميع أنواعها من طعام وكسوة و وحضانة ومصاريف الدراسة، إلى أن يبلُغ سنًّا تسمح له بكسب قوته يومه بنفسه. و حفظ الإسلام أيضا أموال الأطفال في حال موت والدهم، قال الله سبحانه وتعالى: وآتوا اليتامى أَموالهم ولَا تتبدلوا الخبيث بِالطيب ولا تَأكُلوا أَموالهم إلى أَموَالكم إنه كان حوبًا كبيرًا.


قصة رسول الله مع الطفل أبي عمير

كان للأطفال نصيب من وقت النبي صلى الله عليه وسلم، واهتماماته كما ذكرنا، رغم ثقل مسؤولياته و العبء العظيم على عاتقه لم يمنعه ذلك من رعايتهم و ممازحتهم و إدخال السرور إلى قلبهم.

و للنبي صلى الله عليه وسلم قصة إنسانية شهيرة مع الطفل عمير.. هو أبو عمير بن أبي طلحة الأنصاري، واسمه زيد بن سهل، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، وأمهما أم سليم، و قد كان رسول الله يحب انس كثيرا  لحفظه سر رسول الله رغم صغر سنه، وكتمه عن الناس و يزور بيته.

كان أبوعمير طفل لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات حينها، وفي يوم من الأيام زار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك في بيته، فرآه الرسول وفي يده طائر يشبه العصفور، فقال له: يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟ فتبسم الطفل الصغير، وبعد أيام جاء الرسول إلى بيت أنس بن مالك، وسأل كعادته عن الصبي الصغير، فقال له أنس، أن عصفور الطفل أبي عمير قد مات، وأنه حزين جدًا لموته، فأقبل الرسول مسرعًا إلى الصبي الصغير، وأخذ يواسيه ويخفف عنه حزنه، و ما أن رآه الصغير حتى رمى بنفسه في حضن نبينا الكريم وهو يبكي ويقول: “لقد مات النُغير.. لقد مات”. وأخذ النبي يواسيه ويلاعبه ويمازحه، حتى نسي الطفل حزنه وتوقف عن البكاء، وتبسم الصبي الصغير وفرح لكلام رسول الله.

من يبحث في سيرة وأحاديث نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يجد أنه أعطى الطفل نصيبًا من وقته وحنانه، وجانبًا كبيرًا من اهتمامه، فكان صلى الله عليه وسلم مع الأطفال أبًا حنونًا، و معلمًا حكيمًا، يلاطف، ويربي ويداعب ويمزح ويمنح كل مودته ورحمته للصغار، فما أحوج المسلمين للاقتداء به في الأقوال والأعمال و الخصال و الشمائل كما قال الله تعالى في كتابه العزيز” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” [الأحزاب:21]. صدق الله العظيم.