مفهوم الرضا عن الحياة

الرضا عن الحياة مفهوم غاب عن حياة الكثير من الأشخاص هذه الأيام، فالتقدم والرخاء وحالة الرفاهية التي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على انتشارها جعلت الجميع يشعر بحالة من السخط العام على حياته بكل ما فيها، بالرغم من أن الرضا في الحياة هو السبيل الوحيد للسعادة والراحة ولا شيء سواه.

مفهوم الرضا عن الحياة

بالرغم من بساطة صفة الرضا إلا أنها واحدة من أصعب الخصال التي يمكن للمرء أن يكتسبها في حياته، وبالرغم من كونها هي الطريق للسعادة إلا أن الغالبية من البشر لا يعبئون بها، ومع أنها الطريق المختصر الأقرب للفوز بالراحة النفسية حتى وإن اجتمعت مشكلات الحياة بأكملها فوق رأس الشخص إلا أن قلة من يسلكونه.

يخلط الكثير من الأشخاص بين مفهوم الرضا عن الحياة والسعادة، لكنهما في الواقع مفهومان مختلفان تماماً عن بعضهما البعض، فالرضا عن الحياة هو حالة عامة تنتاب المرء تجاه حياته ككل ولا يعني الشعور المؤقت بالسعادة، أما السعادة فهي شعور مؤقت ولحظي ما أن تنتهي الحالة المسببة له يزول معها، بالطبع السعادة أمر ضروري وشعور طبيعي تتضمنه الحياة لكنها وحدها غير كافية ليرضى المرء عن حياته.

ينتج عن الرضا شعور بالاستقرار والسعادة الدائمة التي تتضمن مختلف مجالات الحياة سواء على مستوى العمل أو العلاقات الشخصية أو المستوى الاجتماعي والحالة المادية وغيرها الكثير، في حين أن السعادة لا ينتج عنها الشعور بالرضا في الحياة.

كذلك الرضا عن الحياة لا يعني بالضرورة أن يتمتع المرء بكل مقومات الحياة التي تضمن له حياة تبدو في ظاهرها مرضية لأي شخص والتي تعني لدى الغالبية حياة الرفاهية بامتلاكه أموال طائلة وعلاقات اجتماعية كثيرة ومنزل فخم وسيارة حديثة وغيرها، فقد يكون شخص دون مأوى ويعاني من الكثير من الصعاب في حياته وبالرغم من ذلك يتحلى بالرضا، وعلى العكس نجد العديد من الأشخاص يمتلكون الكثير والكثير وبالرغم من ذلك ينقصهم الرضا، وبذلك فالرضا يختلف من شخص لآخر بناء على مجموعة من المتغيرات المتعددة في الحياة والتي تختلف من شخص لآخر.

الرضا عن الحياة في الإسلام



الإسلام


دين عظيم لم يترك شيء في هذه الحياة يؤثر في حياة المرء ويحقق من خلاله سعادته في الدارين الدنيا والآخرة إلا وتطرق إليه، فنجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بساطة يلخص لنا المفهوم الحقيقي للرضا في الحياة فيما ورد عنه أنه قال:”مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”.

بمعنى أن المرء إن بات في مأمن من العدو في بيته وبين أهله  ويغشى الأمان نفسه وطريقه، وإن أنعم الله عليه بالمعافاة في بدنه من الأمراض والعلل، وامتلك ما يكفي من طعام وشراب في يومه فكأنه قد أعطاه الله سبحانه وتعالى الدنيا بكل ما فيها، فقد جمع بين العديد من النعم الأمن والعافية والقوت، لذا عليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبه دون حول منه ولا قوة وألا يسخط لأمر مادي فاته.[2]

الرضا قيمة هامة على كل مسلم أن يتحلى بها، وتعد مرتبة عالية من مراتب الإيمان بالله فإن كان الصبر واجباً فالرضا غير واجب إنما هو مسألة تفوق الصبر في مجملها، ومن الأمور التي يشملها الرضا في الإسلام:

  • الرضا بما قسمه الله سبحانه وتعالى للعبد من رزق سواء في المال أو الأولاد أو الصحة والعافية وغيرها من الأشياء، فالنظر لما أنعم الله به على الآخرين لن يزيد النفس إلا تألماً وسيشغله عن النظر لما أنعم الله به عليه دوناً عن الآخرين.
  • الرضا بالمصائب وفيما قدره الله سبحانه وتعالى على العباد من أقدار مقضية بأمره من مرض أو فقر وغيرها من الأمور، فيقول ابن تيمية -رحمه الله- في مسألة الرضا بالمصائب أنه درجة أعلى من الصبر فقد يصبر المرء على ما يحل به من مصائب إلا أن يغشى النفس طمأنينة وسكينة فهذه درجة الرضا التي لا يصل لها سوى قلة من العباد لذا لم يوجبها الله عليهم وإنما أوجب الصبر.
  • الرضا يتضمن كذلك رضا المرء بربه وحده سبحانه وتعالى وألا يعبد سواه ولا يرتضي خالق غيره أو دين غير الإسلام.

الرضا عن الحياة في علم النفس

يفسر علم النفس الرضا في الحياة بناءً على نظريتين أساسيتين هما:

  • الرضا من أسفل لأعلى وتعني أن يرضى المرء عن حياته نتيجة لرضاه في مختلف المجالات الأخرى لها، فتفسر هذه النظرية أن الرضا عن العلاقات الشخصية والأسرية والعمل والتنمية الذاتية والحالة الصحية والبدنية، يؤدي لشعور الفرد بحالة عامة من الرضا عن حياته.
  • الرضا من أعلى لأسفل وتعني أن رضا المرء عن حياته العامة يؤثر على مقدار رضاه عن مختلف مجالات الحياة، وتفسر هذه النظرية أن الرضا العام عن الحياة يرتبط بشكل وثيق عن شعور الفرد عن الرضا في كل مجال على حدة.

يدور الرضا عن الحياة في علم النفس حول 4 فئات رئيسية وهي بالتسلسل:

  • الفرص، والتي تتضمن الموارد المختلفة مثل الاقتصادية والرفاهية والمساواة الاجتماعية والثقافية، بالإضافة للموارد الشخصية التي تشمل الحالة المادية والعلاقات الأسرية والملكيات والمكانة الاجتماعية بالإضافة للقدرات الذاتية التي تتضمن المهارات الفكرية والقدرات الاجتماعية وغيرها.
  • مجرى الأحداث، والذي يتضمن مجموعة من الأحداث التي تؤثر على حياة الفرد ومنها الفقر والغنى، الحماية والهجوم، الاجتماعية والعزلة، الشرف والذل، مقدار الجمال، التحديات والروتين، كل هذه الأمور وأكثر تحدث مع الجميع بشكل يومي وتؤثر على ميل الفرد نحو الرضا أو الاستياء.
  • الخبرة، والتي تتضمن ما مر بها المرء من مواقف اكتسب منها خبرة مثل الاشتياق أو الإشباع، الأمان أو الخوف، القبول أو الرفض، وغيرها من المشاعر التي تنتاب الجميع طوال الوقت لكن الاستجابات المختلفة لهذه المشاعر هي التي تحدد مدى الرضا من السخط عن الحياة، وبشكل عام فإن هذا الأمر يتحدد على الموارد الشخصية والاجتماعية والقدرات الفردية ومجرى الأحداث.
  • التقييم، مسألة التقييم تتضمن تقيم المرء لحياته بعد تأثير العوامل المختلفة السابق التطرق لها عليها، وتتضمن مقارنة المرء لحياته الواقعية بما يمتلكه من أفكار حول الحياة وكيف يجب أن تكون.

العوامل المؤثرة على الرضا عن الحياة

ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على مقدار الرضا في الحياة:

  • الرضا عن الحياة تبعاً للدولة، فقد وجدت العديد من الدراسات أن الدول المزدهرة تتمتع بنسبة أكثر من الرضا عن الحياة بين أفرادها عن الدول الفقيرة، كما أن الدول التي تتوفر بها فرص عمل جيدة تتمتع بمستويات أعلى من الرضا مقارنة بالدول التي تزيد بها نسبة البطالة.
  • الرضا عن الحياة والمساواة، فالمجتمعات التي تتمتع بالمساواة ويتمكن المرء فيها من اختيار شكل الحياة الذي يناسبه تبعاً لما يفضله وبما يرغب به تتمتع بمستويات أعلى من الرضا من الحياة مقارنة بالمجتمعات التي يضطر المرء بها أو يجبر على اختيارات معينة ربما لا تناسبه ولا يفضلها.
  • الرضا كذلك يرتبط بمعدل الدخل، فالدول الفقيرة مقارنة بالدولة الغنية تعاني من انخفاض مستوى الرضا عن الحياة.


  • التعليم


    كذلك يؤر على مقدار شعور المرء بالرضا عن حياته، فالدول التي تحظى بمستوى منخفض من التعليم يعاني أفرادها من الرضا مقارنة بالدول التي تتمتع بمستوى تعليم متقدم.