اسهامات ابن خلدون في التعليم
يعد ابن خلدون واحد من أهم العلماء المسلمين العرب على الإطلاق، فله العديد من الإسهامات الهامة في أكثر من مجال التي لا زال العالم بأسره يستفيد منها حتى اليوم، ومن أبرزها إسهاماته في علم الاجتماع فقد ترجمة مقدمة كتابه العبر لأكثر من لغة مختلفة نظراً لأهميتها، فضلاً عن إنجازاته في مجال السياسة والقانون والفلسفة والاقتصاد والتعليم.
اسهامات ابن خلدون في التعليم
أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أهمية التعليم ومدى تأثيره على المجتمع وإلى الأسس التي يجب أن يقوم عليها أي نظام تعليمي، فذكر أن التعليم يجب أن يكون مزيج بين المحتوى الفكري والأخلاقي والتعليمي الذي يساعد على إبراز الإمكانيات المختلفة التي تمتع بها كل فرد بما يساهم بناء وتطوير شخصيته، وبناءً على ذلك يرى أن المعرفة يمكن تقسيمها إلى جزئين أساسيين: الأول يقوم يتمحور حول الفلسفة انطلاقاً من الإمكانيات العقلية والفكرية، والثاني يتمحور حول التعليم الديني، فيعتقد ابن خلدون أن كل من فرعي المعرفة السابقين مهمان للغاية في تنمية البشرية وتقدمها فكل منهما له دور في عملية تقدم أي أمة.
ووفقاً لذلك يرى ابن خلدون أن أي نظام تعليمي في أي مجتمع يجب أن يتم تأسيسه بناءً على أيديولوجيته السائدة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر في المجتمع المسلم يجب على أي مسلم أن يكتسب المعرفة الكافية بالسنة النبوية الشريفة وبالقرآن الكريم وأن يتبع ما أمر به الله سبحانه وتعالى بناً على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحتى يكون التعليم مفيد للمجتمع يجب أن يقدم عدداً من المزايا وفقاً لابن خلدون تتلخص فيما يلي:
- ينبغي أن يعمل التعليم على تطوير وتنمية كفاءة أفراد المجتمع الاقتصادية والاجتماعية حتى يتمكن المجتمع من الاستفادة منهم بشكل جيد.
- ينبغي أن تكون عملية التعليم واحدة من الوسائل التي يحقق بها الإنسان سعادته.
- يجب أن يكون الهدف الرئيسي من التعليم هو تنمية المنطق والتفكير.
كان العالم ابن خلدون فيلسوف عظيم ومؤرخ صاحب صيت واسع ومعلم لا مثيل له، ما طرحه من آراء وأفكار حول عملية التعليم وتطوير العقل البشري التي تميزت بطابعها النفسي العميق جعلته واحد من أفضل المعلمين على مر التاريخ، ومساهماته التي تركها في مجال التعليم تتمتع بمكانة وقيمة كبيرة حتى اليوم في مختلف أرجاء العالم فنظام التعليم الحديث اليوم يدعوا لتبني نفس الأساليب التي أشار لها ابن خلدون، فقد أكد على ضرورة الاهتمام بالتعليم المهني لجانب التعليم الأكاديمي، كما شجع على ضرورة تشجيع الروح الإبداعية والخيالية في عملية التدريس. وفيما يلي نسلط الضوء على إنجازاته بشيء من التفصيل.[1]
علاقة المعلم بالطالب
تطرق ابن خلدون للحديث عن علاقة المعلمين بالطلاب فيرى أنه من الضار للغاية أن يكون المعلم صارم وقاسي مع طلابه خاصةً مع الطلاب في المراحل المبكرة للتعليم، فيرى أن هذا النوع من العنف والعدوانية مع الطالب سيؤثر بشكل سلبي على الطفل متسبباً في تعاسته وربما يقضي على رغبته في التعليم والدراسة. أيضاً سيتسبب ذلك إلى سوء تصرف وسلوك الطفل ويجعله يشعر بحالة مستمرة من الخوف وبمرور الوقت سيتعلم التمرد ويصير هذا الأمر جزء لا يتجزأ من شخصيته وطبيعته.
بالتالي سوف تفسد مختلف الجهود والأنشطة التي تستهدف تنمية الجوانب الاجتماعية للطالب وتعمل على تعزيز مفهوم احترام وتقبل الذات داخله وتؤكد على أهمية القيم، لذا يرى ابن خلدون أن المعلمين والمعلمات والآباء والأمهات لا ينبغي عليهم أن يكونوا عدوانيين مع الأطفال لإكسابهم الأخلاق والمعرفة.
أسلوب التعليم
أكد ابن خلدون على أنه لا يجب على المعلمين إجبار الطالب على اتباع أسلوب الحفظ بدلاً من الفهم، مشيراً إلى أن المعلم في المعتاد يشرع في شرح الجزئيات الصعبة والمعقدة للطلاب في المواد التي يتعلموها للمرة الأولى وهذا الأمر يجب الطالب على حفظ المعلومات كما هي بدلاً من محاولة استيعابها ويتقبلون هذه الطريقة بكونها الطريقة الصحيحة للتعليم.
لكن هذه ليست الطريقة الصائبة للتعليم فعدم قدرة الطلاب على فهم الدرس تدفعهم لحفظهم وتحولهم لمجموعة من الكسالى فترفض عقولهم تقبل المعلومات وتطول بسبب ذلك عملية تعليمهم، لذا يجب على المعلم ألا يحمل الطلاب ما لا تستطيع قدراتهم استيعابه حتى يجنبهم الاضطرار لحفظ المعلومات كما هي بدلاً من محاولة استيعابها، وأيضاً حتى لا تختلف لديهم المفاهيم والقضايا المختلفة وتصبح الأمور بالنسبة لهم أكثر تعقيداً.
كما أشار إلى أن إجبار الطلاب على اتباع هذا الأسلوب في التعلم يحولهم لمستمعين ومتلقين للمعلومات فقط، فيركزوا على حفظ التفسيرات والملاحظات التي يلقيها عليهم المعلم دون أدنى محاولة منهم لبذل جهود في التفسير والتفكير وهو أمر مطلوب للغاية في تعلم تعاليم الإسلام، بالتالي يقتل داخلهم ملكة التفكير.[2]
أسلوب التدريس
يرى ابن خلدون أن طريقة التدريس التي يتبعها المعلم تعد من الأمور الهامة في عملية التعليم، فأسلوب التدريس الذي لا يسمح للطلاب بتفسير ما تم تناوله في الدرس ولا يمنحهم الفرصة على تقديم حلول للمشكلات المختلفة بأنفسهم يقتل قدراتهم على الإبداع والتفكير والتطوير والابتكار.
فأكد على أن أسلوب التدريس الصحيح يجب أن يستهدف تحفيز الإبداع والتطوير لدى الطلاب، من خلال البدء بتقديم المعلومات البسيطة للطلاب التي يمكنهم استيعابها من خلال الاعتماد على أسلوب التدرج في تقديم المعلومات من الأقل صعوبة حتى الأصعب وبذلك سيتمكنوا من فهم المعلومات التي تقدم إليهم ويدركوا أهمية التعليم وفاعليته.
فكان يرى أن التعليم يجب أن يبدأ بالمعلومات البسطية ومن ثم يتدرج شيء بشيء للمعلومات الأكثر تعقيداً وصعوبة وكان حزين للغاية ممن تجاهلوا هذا الأمر من المعلمين ولم يهتموا بطريقة التدريس الفعالة التي تفيد الطلاب ليستفيد منهم المجتمع، فاعتمدوا على البدء بالمعلومات المعقدة وتدرجوا منها للمعلومات البسيطة وخلطوا بين المعرفة الابتدائية والمتقدمة، وأشار لتأثير ذلك على الطلاب فكرهوا ما تم تدريسه لهم من موضوعات بهذه الطريقة فكان يصعب عليهم استيعابه، لذا دعا المعلمين للبدء من البسيط إلى المعقد ومن المعروف إلى المجهول.
وبناءً على ذلك وضح ابن خلدون أن أفضل وسيلة لإكساب الطلاب القدرة على التعلم بشكل فعال ومفيد هي جعلهم جزء من حل المشكلات المختلفة وإشراكهم في المناقشات المختلفة حول ما يطرح من موضوعات، لذا سلط الضوء على أهمية إجراء المناقشات داخل الصفوف الدراسية وتطرق للحديث عن أساليب النقاش الفعالة التي ستمنح الطلاب فرصة لطرح آرائهم وتحليلاتهم.
أيضاً ذكر ابن خلدون أن المواد يجب أن تدرس بناءً على قدرات ومستوى الطلاب وبذلك سيتمكنوا من التعلم والاستيعاب بشكل أسرع ويفهموا المعلومات بشكل صحيح، لذا انتقد أسلوب التدريس الذي اتبع في عهده وقدم في ذلك الوقت العديد من المقترحات لتطويره ورأي أن طريقة التدريس يجب أن تتم على ثلاث مراحل هي:
- المرحلة الأولى “المقدمة”: ينبغي على المعلم أن يقدم موجز للطلاب في البداية عن موضوع الدرس ومن ثم يمنحهم تفسيرات وأمثلة واقعية ملموسة تدعم موضوع الدرس.
- المرحلة الثانية “التطوير”: في هذه المرحلة على المعلم أن يشرح الدرس للطلاب بشيء من التفصيل حتى يتمكن الطلاب من فهمه، فيجب أن يتطرق للنقاط التي تم طرحها في المرحلة الأولى باختصار بشيء من التفصيل والشمول.
- المرحلة الثالثة “الملخص”:على المعلم في هذه المرحلة أن يراجع الموضوع مع طلابه حتى يتأكد من تمكنهم من فهمه.