من هم السفسطائيون
من هم السفسطائيون الذين اشتهروا في مدينة أثينا اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد ، وما هي أبرز المبادئ التي قام عليها الفكر السفسطائي ، وكيف تحولت دلالة كلمة سفسطائي إلى النقيض .
من هم السفسطائيون
جاءت كلمة السفسطائية من كلمة ” Sophistos ” اليونانية التي تم اشتقاقها من كلمة ” Sophia ” التي تعني ” الحكمة ” ، ويكون المعنى العام لكلمة ” Sophistos ” هي الشخص الذي يُمارس الحكمة .
كلمة صوفيا تُحدد بعض أنواع الخبرة ، هذا إلى جانب تحديدها للحكمة العامة في الحياة وسلوكها ، وأنواع الحدس ، والبصيرة الموجودة لدى الشعراء ، و
الأنبياء
، والفيزيائيين ، وغيرهم ؛ ولهذا فإن المعنى الأصلي لكلمة صوفيا هو ” الخبير ” ، أو ” الحكيم ” .
السوفسطائية
ظهر مصطلح السفسطائية في القرن الخامس قبل الميلاد ، مع حفاظه على المعنى الأصلي له ، وقد طُبق على نوع جديد من المثقفين ، ونوع جديد آخر من المربين الذين يمتلكون قدرًا كبيرًا من الخبرة في طرح
التعليم
وتقديمه في مختلف المواضيع باليونان ، مع تركيزهم على مهارات الخطابة ، ومهارات السلوك الناجح للفرد ، وذلك مقابل أجر محدد .
ظهرت هذه المهنة في المجتمع اليوناني كامتداد ” للرابسودي المتجول ” ، وهو قارئ القصائد ، ومن أبرز أعلام الرابسودي الشاعر الإغريقي الشهير ” هوميروس ” .
يُعد ظهور هذه المهنة أيضًا استجابةً لكافة مظاهر التطور الحادثة في مختلف المجالات في المجتمع اليوناني في ذلك الوقت سواء على الجانب الاجتماعي ، أو الاقتصادي ، أو السياسي ، أو الثقافي ، أو غير ذلك .
بعد زيادة ثروة المجتمع اليوناني ، والتطور الفكري الكبير الذي اجتاح المدن اليونانية ، وخاصةً في أثينا ظهرت الحاجة إلى وجود تعليم عالٍ في البلاد ، ويكون متخطيًا لحد التعليم الأساسي الذي يقوم على محو الأمية ، وتعليم الحساب ، وتعليم الموسيقى ، والتدريبات البدنية ؛ الأمر الذي أدى إلى وجود الكثير من التكهنات العامة بشأن العالم المادي ، حتى أنها شملت العديد من المجالات الإنسانية ، مثل الحضارة ، والتاريخ ، والجغرافيا .
في المجتمع اليوناني كان هناك وجود بارز للديمقراطية التي تقوم على مبدأ المشاركة ، وخاصةً داخل المجتمع الأثيني ؛ مما أدى إلى الحاجة إلى الخطابة الناجحة في مجالات السياسة ، والمجالات الجنائية ؛ وذلك بهدف وجود الحجج لإقناع الجماهير .
كانت الفترة التي ظهرت فيها السفسطائية في المجتمع اليوناني هي فترة من الازدهار العقلي ، والفكري ، وخاصةً في مجالات السلوك ، والأخلاق ، والدين ، والسياسة ؛ حيث لاقت إقبالًا شديدًا من قِبَل السفسطائيين ، كما أضافوا إليها الكثير .
وبالرغم من هذا فإن الطابع الفردي كان الغالب على السفسطائيين ؛ حيث أنهم لم يهتموا بتشكيل مجموعة خاصة بهم من المعقدات ، أو تشكيل المدارس ، أو المنظمات التي تجمع أفراد هذه المهنة . [2]
وفيما بعد في النصف الثاني من القرن الخامس اتخذ المصطلح استخدامًا ضيق النطاق شمل المعلمين المتخذين للفضيلة ، والتميز ، وبالرغم من ذلك فلا يجب أن يتسبب هذا القصر في إحداث نوع من التمييز بين الفلاسفة مثل ”
سقراط
” ، والسفسطائيين مثل بروتاجوراس ، وجورجياس ، وبروديكوس . [1]
أعلام الفكر السفسطائي
بروتاجوراس
كان بروتاجوراس الذي ينتمي إلى مدينة أبديرا المطلة على الساحل الشمالي لبحر إيجيه ، والتي خضعت للإمبراطورية الأثينية أحد أبرز أعلام
الفلسفة السفسطائية
، ومن الشخصيات الرئيسة التي لها أثر كبير في ظهور ذلك النوع الجديد من الفكر السفسطائي ، كما كان الفيلسوف ديموقريطس الذي ينتمي إلى مدينة أبديرا أحد مُعلمي بروتاجوراس .
يُفيد فكر بروتاجوراس السفسطائي أن الفلسفة قد تمت ممارستها في العصور القديمة من قِبَل العديد من الشعراء ، وغيرهم ، كما أن بروتاجوراس هو أول شخص يُعلن اتباعه للفكر السفسطائي ، ودعا إلى تعليم الناس مبادئ هذا الفكر ، وكان يرى أن تعليم التمييز البشري هو وسيلة النجاح في الحياة ، وهي الوسيلة التي ادعاها الشعراء .
ادعى بروتاجوراس أنه يُعلم الناس كيفية إدارة الأمور الشخصية بطريقة صحيحة ، وأيضًا الطريقة المثلى لإدارة شؤون الأسرة ، والأمور العامة الأخرى في حياتهم ، وتعليمهم كيفية المساهمة الفعالة في المجتمع .
وفي أشهر خطاباته أضاف تقديمه لسرد خاص لتطور الحضارة الإنسانية ؛ وذلك ليُبرهن عن أن مبادئ المُواطَنة الصالحة تتكون في ضبط النفس ، والعدالة ؛ لأن من طبيعة البشر أن تميل إلى المحافظة على النظم الاجتماعية ؛ للحفاظ على بقاء النوع . [2]
جورجياس
كان جورجياس من مدينة لينتوليني ، وكان من أحد أهم أعضاء الفكر السفسطائي ، وكان ينفي قدرته على التدريس ، وبالرغم من ذلك كان يعمل بشكل أساسي على الخطابة ، واستخدام قدراته في إلقاء الحديث المقنع للناس ، مع قبوله للأجر .
تجول جورجياس بشكل واسع في جميع المدن اليونانية ، وقد زار أثينا في عام 427 قبل الميلاد ؛ كما حصل على الكثير من المال نتيجة للدروس التي تضمنتها الخطب التي ألقاها .
كما يُصور أفلاطون جورجياس بأن خطابه جزء من طبيعة المشاهير ؛ فيكون خطابه إما غير مدروس بشكل دقيق من حيث وجهات النظر ، والآثار التي تترتب عليه وعلى خبرة جورجياس ، أو أنه يشعر بالحيرة ، والتردد لمشاركة الفِكَر مع الناس ، مع إنكار مسئوليته حول الاستخدام غير الصحيح لخطابه من قِبَل الطلاب .
دائمًا ما يُقدم جورجياس نفسه بأنه شخص معتدل إلى درجة ما ، وبالرغم من هذا فإن حوار أفلاطون يُفيد بأن كل من مبدأ “بولس ” الخاص بالدفاع عن الظلم ، ومبدأ ” كاليكلز ” الخاص بقوة جاذبية الحق الطبيعي يعتمدان بشكل جزئي على مفاهيم ، وأساسيات خطابات جورجياس . [1]
نقد السفسطائية
اتخذت كلمة السفسطائية معنى أخر بعد تعرضها للنقد من قِبَل الفلاسفة أمثال
أرسطو
، وأفلاطون ، وسقراط .
أشار سقراط إلى السفسطائيين بأنهم يعملون على تحويل الحجة الواهية إلى حجة قوية بالخطابة والكلام ؛ فيتمكنون من الإقناع بالفكرة الخاطئة ، وكأنها الفكرة الصحيحة القوية ؛ فهدفهم الأساسي هو الدفاع المستميت عن رأي ما ، أو منظور ما بغض النظر عن الوسيلة التي يتبعونها لإقناع الجمهور بذلك ، سواء كانت وسيلة شريفة ، أو غير شريفة . [3]
وتحولت كلمة السفسطائية من مفهومها الأصلي المقبول إلى مفهوم المعلم الذي يكتسب المال من خلال العلم سواء بالحق ، أو بالباطل ، وبهذا أصبحت السفسطائية ، أو السفسطة صفة مذمومة تُشير إلى فساد المنطق ، وإبعاد العقل عن الحقائق ، والأوضاع المقبولة ، والتضليل ، وتمويه الحقائق .
كانت صلة المجتمع اليوناني بالفلسفة السفسطائية وثيقة للغاية ، وهذه العلاقة لن تُشهد من قبل في المجتمع اليوناني ؛ وذلك بسبب أن الفكر السفسطائي قد نشأ نتيجة للأحوال الاجتماعية ، والسياسية في المجتمع ، والتي سادت في القرن الخامس قبل الميلاد ؛ حيث سخرت السفسطة من نظرة الفلسفة المجردة للوجود ، وهدفها لتحقيق الخير العام ، والخدمة العامة .
وبالرغم من هذا فإن سقراط اتفق مع السفسطائيين في الجانب المتعلق بضرورة الفلسفة للبحث في الأخلاق ، والحياة ؛ فقد اختلف سقراط معهم في المذهب ، وليس في الموضوع الرئيس للفلسفة . [4]