ما هي درجات الصبر

لا يمكن أن يعيش الإنسان في حالة رخاء ونعيم دائماً، كما لا يمكن أن يكون في شقاء باستمرار لذلك فأن الله – عز وجل – أمرنا بشكره وحمده في حالة السرور ، وبالصبر على البلاء في حالة الابتلاء والمصائب ، فالصبر عبادة عظيمة يغفل عنها الكثير من الناس ، ولا يحتسب أجرها عند الله – عز وجل – رغم أن لها أجر كبير جداً ، يعادل أجر أعظم العبادات ، فإذا نظر الله – عز وجل –  إلى العبد في حالة الضر ووجده صابراً محتسباً أعطاه أجراً عظيماً وجزاه على الصبر الكثير من الدرجات العظيمة ، وإذا نظر إليه وجده في أعلى مراتب الصبر ، وهي الصبر مع الرضا بقضاء الله ، عوضه الله عما نزل به ،  ويصبر المؤمن على البلاء في الدنيا لأنه يعلم أن أمر الله كله خير له .


ما هو الصبر

  1. الصبر عند أهل اللغة معناه الحبس ،  وإنما عن تعريفها عند العلماء فأبلغ ما قيل في تعريف الصبر هو  قول  ابن تيمية – رحمه الله – أنّ الصبر هو الذي لا يُرافقه شكوى الإنسان ولا جزعه ، وقال ابن مسعود إنّ الصبر نصف الإيمان .
  2. فأننا حين نعيش في هذه الحياة من دون الصبر تصبح أكثر هماً وتعاسة ، والمسلم يعلم أنه يعيش في دار ابتلاء ويجب عليه أن يحقق الصبر في الدنيا ، لأن السعادة الحقيقة في الأخرة .
  3. وكل شخص في هذه الحياة يحتاج التحلي بالصبر ، وليس شرطاً أن يكون الصبر على البلاء وأنما هناك أمور كثيرة تحتاج منا إلى الصبر فالأم تحتاج إلى صبر في تربيتها لأبنائها ، والأب يحتاج إلى صبر في تعليم الأولاد ، والمبُتلى على بلواه، وغير ذلك الكثير وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حال المؤمن؛ فقال: ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). [1]


أنواع الصبر مع الأمثلة

هناك أنواع مختلفة من الصبر ، ولكن الصبر في هذه الحياة الدنيا يمكن أن ينقسم إلى ثلاثة مراتب ، أو درجات وهم : [2]


الصبر على قضاء الله وقدره

  1. أعظم أنواع الصبر هي التي يصبر فيها المسلم على البلاء ، وعلى المصيبة التي وقعت في حياته ، وهو لا يدرى ما سببها ، وما الحكمة منها ولكنه يعلم أن الله – عز وجل – لا يفعل له إلا الخير  وقد وصف الله -تعالى- حال الصابرين على بلائه في الضراء في قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وبين حال الصابرين عندما يقع عليهم البلاء  فقال: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
  2. فعندما تحل المصيبة على المؤمن يجب أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، ويعلم أن الله – عز وجل – يريد أن يمتحن صبره وقدرته وإيمانه ، ولا يسخط من قضاء الله وقدره لأنه لا محالة سوف ينفذ أن رضى العبد ، أم سخط ، فإن رضي فله الأجر ، وأن سخط فله السخط من الله – عز وجل – والتسليم بقضاء الله هو المرتبة الأولى من مراتب الصبر .
  3. أما عن أعلى درجات الصبر فهي أن يعلم الإنسان تمام العلم أن ما وقع هو خير له في دنياه ودينه ، وأن الله – عز وجل – لا يمكن أن يصيبه بأمر هو شر له ، وأن كان ظاهره شراً  فالرضا مع الصبر هو أعلى منزلة من منازل الصبر يمكن أن يشعر بها العبد ، وفي هذه الحالة لا يتمنى العبد أن يزول عنه البلاء إلا أن كان خيراً ، أما أن كان البلاء في ذاته خيراً له فهو لا يتمنى زواله ويفوض أمره لملك الملك – جل وعلا


الصبر عن المعصية

  • قد يكون الكثير من الناس في هذه الدنيا يفعل هذا النوع من الصبر لكنه لا يدري ، هو أن يصبر العبد على ترك المعصية أو عدم فعلها ، وهو نوع عظيم من الصبر ، سواء كانت هذه المعصية بالقول ، أو الفعل ، أو العمل ، فأن لها ثواب عظيم عند الله – عز وجل – والصبر على المعصية ثلاثة مراحل هم :
  1. أن يحاول المسلم أن يطرد حب هذه المعصية من قلبه ، ولا يعلق قلبه بها ، ويحاول أن يلهي نفسه عنها بكثرة الذكر ومجالسة الصالحين .
  2. أن يبتعد عن كل أمر يمكن له أن يقربه منها ، فأن كان يفعلها في مكان معين فلا يقرب هذا المكان مرة أخرى .
  3. أن يسرع التوبة إلى الله – عز وجل – وأن يتوب ويعود كلما رجع إلي المعصية .

وينشأ الصبر على المعصية من أسباب كثيرة أهمها :

  1. أن يعلم العبد أن المعصية مهما كان لها أثر في نفسها ومهما استمتع بها فأنها متعة زائلة .
  2. مراقبة العبد لأفعاله وعلمه بأن الله – عز وجل – يرى ويسمع كل ما يفعل .
  3. الخوف من أن ينظر الله إلى العبد وهو في حالة لا يرضي عنها ، أو أن يقبضه الله في سوء خاتمة .
  4. تذكر النعم التي أنعم الله – عز وجل – بها على العبد وأنه ليس من شكر الله عليه أن يقابل نعمة بالمعصية .
  5. أن يعلم المسلم أن الله خلق له نفس طاهرة نظيفة وأنه يجب أن يرتفع بها عن الذنوب والمعاصي.
  6. أن يحب العبد ربه أكثر من أي شئ أخر فهذا الحب دافع للبعد عن ما يكره المحبوب .
  7. أن يتذكر الإنسان الموت في كل وقت ، فأن الموت أكبر واعظ للإنسان .


الصبر على طاعة الله

كما أن ترك المعصية وعدم فعلها يحتاج إلى صبر ، ومجاهدة لنفس كذلك فإن الصبر على طاعة الله – عز وجل – والمداومة عليها يحتاج للكثير من الصبر ، وخاصة وأن الحياة فيها الكثير من الأشياء التي تلهي الإنسان عن طاعة الله – عز وجل – فقد قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) فأن مصاحبة الأخيار هي أكبر دافعاًَ  وسبباً يجعلك تستمر على الطاعة ، وتداوم عليها . [3]


أنواع الصبر في القرآن

  • هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم التي تحدث الله – عز وجل – فيها عن الصابرين ، وأثنى عليهم  فقال -تعالى-: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فإن الصابرين يحصلون على أعظم جزاء وهو صلوات الله – جل وعلا- عليهم .
  • كما أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – بين أن الصبر هو نعمة من نعم الله – عز وجل – فقال : (ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)،
  • كذلك فإن الصابرون لهم أجر كبير كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
  • وقد ذكر الله – عز وجل – أن الصابرون يحصلون على محبة الله – عز وجل – لهم فقال: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
  • وبالصبر تتحقق معية الله -تعالى- للعبد؛ فقال: (وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ) . [4]